تقديم : قام المفكر الإسلامي جودت سعيد بزيارة إلى المغرب مؤخراً زار خلالها عدة مدن مغربية لإلقاء بعض المحاضرات، وفي محطته الأولى بوجدة، التقته المحجة وكان لها معه هذا الحوار.
نبذة عن حياة جودت سعيد
جودت سعيد مفكر إسلامي بارز، له تجربة في قراءة الواقع الإسلامي ولد عام 1931 قدم العديد من الكتب والدراسات والمحاضرات منذ أواخر الخمسينات ولا يزال.
يهتم في فكره بترشيد الوعي الإسلامي، ونبذ فكرة العنف، ومفهوم التغيير، والبحث في آيات الآفاق والأنفس والحوار والتفاهم والتعايش.
بدأ أعماله الفكرية أوائل الستينات بكتيب عنوانه : “لم هذا الرعب كله من الاسلام؟” ثم أتبعه بكتب أخرى :
- مذهب ابن آدم الأول سنة 1966.
- الانسان كلا وعدلا سنة 1969.
- حتى يغيروا ما بأنفسهم 1972.
üüüüüüüü
> هناك التباس عند الكثير من الناس حول نظرتكم للجهاد، فهل من توضيح في هذا الجانب
< نحن في حاجة للحديث عن هذا الموضوع ليحدث فيه الفصل، حتى لا يبقى ملتبسا، أنا لا أنكر الجهاد، ولكن أريد أن يكون هناك فصل قاطع وواضح بين جهاد رسول الله وجهاد الخوارج، وأن يكون هناك فصل بين استعمال السلاح الذي يؤجر عليه صاحبه وبين السلاح الذي أمرنا رسول الله أن نتلفه وأن نضرب سيفنا بالحجارةونكسر قوسنا أو نقطع وتره وأن نعتزل الناس وأن نلتزم بيوتنا… في الوقت الذي يقول فيه : >إن الله يدخل بالسهم الواحد ثلاثة نفر الجنة؛ صانع النبل، وحامله، وغامده< بينما في مكان آخر يقول : ينبغي أن تكسر قوسك وأن تضرب سيفك بالحجارة وأن تتخلص من السلاح وأن تكون كابن آدم، حتى إذا خشن شعاع السيف فالْق ثوبك على وجهك ليبوأ هو بإثمك وإثمه أيضا، وهذه أحاديث موجودة في الكتب الصحيحة.
> تحدثتم كثيرا في كتاباتكم عن مجتمع الرشد ومجتمع العدل فماذا تقصدون بهذا؟
< إننا نحن في ثقافتنا، لم نبين للناس متى ينبغي أن نكسر أسلحتنا ونتخلص منها، فمهما كانت الشعوب ضائقة، ينبغي أن تعرف أنّ هناك ظروفا وحالة لا تلجأ فيها إلى السلاح. ثم إنه لماذا ينزع السلاح من طرف واحد! أنا أتصور هذا الموضوع وأحاول أن أفهم من حياة رسول الله كيف أنشأ مجتمع العدل، ومجتمع الرشد، ومجتمع السواء، المجتمع الذي يحكم فيه بالقانون وبالشريعة التي تطبق على جميع الناس؛ على فاطمة بنت رسول الله كما يطبق على أية امرأة، إن عدم تطبيق القانون على الناس جميعا يُصَيِّرُ المجتمع فاسدا، هذا الذي يعرض المجمتع للهلاك هذا الذي يوغر الصدر، علينا أن نفهم ما ورد في حديث رسول الله لما قال : >إنما أهلك من كان قبلكم إنه إذا سرق الشريف تركوه، وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد<. نحن حينما نضع مثل هذا المجتمع، لا ينبغي أن نرفع إليه سلاحا، لأنك إذا ظُلمت في هذا المجتمع فهو يحميك، فتلجأ إلى القاضي من أجل أن يأخذ لك حقك، أما إذا كان الفرد له الحق في أن يأخذ حقه في المجتمع بالقوة وشريعة الغاب/القوة هي التي جاء الانبياء من أجل التخلص منها.
