تقديم : أجرت صحيفة العالم الإسلامي في عددها 1700/ 8يونيو 2001 حواراً مع د. عبد السلام الهراس حول مجموعة من القضايا المتعلقة بالعمل الإسلامي. ولأهمية الحوار نعيد نشره تعميماً للفائدة.
يمتاز فضيلة الشيخ عبد السلام الهراس بخبرته الطويلة والعميقة بواقع العمل الدعوي في العالم الإسلامي وهو من الذين يرون الخطر الأول الذي يتهدد العمل الإسلامي، إنما هو خطر داخلي لذلك يشدد فضيلته على الرفق في العلم والعلم والإخلاص، والإلمام بالواقع..
التقته “العالم الإسلامي” فحاورته حول واقع العمل الدعوي والمخاطر التي تتهدده والأخطاء التي عليه تجنبها. وهذا نص الحوار معه :
< كيف ترى واقع العمل الدعوي اليوم؟
>> يختلف واقع العمل الدعوي اليوم من بلد لآخر، ويعزى ذلك لتفاوت مساحات العمل المتاحة في كل بلد. هذا التفاوت لا ينطبق على العالم العربي والإسلامي فقط بل كذلك على العالم الغربي. إن واقع الدعوة عموما يعتبر أكثر وعياً وأكثر حركة مما سبق. نستثني من ذلك بعض البلدان العربية التي يظل الواقع الدعوي فيها محدوداً لأسباب كثيرة يصعب حصرها لكن قاعدة الدعوة تبقى أوسع بكثير. ولكننا نلاحظ عندما تواجه حركة الدعوة بعقبات في بعض البلدان العربية، تنتج عن ذلك أساليب دعوية جديدة وأشكال مختلفة. إن الدعوة الإسلامية عندما تجابه بعقبات تنتشر انتشارا هادئا عبر مستويات ما كنا نظن أن تبلغها الدعوة. فتصل إلى أوساط وشرائح لم تهتم ولم تلتفت إليها قبل ذلك مثلا.. فالإسلام كالشمس إذا غابت أضواؤها عن بلد فإنها تكون ساطعة في بلد آخر، وتعود إلى نفس البلد خلال فترة قصيرة فليس هناك ظلام دائم فالدعوة الإسلامية تترك نوراً في القلوب والعقول والأرواح. العمل الإسلامي في أمريكا وانجلترا متطور، ويعكس المستويات العلمية والثقافية للمسلمين هناك، وقد حقق المسلمون في تلك البلاد انجازات هامة جعلت ولي عهد البلاد ورئيس الحكومة في بريطانيا يشاركان المسلمين احتفالاتهم. وعندما نرى شرطيات مسلمات محجبات في شوارع لندن، وكذلك عندما نرى مؤسسات في أمريكا وغير أمريكا تعتذر للمسلمين عن أخطاء ارتكبتها في حق عقيدتهم فإن هذا أمر يسر كل مسلم. لقد تغيرت الأمور كثيرا. بعض الدول لا أستطيع أن أقول إنها ضد الإسلام ولكن ترتكب فيها أخطاء كبيرة ضد العمل الإسلامي بقصد وبغير قصد.
وهذا السلوك يجعل الناس يعيشون على الخوف كما يجعل علاقتهم بالحكام تقوم على عدم التجاوب وهذا خطأ كبير.
< بماذا تنصح الدعاة في مثل هذه الحالة؟
>> أنصحهم بأن يتجنبوا الاصطدام مع من يخالفونهم في الرأي وليأخذوا الأمر باللين والرحمة لأن مجتمعاتنا الإسلامية لا يمكن أن تتخلى عن دينها مهما مورس عليها من ضغوط ومهما وضع لها من عراقيل.
من جانب آ خر هناك بعض الدعوات الإسلامية التي مازالت تعيش بعقلية جد متخلفة، ولا تستفيد من التجارب السابقة ولا من الوسائل الحديثة المتطورة، ولا تعرف حتى من تخاطب في بلدها، نجد بعض الأشخاص مثلا يذهبون إلى أمريكا ويخاطبون الناس بعقلية لا تصلح إلا للشعوب عندنا وبقضايا تهم مجتمعهم الذي كانوا فيه، ويصرون على ترجمة بعض الكتب التي لا علاقة لها بما يحسه الإنسان الغربي.
