أين المرأة الفقيهة؟!(2/1)


قال الحافظ الذهبي: “لم يُؤثر عن امرأة أنها كذبت في حديث”، وقال الشوكاني: “لم ينقل عن أحد من العلماء بأنه رد خبر امرأة لكونها امرأة، فكم من سنة قد تلقتها الأمة بالقبول من امرأة واحدة من الصحابة، وهذا لا ينكره من له أدنى نصيب من علم السنة”.

كما أنه هناك من أمهات المؤمنين ونساء الصحابة والسلف رضوان الله عليهن مَن بلغن مكانة عظيمة في العلم والفقه ورواية الحديث بالإضافة إلى الشعر والأدب وفنون القول.

وقد كانت (كريمة بنت أحمد) المروزية إحدى راويات صحيح البخاري، ونسختها إحدى النسخ المعتمدة التي نوَّه بها الحافظ ابن حجر العسقلاني في فتح الباري.. رغم كل ذلك، فالمرأة المسلمة اليوم ما زالت تستجدي حقها وتتساءل: هل يمكن للمرأة أن تصبح فقيهة؟! وإذا كان الشرع لم يحرم عليها ذلك فأين المرأة المسلمة الفقيهة اليوم؟!!

تاريخ مشرف وسجل حافل

تقول د. عبلة الكحلاوي الأستاذة بجامعة الأزهر: المرأة الفقيهة موجودة في كل أنحاء العالم الإسلامي، لكن لا تُسلَّط عليها الأضواء، وعامة فوسائل الإعلام لدينا تنحِّي الدين جانبًا، ولا تُلقي الضوء على أهل الدين والفقه، سواء كانوا رجالاً أو نساءً، كما أن الاتجاه العام في المجتمع يستبعد الدين من حياة الناس، لكنني أؤكد أن المرأة الفقيهة موجودة، ومعروفة لكن خارج بلادنا، فقد سافرت إلى ألمانيا ووجدت هناك علما وإحصاء وتقديرا واحتراما للفقيهات المسلمات، بالإضافة إلى أنه يتخرج سنويًّا من تحت يدي مئات من الفتيات والنساء الفقيهات اللاتي يحصلن على درجات الماجستير والدكتوراة في العلوم الشرعية، وتتلقفهن الدول الخارجية وتنزلهن منازل الاحترام والإكبار.

ولا أستطيع أن أحصر وصف الفقيهة على من يحملن شهادات الماجستير والدكتوراة فقط، ولكن يمكنني أن أقسم الفقيهات إلى فئتين: إحداهما: المرأة التي تحب العلم وتقرأ وتحاول التفقه في أمور دينها وتتعلم تجويد القرآن، وكل ما هو معلوم من الدين بالضرورة؛ لتسيير حياتها وفق منهج شرعي تربي نفسها وأولادها عليه، وتنصح من حولها به فهذه امرأة فقيهة ذات مستوى عادي.

الثانية: فئة الفقيهات اللاتي درسن الفقه خاصة في جامعة الأزهر أو الجامعات والكليات الشرعية في أنحاء العالم الإسلامي ونلن قسطًا وافرًا من العلم، وهن موجودات بكثرة، وهؤلاء فقيهات بمستوى متميز.

أما كون المرأة الفقيهة لا تسلط عليها الأضواء، أو لا يسمح لها بتقلد مناصب فقهية في بلادنا كالإفتاء، فهذا يعود إلى حصاد خمسة قرون عجاف حبست المرأة في الحرملك، وأخرجت لنا امرأة جاهلة هي نفسها التي تربي الرجل على التسلط نتيجة جهل تراكمي في تربيتها منذ الصغر، امرأة ربَّت الرجل وأرضعته نظرة أن المرأة دون الرجل دائمًا أضعف وأقل وأحقر من أن تخوض نفس مجالاتهخاصة مجالات العلم والفقه الديني، فالمرأة لدينا تأمر ابنتها بأن تنهض دائمًا لخدمة أخيها وتلبي له كل مطالبه، وبالتالي تُخْرِج لنا شخصية متسلطة، وشخصية نسائية مقهورة تُقِرُّ وتؤمن بتقاليد جاهلية ما أنزل الله بها من سلطان، فالقرآن الكريم قال: “والْمُؤْمِنُوْنَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ…”، والرسول صلى الله عليه وسلم قال: “الرجال شقائق النساء”، والسنة الفعلية تقول: إن الرسول صلى الله عليه وسلم استشار خديجة، واستفتى أم سلمة، ورشح السيدة عائشة لرواية العلم رضوان الله عليهن.

وفي عصر التابعين أيضًا كان للمرأة باع في الفقه والفتوى، فهذا ابن القيم يأخذ علمه عن امرأة، وعندما كانت تجيز له مسألة علمية يقول أجازت لي فلانة، وأخذت عن فلانة.

إذن فالمرأة ليس بها قصور يحول بينها وبين العطاء الفقهي والبروز كفقيهة في المجتمع، وإنما هي بحاجة إلى صياغة عقلية المجتمع من جديد صياغة إسلامية راقية، ومليئة بالثقة في قدرتها هي نفسها على العطاء، وثقة أيضًا ووعيا بحقوقها التي أعطاها لها الخالق تبارك وتعالى.

