الحمد لله خالق الأرض والسماء، والشكر له سبحانه على ما أولانا من نعم ليس لها إحصاء، وأشهد أن ألا إله إلا الله وحده لا شريك له القائل في حقّ الشهداء : {والذين قُتِلوا في سبيل الله فلن يُضِلّ أعمالَهم، سيَهْدِيهم ويُصلح بالهم، ويُدخلهم الجنّة عرّفها لهم}(محمد : -4 6). وأشهد أن سيدنا وقائدنا محمداً رسول الله صلوات ربي وسلامه وبركاته عليه، وعلى آله الطاهرين وأصحابه الكرماء.
أيها الإخوة :
لقد تكالبت الأمم الغربيةعلى الأمة الإسلامية، ووحدّت صفوفها، وانتهجت منهجاً واحداً لسحق الإسلام والمسلمين، وتوحّد اليهود والنصارى من أجل القضاء على هذا الدين، وهما يعملان معا بجد حتى لا تقوم للأمة الإسلامية قائمة بأرض الأقصى، ونحن في غفلة من أمرنا، وفلسطين والقدس تضيع مِنّا.
أيها الإخوة :
الإسلام يأمرنا بعداوة أعدائه الكفرة، الذين كفروا به وأشركوا به، وحاربوا رسوله، ويأمرنا بجهادهم وقتالهم إذا زاغوا وأعلنوا الحرب علينا، الإسلام يحرم القريب الكافر من كل حقوق القرابة حتى من الإرث الذي هو ألصق شيء بالإنسان، فلو مات كافر فإنه يحرم على أقاربه من المسلمين أن يحضروا موته أو يشهدوا جنازته، أو يكفنوا جُثته، أو يجلسوا لأخذ التعزية فيه، أما في حالة الحياة فإنه ليس بين المسلم وأقاربه الكفار مُوادَّة وتحاباً، لأن الكفار ليسوا أهلا لذلك ماداموا على كفرهم، فما بالك باليهود والنصارى الذين يكيدون للإسلام والمسلمين من أجل إزاحتهم، ومحوهم من الوجود يقول تعالى : {يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء، بعضهم أولياء بعض، ومن يتولهم منكم فإنه منهم إن الله لا يهدي القوم الظالمين، فترى الذين في قلوبهم مرض يسارعون فيهم يقولون نخشى أن تصيبنا دائرة فعسى الله أن يأتي بالفتح أو أمر من عنده فيُصبحوا على ما أسرُّوا في أنفسهم نادمين} وهذا وعيد مابعده وعيد، وإنذار من الله ما وراءه إنذار، لكل من يتولى الكافرين أو يتحالف معهم، أو يستعين بهم في أمر من الأمورالتي تمس المصلحة الإسلامية، لأن ذلك في نظر الدين إقراار لهم على دينهم، ومؤازرة لهم على كيدهم، ومساعدة لهم على نشر الفساد في الأرض، وإقامة الباطل في الناس، ومن ناحية أخرى في ذلك إضعاف لشوكة الإسلام، وحط من شأنه، وتنكر لتعاليمه وأحكامه.
أيها الإخوة :
الإسلام دين التقدم والحضارة، يُحب السمو والاستعلاء، وينشد العزة والكرامة، إمام لجميع الشرائع، والأديان، وشامل لجميع النظم والقوانين، فلا يقبل الله دينا غيره في الأرض، لا يهودية ولا نصرانية ولا بوذية، ولا… فكل دين غير الإسلام هو باطل : {إن الدين عند الله الإسلام}، {ومن يبتغ غير الإسلام دينا فلن يُقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين}، وبناء على ما للإسلام من عزة وكرامة فقدكره لأتباعه الذل والهوان، وحرم على المسلم أن يتواضع للكافر، أو أن يخضع له، أو يخنع إليه، يقول تعالى : {يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا عدُوّي وعدوّكم أولياء تُلقون إليهم بالمودة وقد كفروا بما جاءكم من الحق يُخرجون الرسول وإيّاكم أن تؤمنوا بالله ربّكم إن كنتم خرجتم جهاداً في سبيلي وابتغاء مرضاتي تُسرون إليهم بالمودة وأنا أعلمُ بما أخفيتُم وما أعلنتُم، ومن يفعله منكم فقد ضل سواء السبيل}(سورة الممتحنة).