< فما هي الأخطاء الجوهرية التي يحذر منها فضيلتكم والتي ترتكب في العمل الإسلامي؟
بكل صراحة بعض الدعوات لم تستفد بعد من التجارب التي مرت بها، وهناك دعوات أخرى لم تتكيف بعد مع واقعها المتطور، ولم يبق منها إلا الإسم. فدعوة الإسلام قائمة على أمرين : الاخلاص والعلم فالإخلاص بدون علم لا يساوي شيئاً كما لا يساوي العلم شيئا بدون اخلاص. فالدعوة الاسلامية في اسبانيا مثلا يمكن أن تكون ناجحة لو اتجهت أساسا إلى الجالية المسلمة الموجودة هناك. البعض يحمل هناك دعايات القومية العربية والأحزاب والأفكار المنحرفة والمعنيون بالأمر هنا هم المسلمون الأسبان. وعلينا أن نخاطبهم على هذا الأساس كما أن هناك مؤسسات مهمة جدا نقضي عليها بالخلاف فيما بيننا، هذه عراقيل ذاتية يجب أن نتجنبها.
< هناك العديد من الحركات الإسلامية اتجهت الى العمل السياسي خلال السنوات الأخيرة، ما رأيك في هذا التحول؟
>> السياسة والإسلام شيء واحد فالسياسة هي تدبير شؤون المسلمين بما ينفعهم في الدنيا والآخرة وجلب المنفعة لهم ورفع المضرة عنهم، والنصح لهم في شؤونهم الدنيوية والأخروية، فلا يمكن أن نفصل الإسلام عن السياسة، ولكن عندما دخل الاستعمار جعل الدولة تبتعد عن الإسلام، إن الإسلام يتدخل حتى في قانون الطرقات، لو كان قانون السير مبنياً على الإسلام لاحترمه الناس وما كان تطبيقه واحترامه يحتاج إلى شرطي. علامة >قف” مثلا من الناحية الإسلامية تعني وجوب الوقوف تأميناً لسلامة من في السيارة والمارة، ومن يتعدى “قف” فقد ظلم نفسه، بحيث يتعرض للعقوبة الدنيوية وكذا العقوبة الأخروية، لأنه قد يكون سببا في موت الأبرياء، وهكذا الأمر بالنسبة لمختلف شؤون الحياة. علينا أن نستشير علماء الإسلام الذين يجمعون بين فقه الدين وفقه الواقع. الحركات الإسلامية في الواقع لها الحق في أن تشترك في العمل السياسي ولكن أن تدخل بوجه ونظر اسلامي داخلا وخارجاً، تعجبني بعض الحركات الاسلامية التي تقول >نحن لا نشكل جانب المعارضة، نحن نوجه وننتقد ونؤيد، لا نتبع أسلوب ذكر المساوئ أو إطراء المحاسن< من أحسن نقول له أحسنت، ومن أساء ننبهه بالتي هي أحسن، وهذا هو السلوك الإسلامي الذي ينبغي أن يكون. هناك التجربة اليمنية ربما ستكون ناجحة لو تركوها تنمو في جو ديمقراطي، لأنني رأيت أن بعض الحساسيات القديمة بدأت تظهر مثلا محاولة الحزب الاشتراكي القضاء على المعاهد الدينية الإسلامية، فما قيمة اليمن التي قامت على المعاهد الدينية الإسلامية؟ كذلك الأمر بالنسبة للتجربة الأردنية لو توفرت لها الشروط، وفي المغرب يمكن أن تنجح الحركة الإسلامية إذا كانت النية صادقة.
< ما هي أهم الأخطاء الواجب على الدعاة اليوم تجنبها؟
>> أولا التسرع الناتج عن عدم الإلمام بواقع البلد والعالم، كل حركة ينبغي أن تكون مدروسة ولو دعت الضرورة أن تكون لديهم مجموعات لدراسة المشكلات والقضايا المطروحة، فالإخلاص والحماس غير كافيين، وأن ينجح الإنسان بعد خمسين سنة بخطوات ثابتة وعلمية ودقيقة خير من أن ينجح خلال سنتين أو ثلاثة وبعد ذلك تخبو حركته.
< ما هي أهم المخاطر التي تهدد العمل الدعوي؟
>> فيما يتعلق بالدعوة فالمخاطر تأتي من الداخل، أي من نفسها، العدو الأول هو الداخل، فالجهاد الأول يجب أن يكون ضد النفس كما ذكر في القرآن، يجب أن نجاهدها لتقتنع بالحق أولا، ولتدعو إلى الحق وتعمل به وتصبر عليه. لا يمكن للباطل أن يغلب الحق، فالحقيقة تعبر عن نفسها وتنمو وحدها بقوة جبارة، أنا لا أشعر بالخطر، إلا من نفسي، إذا سلمت نفسك فالفيروسات الخارجية تصبح خادمة لك، فالمخاطر كلها من أنفسنا وينبغي ألا نعلق على الآخرين وأن نصلح ذاتنا.
العالم الإسلام ع 01/6/8