من الحقائق التي لا يختلف حولها اثنان أن الدعوة إلى الله جل جلاله من أشرف الأعمال وأزكى العبادات التي يتقرب بها العبد المؤمن الى خالقه؛ ولذلك خص الرسل والأنبياء بها، كما خص عباده المخلصين من أوليائه الصالحين بالقيام بها بعد انقطاع النبوة؛ ذلك أن القائم بها والمتحمل لمشاقها وتبعاتها، على وعي تام بأهميتها، بل وضرورتها، لاخراج الناس من ظلمات الجهل وأوضاع اتباع الأهواء والشهوات المادية، وادخالهم الى رحاب الله تعالى وتعريفهم بالمنهاج الرباني القويم. فقد جاء في الحديث النبوي الشريف الذي رواه البخاري في صحيحه عن علي بن أبي طالب ] أن الرسول قال وهو يجيب عن سؤال علي يوم خيبر : >علام أقاتل الناس : نقاتلهم حتى يكونوا مثلنا؟ : >على رسلك حتى تنزل بساحتهم، ثم أدعهم إلى الإسلام، وأخبرهم بما يجب عليهم. فوالله لأن يهدي الله بك رجلا واحداً خير لك من حُمُر النّعم<.
من مهام الداعي الى الله
ولقد بيّن القرآن الكريم أبرز المهام المنوطة بالداعين إلى الله جل جلاله، اقتداء بالرسل والأنبياء، عليهم صلواته وسلامه، وهي :
1) دعوة الناس إلى عبادة الله : {ولقد بعثنا في كل أمة رسولاً أن اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت}(النحل : 36).
2) ابلاغ الأمانة التي تحملوها إلى الناس : {ياأيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك، وإن لم تفعل فما بلغت رسالته}(المائدة : 69).
3) تبيان ما نزل به الوحي : {وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نُزِّل إليهم ولعلهم يتفكرون}(النحل : 44).
4) تبشير الناس وانذارهم : {وما نرسل المرسلين إلا مبشرين ومنذرين}(الكهف : 55).
5) اصلاح النفوس وتزكية القلوب : {وقد أرسلنا موسى بآياتنا أن أخرج قومك من الظلمات إلى النور}(ابراهيم : 6)، {هو الذي بعث في الأميين رسولا منهم يتلو عليهم آياتهويزكيهم، ويعلمهم الكتاب والحكمة، وإن كانوا من قبل لفي ضلال مبين}(الجمعة : 2).
6) التربية على طاعة الله ورسوله : {قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله}(آل عمران : 31).
7) الحكم بين الناس بالحق : {فاحكم بينهم بما أنزل الله}(المائدة : 50).
8) إقامة الحجة على الناس : {رسلا مبشرين ومنذرين لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل}(النساء : 164)، {ويوم نبعث في كل أمة شهيداً عليهم من أنفسهم، وجئنا بك شهيداً على هؤلاء}(النحل : 89).
من المقدمات الضرورية
لزاد الدعاة
من هذه المنطلقات التي تأسس عليها خطاب الدعوة إلى الله جل جلاله في كل زمان ومكان، تتشكل المقدمات الضرورية لزاد الدعاة، والمقصود بذلك مقدمتان أساسيتان كما تشير إلى ذلك سورة العلق، والتي تتفرع عنها مجموعة من المقدمات المكملة لشخصية الداعي إلى الله، والمقصود بذلك : الطاعة الكاملة لله من جهة والاقتراب منه بصالح الأعمال من جهة أخرى.
وبناء عليه، تتلخص مقومات المقدمة الأولى (الطاعة الكاملة لله) في العناصر التالية:
-1 الإيمان الصادق بالله وعدم الاشتراك به.
-2 طاعته الكاملة والامتثال لأمره.
-3 التوكل عليه والانابة إليه.
-4 الاخلاص في الطاعة والخشية في السر والعلانية.
-5 أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما.
-6 اتخاذه الشيطان عدوا.
-7 تحرير الولاء لله ولرسوله.
وأما مقومات المقدمة الثانية (الاقتراب من الله بصالح الأعمال)، فتتلخص في العناصر التالية :
-1 الاتصال بالله عن طريق محبته باتباع منهاجه وشرعته.
-2 الشوق إلى لقائه ودخول جنانه والنظر إلى وجهه الكريم.
-3 الاكثار من ذكره في السر والعلانية، سواء بالمفروض عليه من الصلوات أو بالمسنون من النوافل والقربات، ولذلك فوائد عاجلة وأخرى آجلة منها :
أ- الشعور الدائم بوجود الله المؤدي إلى ملازمة الاخلاص والاحسان.
ب- العمل على تقواه.
جـ- صحة القلوب واطمئنانها وشفاؤها من : الغفلة والقسوة والعمى والنفاق.
-4 الحرص على تقوى الله، فهي خير الزاد المؤدي إلى كمال الطاعة التي هي إحدى صفات أولياء الله.
-5 فعل الخيرات وتجنب المنكرات.
الطاعة والاقتراب أساس محبة الله لعباده الصالحين
وبناء عليه، تمنحنا المعطيات السابقة -ونحن نتحدث عن زاد الداعي الى الله تعالى انطلاقا من قوله جل جلاله في سو رة العلق {فاسجد واقترب}- إمكانية تلخيص أبرز المهام المنوطة به في النقط التالية :
-1 الاشتغال بالحق بدل الاشتغال بالباطل.
-2 الاشتغال بالله بدل الاشتغال بالأهواء والشهوات.
-3 التوسل بالوحي (قرآنا وسنة) بدل التوسل بغيرهما.
-4 الإشتغال ببناء الانسان الصالح المصلح كأساس لبناء أمة الخيرية والشهادة على الناس.
-5 الحرص على اتباع شريعة الله وصراطه المستقيم، وارشاد الناس إليهما، إلى غير ذلك من الأمور الموجبة لمحبة الله ورضاه. إنها بصيغة أخرى المقدمات الضرورية لتمتين العلاقة بالله جل جلاله وتوطيد حبلها، فهي عماد الطاعة وأساس الاقتراب. وقد لا أجانب الصواب إن قلت هاهنا أن أبلغ الآيات التي يمكن الاسشهاد بها في هذا المقام، الجامعة لكل ماسردناه وما أجملناه، هي قوله تعالى : {قل انني هداني ربي إلى صراط مستقيم، دينا قيما، ملة ابراهيم حنيفا، وما كان من المشركين. قل إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين، لا شريك له، وبذلك أمرت وأنا أول المسلمين. قل أغير الله أبغي ربا، وهو رب كل شيء}(الانعام : 162، 166).