فحديث رسول الله يعني : إذا التقى المسلمان بسيفيهما، فالقاتل والمقتول في النار، فقالوا يا رسول الله : هذا القاتل، فما بال المقتول، قال : إنه كان حريصا أيضا على قتل صاحبه، إنه يشارك الآخر في النية والتصور والمنطلق. وهناك القتال الجائز بين المسلم الواحد في سورة الحجرات {وإن طائفتان من المومنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما فإن بغت إحداهما على الأخرى فقاتلوا التي تبغي حتى تفيء إلى أمر الله فإن فاءت فأصلوا بينهما بالعدل وأقسطوا إن الله يحب المقسطين} فلما يكون مجتمع الرّشد والحاكم الشرعي، إذا جاء من ينازعه بالقوة فينبغي أننينصر الشرعي ضد اللاشرعي، لأنه إذا لم ننصره فنكون قد تركناه، وينبغي أن نحميه إلى آخر رمق.
> متى يمكننا أن نلجأ إلى القتال الشرعي وماهي شروطه؟
< إن مجتمع العدل يحمى فيه أفراده، وينشر هذا الخير الذي وصل إليه سائر الناس المضطهدين المظلومين الذين ليس لهم حق، ولا يطبق القانون إلا عليهم، فهذا الأمر ينبغي أن يزول من الوجود، فالحرب معلنة على “الأقوياء” إن لم يسووا بين الناس، وسيكون التغيير بالقوة من طرف المستضعفين : {ما لكم لا تجاهدون في سبيل الله والمستضعفين من الرجال والنساء والولدان لا يستطيعون حيلة ولا يهتدون سبيلا}، {ومن يولهم يومئذ دبره فقد باء بغضب من الله ومأواه جهنم وبيس المصير} هذا لما نصنع مجتمع العدل، ليكون القتال الشرعي الذي قام به الرسول ليرفع عن الناس الطغيان والاضطهاد… ثم لا ينبغي أن تقول ، في البداية له، أن تدخل في عقيدتي وإنما له حق أن يبقى على عقيدته، وإنما تنزع عنه تسلطه على الناس وإكراهه على الآخرين، فالدين الذي يأتي بالإكراه ليس بدين، والكفر الذي يأتي بإكراه ليس بكفر، هذه الأمور ينبغي أن نوضحها جليا للناس برزانة، فلهذا كان الرسول قبل أن ينشأ المجتمع الذي به يحكم، دعا الذين آمنوا أو قبلوا الدين الجديد باختيارهم، فلهذا صبروا، فهو يقول لآل ياسر : صبراً آل ياسر إن موعدكم الجنة، ويقول الله عز وجل : {وكفوا أيديكم وأقيموا الصلاة} فلماذا كل هذا؟ لأنه لا يريد أن يصنع المجتمع بالقوة وإنما بالاقناع حتى قالوا لرسول الله باقتناع : >خذ أموالنا وأنفسنا يا رسول الله أنت أشعرتنا بكرامتنا، فلهذا جاءوا ليقدموا أنفسهم وأموالهم إليه، وحينما هاجر لم يخرج معه جيش، وإنما سبقته الفكرة، واستقبله أهل المدينة “بطلع البدر علينا”، فهذا هو الفتح المبين، وهذا هو الرشد في إقامة الحكم بغير إكراه، ولهذا فالحكم الذي يأتي بالاكراه لا يكون راشدا، وقد فهم المسلمون هذا فلم يسموا حكما جاء بالاكراه راشدا وقالوا ملك بل هو على الغلبة والبغي…
> هل استطاع المسلمون إرجاع الرشد بالرشد؟
< لكن الذي خفي على المسلمين أنهم لم يعرفوا أن يعيدوا الرشد بالرشد، وظنوا أن حالة الرسول خاصة به، فالرسول لما كان يدعو الناس لدين الله، وخشي عمه ألا يستطيع وقال لا تحملني مالا أطيق فقال : ياعم لا أحملك شيئا وأنا علي أن أدعو في هذا، وأصر عليه حتى يظهره الله أو أهْلِك دونه و{لست عليهم بمسيطر}، {إنما عليك البلاغ}، فكان يدعو بدون إكراه فقبل الكثير من الناس دعوته، وتجمعوا حوله، فأنشأ المجتمع الراشد، وعند ذلك {أذن للذين يقاتلون بأنهم ظلموا وإن الله على نصرهم لقدير الذين أخرجوا من ديارهم بغير حق إلا أن يقولوا ربنا الله}.
