واقع الطفولة بالمغرب بين الخطاب والممارسة


حل علينا اليوم الوطني للطفل (25 ماي الماضي) هذه السنة دون أن تعرف وضعية الطفولة بالمغرب تلك القفزة النوعية المرجوة والتي يحملها خطاب المؤسسات الرسمية دون أن تصدقها الممارسة اليومية في مجال الصحة والتربية والتعليم والاعلام والتنشيط. فلازال الطفل المغربي محاصرا بالتغريب والأمية والأمراض والفقر والتفكك الأسري وارتباك نموذج القدوة. وخلاصة القول إنه لازلنا لم نؤسس سياسة وطنية مسؤولة في مجال الطفولة واضحة المرجعية قوية الدوافع حقيقية الأهداف سليمة الخطوات وقريبة الآفاق. ومهما قاله المسؤولون خلال هذا اليوم الوطني فان واقع الطفل يؤكد عكس ذلك

الواقع المؤسسي

يحتاج الطفل إلى جانب مؤسسته الأم أي الأسرة الى مؤسسات أخرى تحتضن مواهبه وطاقاته وتنظم أوقاته وفراغاته، خاصة في وقت أصبح فيه الشارع عنصر هدم وفضاء انحراف مناقض لجو الأسرة وبالتالي يمكننا التأكيد  على أن مقياس اهتمام دولة ما بطفولتها هو الوجود الكمي والنوعي لمختلف هذه المؤسسات واحتضانها للطفل بل  إننا نتعدى هذا لنقول إن معيار تقدم دولة ما ونموها يرتبط بمدى وجود هذه الشبكة المؤسساتية وفاعليتها.

فالطفل حقيقة في حاجة الى ساحات للعب ودور الشباب والمخيمات والمدارس والمستشفيات المتخصصة والمكتبات الخاصة وغيرها من المؤسسات المرتبطة بحاجاته في النمو والتعلم، في التربية والترفيه، في الدراسة والإبداع.

وأول ملاحظة في هذا المجال بالنسبة لبلدنا المغرب، فإننا لا نكاد نجد إحصائيات مدققة ومفصلة حول مؤسسات الأطفال بالمغرب كما لا نجد إعلاما خاصا بها. كما نلاحظ إجمالا بالمعاينة والممارسة إهمالا لهذا الجانب وضعفا كبيرا فيه، فالمدارس الابتدائية مثلا مكتظة بالتلاميذ وتستوعب ضعف طاقتها رغم وجود حوالي مليونين ونصف المليون طفل في الشارع خارج المدارس، كما أن عدد دور الشباب لا يتجاوز 270 داراً بنسبة 35 الف طفل لكل دار للشباب، في حين أن طاقتها الاستيعابية لا تتجاوز إجمالا 500  رائدا كما تفتقد كل المدن المغربية لمستشفى خاص بالأطفال، ولا نكاد نجد إلا أجنحة صغيرة وبائسة. أما مؤسسة المكتبة فهي مفقودة كذلك سواء تلك التي تقدم للطفل الكتاب والمجلة أو تلك التي تفتح آفاقه على الاعلاميات والانترنت وغيرها، أما ساحات اللعب والمنتزهات فهي خاصية مدن الواجهة، فلا يجد الأطفال إلا الشوارع مما ينتج عنه المآسي التي نلاحظ من انحراف وحوادث سير وغيرها.

إن هذا الوضع المؤسسي للطفل بصورته الكارثية البائسة يفند كل ادعاء اهتمام بالطفل. وأما عن تلك المؤسسات الصورية، فالطفل ليس في حاجة إلى برلمان بل هو في حاجة إلى قاعة وساحة للتنشيط وهو ليس في حاجة الى مرصد وطني لحقوق الطفل بل هو في حاجة الى هذه الحقوق حقيقية

الواقعالتشريحي

يتجاوز عدد الأطفال بالمغرب 12مليونا، لكن لا نكاد نجد في بنود التشريع المغربي مساحة مماثلة للتشريعات الخاصة به والتي تؤكد على حقوقه وحمايته. بل إن القانون المغربي فقير جداً في التشريع للطفولة سواء على مستوى التربية أو التعلم أو الصحة أو التشغيل أو غيرها

إذن فكل الخطابات الاستهلاكية للجهات الرسمية لا وزن لها ولا ضمان إذا لم تسم إلى مستوى قوانين مصادق عليها وتجد طريقها الى التطبيق

وفي المقابل يسعى المغرب الى تبني التشريعات الدولية ومواثيقها، بل التوقيع عليها كما وقع سنة 92 عندما وقع على اتفاقية حقوق الطفل خضوعا للهيمنة العولمية عوض ان ينتج المغرب تشريعاته الخاصة من مصدر عقيدته وشريعته ومن وحي واقع طفولته لا طفولة الآخر.

