السحر الأول :
عندما يغزوني الألم وتلسعني الآهات، أتقرب إليكِ وأرحَل إلى مرافِئِك الجميلة، أحِس الفرح الهارب في دروبك، أتحرّر من كل ما يُعيد لِجرحي لسعاته القاسية، أنطفئ في الحرف والكلمة، وأتلذّذ بالسحر الذي ألقاه منكِ.
يَلُُفّْني الصمت الصارخ وتقتُلني عواصف البكاء والفرح، فأرجعُ إلى خرائطي أتأمَّل أنينَها، كيمياء جسدي تتغير، تتبدَّل روحانيات أخرى تحتلُّني، جِنيات الأقلام المضيئة تقفِز نحوي، تستفز أصابعي وتقذفني إلى محطات بعيدة، تأسِرُني شخوصها تعجِبُني أنوارها المنيرة الساحرة، فأصرخ في صمت، أني أريد المداهمة.
المداهمة :
أدخل، أحفِر، أكشِف عن كل مستور، يأخذني الحدث، لأحلّق في سماوات الكلم، أستشرف الآفاق، وأضع يدي على كل الحقائق المنطوية تحت أسماءٍ مغايرة، أهرب من كل إسفاف يُفسِد عليّ نقاءَ الكلمة ومن كل سلطة شيطانية تُعكر صفو تعبيري الراقي، أنزلق بخِفّة وأهيم في شواطئي النقية دون أن تنام في طيّات يدي جراثيم العُري والعصيان، أتطلَّع إلى السماء وأبتسِم بلغة لا يفهَمُها إلا المُتطلّعون.
ليل الكتابة :
أيُّ بُعد يمكن للكتابة أن تبنيه؟ وأي بُعدٍ يمكن لها أ ن تحتفِل به؟ وهل يمكن للذات الكاتبة أن تتجاوز نفسها وتدخل في دهاليز القذف والاعتراض، هل يمكن للذات الكاتبة أن تُطفئ النور المرسل من معين الحق المتدفق.. هكذا تساءلت وأنَا أدفِن وجهي في أوراقي البيضاء، لا يمكن لكتابة تؤسِّسُ للتضليل أن تشرق ملامحها، أو أن تُمطِر أراضيها برذاد الحب والتفوق، فلَيْلُ الكتابة هو ليل سهاد، ليلُ ترقُب، ليلُ رحيل في جنبات التفكر الدقيق، وقراءة مُتأنِّية لواقِع ثَقُلَتْ موازينُه بآلاف الخطايا، هو ليلٌ خاص لا تُفتَح أبوابه للعُمْي التائهين، ولا تبزُغ نُجومه للمتخاصمين في حقّ الكريم الرحيم، ولا تسطع شمسُه لأيّ قادِم مجهول، هو ليل الكشفِ لا يُفْتَحُ إلاّ للمبْصِرين.
المجاورة :
في جوارك البعيد، المرسَل في سماء الحقيقة المضيئة، أرحَلُ في فرح فيروزي، أتوهّج بالكلمة، وأنتشي بالسكّن إلى مواطن الحق، هي حقيقة الارتياح الذي يجتاح جسدي، ونِعمةُ الوقوف عندَ عتبات جليلة.
مجلَّلَة هي المجاورة الحقيقية لأراضي موشومة بالقُربِ الموْلَوِي، هو صلحٌ خاص مع الروح، وتعلُّمٌ صحيح لمبادئ الفضيلة وتعاليم حُسن الإنصات لما لم يأتِ به أحدٌ من البَشر. إنصات يُدخِلنا في مراكب العارفين لنسكُب دموعاً نورانية تسطع بالحبرِ الأسود، وتُقدّم للقارئ شكل التعامل الفني مع أشكال الكون الجميل.
الولادة الأخيرة :
ينتهي المخاض العَسير، وتمرُّ ساعات مُتتابعة من الشوقِ العميق الى الوصول إلى مراتب التطلع، إلى كل ما يمكن أن يزهِر ويتفتّح، نص يولد بماء كالندى يسقي الأفئدة الباردة، نص يُحقق الوصال ويفوز بالجِنان الخالدة، نص يصالِحُ الرّوح المطمئنّة ويُضيف اللمَسَات الأنيقة لكل شيء تغيّرت ملامحه الجميلة بفِعل أيادٍ قذرة مُتَغرِّبة، نص يولدُ ليُعْلن عن كتابة ملتزمة بأخلاقيات لا تسمح لنفسها أبداً أن تتنكّر لإكليل المحبّة والكرم الذي يلُفّ عنقها، نص يكبر ويُزهِر ليُترجم عبير الحمد والتكبير.. زغاريد متلألئة لقدوم ربيع الكتابة المتوهج…