> هل لهذا الموضوع من أسس شرعية؟
< إن للموضوع الذي نبحثه أسسه الشرعية، فالذي ينبغي أن نفهمه أن الرشد يأتي بغير عنف ويأتي بغير إسراف ولا وراثة. فأبو بكر كان له ولد وكذلك عمر، ومن ثم لم يجعلوا أولادهم هم الخلفاء، وكل الذين جاءوا بالقوة من المسلمين فيما بعد حولوا ذلك إلى الوراثة، ولا يمكن تسمية الذي جاء بالعنف رشداً لأنه هو يؤسس لضد الرشد.. ولهذا كلما جاءت أمة لعنت أختها.
فلا إكراه في الدين، أي لا إكراه في السياسة. الراشدون الذين لم يأتوا بالاكراه سموا راشدين، لهذا قال تعالى : {قد تبين الرشد من الغي} فالخلفاء الراشدون حكموا بالعدل بين الناس، ونصروا كل مضطهد واعطوا حرية الاختيار، ولكن نحن تحولنا إلى جيل آخر يعني صار بعضنا يكفر بعضا، والكفر ذنبه في الآ خرة. وأقول : >إن الله يحميني كإنسان وإن لم أكن مسلما، إذا قبلت السلم والعدل والله يقول : {فإن اعتزلوكم فلم يقاتلوكم وألقوا إليكم السلم فما جعل الله لكم عليهم سبيلا}(النساء : 89)، {لاينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين، ولم يخرجوكم من دياركم أن تبرّوهم وتقسطوا إليهم إن الله يحب المقسطين}، فلم يسأل عن دينهم ولا عن ايمانهم بالله ولا عن ايمانهم باليوم الآخر، وإنما يقبلون العيش بسلم وعدل في المجتمع فأولئك يحميهم الله، فإذن أنا أشعر كمسلم أيضا أنني محمي من قبل الله إذا لم أفرض عقيدتي بالقوة على الآخرين.
> أين يمكننا تصنيف نموذج الخوارج هل هو سفك الدماء أم جهاد في سبيل الحق؟
< نحن في مرحلة الفساد وسفك الدماء ويقول في حجة الوداع : >ألا لا ترجعوا بعدي كفارا يضرب بعضكم رقاب بعض< ، فهذه كبيرة لذلك أنا أفرق بين الجهاد، أما جهاد الخوارج فهم ليسوا كفرة ولا ملاحدة فهم يصلون أكثر منا ويصومون أكثر منا، وهم شجعان في المعركة أكثر منا، وعلي ] لما سئل عنهم هل هم كفار؟ قال : هم من الكفر فروا، وقالوا هل هم منافقون؟ فقال : المنافقون لا يذكرون الله إلا قليلا، قالوا فمن هم إذن؟ قال : يا قوم ليس من طلب الحق فأخطأه كمن طلب الباطل فأدركه<، ولما خرجوا لمقاتلة علي قال لأصحابه لا تبدأوهم حتى يسفكوا دما حراما، .. فلما بدأوا يقاتلون المسلمين حاربهم، وبعد ذلك كان علي ضحية لهم .وورد في الأخبار أنهم كانوا يقولون لعلي إن عبد الرحمن بن الملجم سيقتلك فقال : لم يقتلني بعد. وحتى أنه لما ضرب علي وهو في طريقه إلى الموت قال لمن حوله : إن أمت فالأمر إليكم وإن أعش فالأمر إلي، فإن أبيتم إلا القصاص فضربة بضربة وأن تعفوا أقرب للتقوى.
هناك أحاديث كثيرة فهذا حذيفة بن اليمان الذي كان يقول كان الناس يسألون رسول الله عن الخير وأنا أسأله عن الشر مخافة أن يدركني، فنحن ينبغي أن نفهم الشريعة، وهذا الأمر صار اليوم واضحا أي إن الذي يأتي إلى الحكم ينبغي ألا يكون ذلك بالقوة وهذا ما نراه اليوم في جنوب أمريكا وفي آسيا.. وفي المستقبل سنضطر نحن أيضا ألا نقبل العنف في السياسة بحيث ينبغي أن نقبل الرشد وأن نقبل أيضا الذي تختاره الأمة، أما إذا كان الناس يختارون شخصا بالأغلبية وبالشورى فأنا لا يكون لي الحق حتى أقنع الناس فهم وصلوا إلى هذه الحقيقة.
أجرى الحوار بلقاسم البوعزاوي