ليس الشرع بل التقليد

وترى د. سعاد صالح أستاذة الفقه بجامعة الأزهر أيضًا أن الشرع لم يحرم المرأة من تقلد المناصب الفقهية، وحتى منصب المفتي فتقول: من المقرر شرعًا أن الإسلام ساوى بين المرأة والرجل في أهلية التكاليف الدينية والمشاركة الاجتماعية، ومن الأمور التي تحققت فيها المساواة هي الإفتاء، وقد اتفق الفقهاء على أن الذكورة ليست من شروط الإفتاء، وعليه فإن المرأة والرجل سواء إذا تحققت في أي منهما الشروط المطلوبة في الإفتاء كالإسلام والعدالة والتفقه في الدين، ومعرفة الحكم الشرعي من خلال النصوص الشرعية من الكتاب السنة لقوله تعالى: “والْمُؤْمِنُوْنَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُوْنَ بِالْمَعْرُوْفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ…”.

ولقد كان للمرأة في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم دور بارز في مجال الإفتاء خاصة في أمور النساء؛ حيث كان صلى الله عليه وسلم يعتمد على زوجاته في شرح وبيان الأحكام الخاصة بالنساء سواء كانت طهارة أو عبادات، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم على علم السيدة عائشة رضي الله عنها التي استدركت الكثير على الصحابة، وأم سلمة وميمونة وزينب وغيرهن من زوجات الرسول صلى الله عليه وسلم كان لهن دور بارز في الفتوى، ونحن اليوم في أمسِّ الحاجة لوجود المرأة الفقيهة المتخصصة في الإفتاء للنساء، لكن هناك صعوبات تحول دون تحقق ذلك بسهولة:

أولاً : لقلة المتخصصات المقبلات على هذا المجال.

ثانيًا : لوجود رهبة لدى بعض المتخصصات تمنعهن من الخوض في هذا المجال؛ حيث إن الإفتاء يتطلب مقدرة فائقة على فهم السؤال حسب اختلاف المستويات وقدرة مماثلة على توصيل الجواب.

ثالثًا : عدم اعتراف المجتمع عامة والعلماء اليوم خاصة بالمرأة الفقيهة؛ حيث إنهم يقصرون هذا الدور على الرجال لخطأ وجهل منهم في فهم روح الإسلام، وظنًّا منهم أن الإسلام لم يُعْطِ المرأة هذا الحق؛ وعلى هذا فإننا لا نجد من البارزات في هذا المجال إلا القليلات؛ ولذلك فنحن نهيب بالمؤسسات الدينية أن يلعب دورًا في تشجيع الأستاذات المتخصصات الحاملات لدرجة العالمية الاشتراك في الفقه الإسلامي، والسماح لهن باقتحام هذه المجالات، والاشتراك في الندوات عبر وسائل الإعلام كحافز وتشجيع لهن على ممارسة هذا الدور العام، خاصة وأن العرف قد حرم المرأة من ممارسة هذا الدور المقدس وحرم المجتمع الاستفادة من عطاء المرأة في هذا المجال؛ حيث إن العرف قد جرى بأن الرجل هو المؤهل لذلك، ويمنعون المرأة بحجة أن المرأة عورة صوتًا وصورة، في حين أن صوت المرأة لا يكون عورة إلا إذا كان هناك إثارة كالغناء المصحوب بميوعة وموسيقى، لكن في العلم الديني بكل هيبته ووقاره ليس صوت المرأة عورة، وكذلك صورتها ليست بعورة ما دامت ملتزمة بالإسلام في ملبسها ومظهرها، فالمرأة قادرة على العطاء في مجال الإفتاء، وهنا يجب أن نفرق بين الإفتاء والاجتهاد.

فالاجتهاد هو إنشاء حكم له متطلبات قاسية قد يصعب تحققها في الرجال الآن – فضلاً عن النساء – كحفظ القرآن الكريم كاملاً، والإحاطة بعلوم اللغة العربية ومشتقاتها، وعلم كامل بالسنة النبوية وأسانيدها، ومعرفة القواعد الفقهية المتعارف عليها، وكل ذلك يتطلب تفرغًا تامًّا عن شئون الدنيا، والمرأة أم وزوجة ولها مهام اجتماعية لا غنى عنها، وبالتالي يصعب في حالتها تحقق ظرف التفرغ التام إلا في حالات نادرة جدًّا.

أما الإفتاء : فهو إظهار للحكم من خلال كتب الفقه، فالمرأة الفقيهة بالدراسة والتخصص والمعرفة بالأحكام تستطيع إظهار الأحكام لكنهالا تؤلف فقهًا، ولا تجتهد في إنشاء حكم، وبالتالي فإن الفتوى تعتبر في مقدور كثير من النساء اللاتي لديهن الاستعداد للإبحار في العلوم الفقهية.

ذة. حنان عطية

اترك تعليقا :

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

يمكنك استخدام أكواد HTML والخصائص التالية: <a href="" title=""> <abbr title=""> <acronym title=""> <b> <blockquote cite=""> <cite> <code> <del datetime=""> <em> <i> <q cite=""> <strike> <strong>