إن الطفولة بالمغرب في حاجة الى تشريعات تحفيزية تدعم جهود الآباء والمربين والمنشطين، والطفل ذاته، وهو كذلك في حاجة الى تشريعات زجريةتحميه من المنحرفين والشواذ والمستغلين

الواقع التوجيهي

الطفل فطرة تنمو وتتعلم، وقوة تكتمل وتتهذب، لهذا لابد للطفولة كمرحلة تأسيسية من رعاية وتوجيه من طرف الكبار. ولا نقصد بالتوجيه لغة الأوامر والنواهي والعقاب ولا ممارسة سلطة الوصاية واستنساخ الطفل نموذجا للكبار، بل إن التوجيه قبل كل هذا هو توجيه ذلك النسيج المؤسسي الذي تحدثنا عنه والإطار التشريعي القانوني المناسب وخاصة وعي من طرف الكبار بمسؤوليتهم التربوية وحاجيات الطفل وخصائصه.

فما حظ الطفل المغربي من كل هذا ؟

إن غياب سياسة تربوية واضحة ومؤسسة يلتزم بها الجميع ويبشر بها الاعلامي والمعلم والصحفي والممثل والمغني ورجل الإدارة وغيرهم، إن هذا الغياب يجعل عملية التوجيه الهادفة المقصودة غائبة وكل ما يتلقاه الطفل قصف إعلامي عنيف ومائع وتعليم يتخبط في اوحال الميثاق المشؤوم، ومؤسسات دور الشباب تعاني من الإهمال والحرمان وتنكر للفاعل الجمعوي، ومخيمات تنضح بالميوعة والاستغلال وفضاء مجتمعي عام لا يعطي القدوة ولا يغذي وجدان الطفل  إلا سُمَّا وتناقضات.

كما يعاني الطفل من مثاقفة عالم الكبار له بحيث تفرض عليه أنماطهم وأفكارهم وفضاءاتهم كما هو الشأن على مستوى الاعلام بحيث يتعاطى الطفل لكل أنواع البرامج أو في الشارع، بل إن ظاهرة أطفال الشوارع أصبحت تستفحل مما يعرض الأطفال لتأثير الهامش وأمراضه، كما يجب أن نتحدث عن عدم استثمار وجود المسجد كمؤسسة مؤثرة بحيث لا تقوم الجهة الوصية ولا العلماء بأي دور في هذا المجال كتحفيظ القرآن الكريم للأطفال أو التوجيه أو حتى التنشيط، في المقابل نجد أطفالا آخرين مع توفر كل الامكانيات لهم يعيشون التغريب والاغتراب في أحضان المؤسسات الأجنبية.

الواقع الاجتماعي

إن الخلل الموجود في المجال المؤسسي والتشريعي والتوجيهي لابد وأن ينتج عنه خلل في المجال الاجتماعي خاصة مع الفقر الكبير الذي تعيشه أغلب الأسر وغياب مساعدات مباشرة للأطفال وحماية صحية معممة ودائمة. فكثير من الاطفال يرهقهم الفقر والعري والمشي بحثا عن المدرسة والتشرد المتكرر في الشوارع والأحياء الهامشية، فوزارة الطفولة لا مشروع لها ولا ميزانية ولا إرادة سياسية، فهمّها الوحيد الاستجابة للتوصيات الدولية حول المرأة

إن التفكك الأسري وما ينتج عنه من طلاق وارتباك لنموذج الوالدين كل هذا يجعل الطفل أمام مخاطر العنف والحرمان العاطفي والإهمال الصحي، وفي المقابل لا توفر الدولة أي جهاز اجتماعي من مؤسسات ايواء واستقبال، الا تلك المؤسسات التابعة للخيرية الاسلامية ولا تؤطر أي مرشدات اجتماعيات لمتابعة حالات الأطفال.

