وطننا المستباح : على هامش رمضان وعيد الاستقلال : وطن خارج الزمن!!


تشكل المجتمع المغربي عبر التاريخ فكرةً ومجالا اجتماعيا عبر مراحل زمنية شكل الحضور الاسلامي الذروة فيها، كما كان للتنظيم الزمني العقدي الإسلامي من مناسبات وأعياد وشعائر كالصلاة والصوم … الدور الكبير في توفير فضاء زمني رمزي يزود المجتمع بلحظات اندفاع وتجديد الالتزام والتجند وكذا بنفحات ربانية من أىام الله تعالى في حياة البشر.

نذكر بكل هذا ونحن نعيش هذه الأيام مناسبة جهادية وهي عيد الاستقلال واقبال شهر رمضان المعظم في وقت يعرف فيه المغرب انسدادا في الحركة والتواصل، وجمودا يحلو للبعض تسميته استقرارا يدخلنا ضمن خانة التعريف السوسيولوجي للمجتمعات الراكدة.

إن التنمية التي يردد الجميع رغبته في تحقيقها بالمغرب في حاجة إلى تخطيط وبناء هدفه اصطياد الظروف المناسبة لتحقيق المركب الحضاري الذي هو أساس كل نهضة وتنمية، يحضر فيه الزمن بمفهوم المركب الرمزي العقدي الذي طرحه بكل قوة مالك بن نبي رحمه الله في شروط النهضة من إنسان وتراب ووقت.

إذ كيف تحل علينا ذكرى عيد الاستقلال بكل شحنتها الجهادية والتحررية والعقدية وتمر خالية من كل استثمار وطني أو استدعاء تاريخي عقدي. وفي أحسن الأحوال تشهد أشكالا احتفالية هجينة أو تناولاً إعلامياً سطحياً لا يمس لا أفراد المجتمع ولا شبابه كما لا يشير بتاتا إلى استمرارية الحركة التحررية وارتباطها ماضيا وحاضرا ومستقبلا. تلفزتنا واعلامنا المائع يدعي المواطنة وخدمة المجتمع وهو لا يخصص حيزا من مجاله لاستمرار ذكرى الاستقلال لاعادة تأسيس الوجدان المغربي.

إن من حق الشعب المغربي أن يعي تاريخه ورموز هذا التاريخ والأفكار التي صنعته وحركته، كما أنه من حقه أن يعي لحظات الاغتراب والوعي الشقي والانحراف، كما أنه من حقه أن تعمل الدولة من خلال إعلامها وتعليمها ومراكزها على تكشيف هذا الحضور الزمني الرمزي في حياة الإنسان المغربي المسلم خاصة محطات يوم الجمعة وشهر رمضان والحج وكافة الأعياد والمناسبات لعلها تشكل نضجا شعوريا بحقيقة الانتماء ووضوحا في الرؤية ومشروع المجتمع وكذا تمكن من ذلك المركب الحضاري الذي ينظر إلى الزمن نظرة مركبة حية بعيدا عن كل ازدواجية أوتناقض.

إنه من حق المغاربة أن يربيهم إعلامهم وتعليمهم على وعي سوي بزمانهم، بحيث يكون لنا وعي تاريخي حقيقي بمراحل تشكل مجتمعنا، فهو ليس مجتمعا لقيطا وليس مجتمع حكام فقط. كما أنه من حق المغاربة الانفعال والتجاوب مع المحطات الزمنية الرمزية التي تحمل احتماله الحضاري وأسباب نزوعه الجماعي نحو التحضر. ولو أنه يخصص فقط نفس الرعاية الاعلامية والتغطية الرسمية لمحطاتنا الزمنية العقدية والتاريخية كتلك التي تخصص بهوامش زمنية مصطنعة هجينة لا تنبع من الأمة ولا تخدمها كما هو الشأن بالنسبة لأسبوع الفرس أو جولات الغولف أو الأمسيات الفنية الماسخة المتعفنة ومواسم فلكلورية هجينة، إن الكثير من الدول الأخرى تعمد إلى استدعاء مناسبات في تاريخها حتى ولو كانت هامشية لتجعل منها محطات تجند وطني وذكرى تجديد الانتماء للأمة.

بل إن الأمم التي تفتقر إلى هذه المحطات تعمل على اصطناعها والاجتهاد في تأسيسها كلحظات وعي جمعي وشعور جماعي مقدس.

إذن فأمام المسؤولين المغاربة والسلطات الاعلامية والتعليمية تَحَدٍّ لإدماج هذا الفضاء الرمزي الزمني العقدي والتاريخي لتحقيق ذلك التركيب الحضاري الأساسي لنهضتنا التنموية الحقيقية.

إن البناء العقدي الإسلامي للمغرب يوفر توزيعا زمنيا منسجما مع الاستعدادات الروحية والجهاز الفكري للانسان المغربي، فكل قضايا التضامن والمواطنة والعدل والمسؤولية المهنية والتخليق والوحدة وغيرها من أسئلة المغرب الراهن تجد لها دعما كبيرا في فضائنا الزمني الرمزي المهمش مع الأسف والمستباح في كثير من المناسبات.

إننا نعيش هذا الشهر والحمد لله، فضاء زمنيا مباركا وهو شهر رمضان المعظم مع ما يحمله من انتفاضة واحياء ودافعية للإنجاز وتجديد في واقعنا الراكد سواء على مستوى التعبد والتفكر أو الكسب أو على مستوى وعينا بحقيقة وجودنا وانتمائنا للأمة الإسلامية.

ولا يمكننا أن نحقق هذا الاستثمار الجيد إلا وسط مشروع مجتمعي يحمل نفس الجينات من الأفكار ومثل الاستعداد الذي حصلت فيه تلك المحطات التاريخية ومثل الاستقبال لتلك التأسيسات العقدية كالصلاة والصوم وغيرها. ويؤطر هذا المشروع طلائع يحملون نفس المرجعية الفكرية والشعور الوجداني والنزوع السلوكي.

إننا لا نريد لوطننا المستباح أن يكون خارج زمنه الروحي والتاريخي وهو يخوض معركة دخول زمنه الحضاري بدعوى الحداثة أو العقلانية أو الشرعية الدولية أو الشراكة الأوروبية المتوسطية أو غيرها من أشكال الوعي الزائف والحديث المنقوص.

اترك تعليقا :

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

يمكنك استخدام أكواد HTML والخصائص التالية: <a href="" title=""> <abbr title=""> <acronym title=""> <b> <blockquote cite=""> <cite> <code> <del datetime=""> <em> <i> <q cite=""> <strike> <strong>