لقد اتخذت الحملات الصليبية ظاهرة الفقر في افريقيا ذريعة للوصول إلى عقائد الناس وجعلها على ملتهم الباطلة، وجعل المبشرون يوهمون الناس أن النصرانية في صف الفقراء، وفي خدمة الضعفاء، واستغلوا لذلك الأحوال المعيشية السيئة التي يعاني منها الناس، فأصبح شبح النصرانية يهدد كل فقير في هذه البلاد، فأدركت حينئذ لماذا اعتبر الإسلام الغنى نعمة وخيراً، نعمة ليست في حق العامة من الناس، ولكن حتى في حق الأنبياء الذين هم أقوى الناس على الصبر أمام نوائب الدهر، قال تعالى في معرض الامتنان على سيد الأنبياء عليه السلام : {ووجدك عائلاً فأغنى}(الضحى : 8).
وقال تعالى على لسان موسى عليه السلام : {إني لما أنزلت إلي من خير فقير}(قال العلماء : أي ما أنزلت إلي من مال ورزق، وفقير إلى الزيادة من فضلك-.
وجعل الإسلام إصباغ نعمة المال علىالناس ثمرة من ثمار الاستقامة على الدين الحق قال تعالى : >استغفروا ربكم إنه كان غفاراً يرسل السماء عليكم مدراراً، ويمدكم بأموال وبنين ويجعل لكم جنات ويجعل لكم أنهاراً}(نوح : 12).
إذن فنفوس الناس عموماً مجبولة على حب المال، قال تعالى في حق الإنسان : {وإنه لحب الخير لشديد}(العاديات : 8)، قال العلماء : أي لحب المال.
وهكذا يعتبر الإسلام نعمة المال خيراً يُنعِم به الله على الإنسان، قال تعالى : {كتب عليكم إذا حضر أحدكم الموت إن ترك خيراً…} -أي مالاً-.
ومن أجل سعادة المسلم واستقراره، وضع الإسلام حلولاً اقتصادية، وفرض نظما مالية، من أهمها نظام فريضة الزكاة، واعتبر الفقر خطراً يهدد المسلم في عقيدته وأخلاقه، فقد كان النبي يستعيذ بالله من الفقر والكفر في سياق واحد، قال : >اللهم إني أعوذ بك من الكفر والفقر..<(رواه أبو داود)، وقال أحد السلف، إذا قال الفقر : إني ذاهب إلى بلد، قال له الكفر : خذني معك.
وأما أثره على السلوك ،فالفقر قد يدفع إلى جريمة القتل، وقد يقْتُل الجائع أقرب الناس إليه قال تعالى : {ولا تقتلوا أولادكم من إملاق، نحن نرزقكم وإياهم}(الأنعام : 151)، وسئل النبي : >أي الذنب أعظم؟ قال : >أن تجعل لله نداً وهو خلقك< قيل ثم أي : قال : >أن تقتل ولدك مخافة أن يطعم معك<(متفق عليه).
فلا شك أن الكنيسة أدركت عُمق خطورة هذه الظاهرة فوظفتها وجعلت تعطى معونات معيشية، من أجل أن تزرع في النفوس عفونات عقائدية.
فهل أدرك أغنياء المسلمين دورهم في خدمة الإسلام، كما أدركت الكنيسة دورها في خدمة النصرانية؟.
عبد الحميد صدوق