ويزداد الوضع سوءاً مع الطفل المعاق والطفل المشرد والطفل في الوضعية الصعبة، وكل هذا ينبئ بمستقبل مظلم ومتخلف لأن مسؤولينا يكتفون بإعطاء أرقام مغلوطة عن وضعيةالطفولة ويكتفون بالتقاط صور جميلة داخل برلمان الطفل ويكتفون بالاستجابة للمظهر الخارجي الذي تفرضه المنظمات الدولية ولا تتجند لكي تجعل من كل طفل مغربي قوة مغربية تنمو ومستقبلا  زاهرا واعداً وأصيلا توفر له كل الامكانات كما كان يفعل سيدنا عمر رضي الله تعالى عنه.

إن هذا الواقع لن يرتفع الا بمطابقة الخطاب للممارسة وفسح المجال أمام مؤسسات المجتمع خاصة الجمعيات للقيام بدورها التنشيطي التوجيهي وتوفير كامل الامكانات لها دون أن تتخلى الدولة عن مسؤوليتها.

هذا الملف:

واقع الطفولة المغربية

محطات وأرقام

> التحرير

أصبح موضوع الطفل بالمغرب موضوعا اعلاميا بامتياز، دون أن يعني ذلك اهتماما موازيا على مستوى العمل والممارسة. وإذا استثنينا بعض المبادرات الفردية على مستوى منظمات وجمعيات المجتمع المدني، خاصة الاهتمام بالأطفال في وضعية صعبة وفضاءات للتنشيط والتخييم، فإن البرنامج الرسمي لم يؤسس شيئا يذكر في هذا المجال رغم رُكامه اعلاميا للكثير من المؤسسات والمحطات والأرقام. ونحن نوردها هنا إلى جانب أرقام ومؤسسات أخرى توضح الواقع الحقيقي للطفل المغربي :

- عدد الأطفال بالمغرب يتجاوز العشرة ملايين ويصل إلى نصف سكان المغرب إذا اعتبرنا الطفولة إلى سن 18 سنة.

- أحدث المغرب لجنة وطنية لتنفيد التصريح العالمي حول الطفولة سنة 1991.

- وقع المغرب على الاعلان العالمي لبقاء الطفل ونمائه وحمايته سنة 1992.

- لا يتوفر المغرب إلا على 279 دار للشباب بطاقة استيعابية لا تتعدى 500 رائدا.

- يظل حوالي مليونين ونصف مليون طفل مغربي في سن التمدرس خارج حجرات المدارس.

- انعقد في الرباط المؤتمر الوطني لحقوق الطفل في ماي 1994.

-تم تأسيس المرصد الوطني لحقوق الطفل سنة 1995.

- يفوق عدد الأطفال ضحايا حوادث السير نسبة 60%  من مجموع القتلى.

- لا تتجاوز نسبة البرامج المخصصة للأطفال من الإعلام الوطني 16%.

- لا يتوفر المغرب على أي مجلة خاصة بالأطفال تصدر بانتظام.

- لا يتجاوز عدد الكتب المخصصة للأطفال خلال السنة بعض عشرات ولا يتجاوز طاقة السحب فيها 2000 نسخة.

- تفوق الطاقة الاستيعابية للمدارس الابتدائية في المدن الضعف أي مقعد واحد لكل تلميذين.

- يموت كل يوم 6 أطفال مغاربة بسبب مرض القلب.

- يوجد باسبانيا حوالي 600 طفل مغربي عبروا الحدود سرا وتتكلف بهم منظمات مسيحية.

- من بين 4 مواليد جدد يموت 2 بسبب الإهمال وغياب التجهيزات ووسائل النقل.

- يوجد أكثر من 300 ألف طفل مغربي دون سن 14 في سوق الشغل للقيام بأعمال يحتاج أغلبها لجهد عضلي وحماية صحية.

-  ذ. مصطفى شعايب

اترك تعليقا :

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

يمكنك استخدام أكواد HTML والخصائص التالية: <a href="" title=""> <abbr title=""> <acronym title=""> <b> <blockquote cite=""> <cite> <code> <del datetime=""> <em> <i> <q cite=""> <strike> <strong>