أيها الإخوة :
لما أسلم عبد الرحمان بن أبي بكر، قال لأبيه: والله لقد ظفرت بك في يوم بدر، ولو شئت أن أقتلك لفعلت، ولكنني تركتك تغاضياً عنك. فقال له أبوه الصديق : ولكنني والله لو ظفرتُ بك لقتلتك ابتغاء مرضاة الله، فكان الفرق بين الابن وأبيه هذا في الموقف هو الفرق ما بين الإيمان والكفر. هذه هي عظمة الإسلام، وذلك هو ماضيه، فأين نحن الآن من كرامة الدين وأين نحن من الصدق في تطبيق مبادئ… والإسلام يجتاز أدق مراحله، ويُواجه أصعب ظروفه، ويُجابه أشرس خصومه من القراصنة المستعمرين، والصهاينة الجشعين، أين نحن من ذلك كلّه؟!.
وهذه المؤتمرات التي تُعقد، نُعَلّق عليها الآمال، وتتشوف إليها أنظارنا، ويرقبها العالم، ويرتبط بها مصير الأمة العربية والإسلامية تتمخض عن لا شيء. حضر الأعضاء وائتمروا وقالوا وخطبوا وبحثوا ونقّبوا وخرجوا من الاجتماع بنهاية واحدة هي أن اسرائيل العدو الأول للعرب والمسلمين واتفقوا فيما بينهم على أن لا يتفقوا، ولكن إذا كان هذا هو رأيهم الحق، وذلك هو يقينهم الأكيد، فماذا قدّموا للمعركة من عون؟ وماذا أرسلوا إليها من جنود؟ وماذا بعثوا من ذخيرة وسلاح؟ لا شيء، اللهم إلا التفرق والتفكك والانحلال والتنازع والتخاذل، لأن هذا يدور في فلك الشرق، وآخر في فلك الغرب، بل لقد كان منهم من ينادي بمسألة التطبيع مع اسرائيل.
أيها الإخوة :
هذا ما يجري الآن، القضاء على الإسلام في شتى مراحله، وفي كل أماكنه، حتى لا تقوم للمسلمين قائمة، ولا يبقى لهم عزّ ومنعة، يُسبّ الله ورسوله علناً على مسمع مِنّا ونحن ساكتون لا نحرك ساكناً، ويهان الإسلام ونحن لا نعترض، ويُقتل المسلمون شرّ تقتيل، يُمثل بهم، ويُكشف عن صدورهم وتوضع علامات الصليب عليها بالسكين، وفي الوقت الذي يُصنع بهم ذلك، تنعقد حفلات الرقص والمجون إلى الصباح للترفيه عن الناس، تشرب فيها الخمور، ويمارس فيها الزنا بجميع وسائله، وقد نسينا واجبنا الملقى على عاتقنا تجاه إخواننا الذين يُقاتلون من أجل قضية الإسلام والمسلمين والرسول يقول : >من لم يهتم بأمر المسلمين فليس منهم<، فأين اهتمامنا بإخواننا الذين يقضون الليالي على أصوات المدافع والدبّابات والأسلحة بشتى أنواعها، أين اهتمامنا بهم، وهم يُذبحون ويُقتلون شر تقتيل، أين النخوة والرجولة.. إنها مؤامرة عالمية وحرب صليبية جديدة تستهدف الإسلام والمسلمين ورحم الله القائل :
هاتوا لنا عمراً يقضي على فئة
عاثت ضلالاً وخانت للهدى ذمماً
أيها الإخوة :
الرعيل الأول من المسلمين الذين تربوا على عيني رسول الله وتشربت قلوبهم حبّ الله وحبّ رسوله عليه السلام، حاربوا أعداء الله من الكافرين المتغطرسين انطلاقا من حُبّهم لهذا الدين والإيمان به وبمعتقداته، وانطلاقا من حُبّهم للشهادة في سبيل الله تعالى، فتنافسوا فيها حيث أيقنوا أنها مناط عزهم في الدنيا وفوزهم في الآخرة، وأعلنوا من خلال تشوّقهم إلى مقامها الجليل، صدق إيمانهم بواجبهم المقدس تجاه ربهم وإعلاء كلمته وحماية شرعه وإحقاق الحق وإبطال الباطل. فالشهادة أثر من أكرم آثار الجهاد في سبيل الحق، ونتيجة من أقدس نتائجه، لذا كان لابُدّ من أن يحتفل بها الإسلام ويوليها العناية الكبرى، والاهتمام البالغ، وأن يحتل الشهيد منزلة عاليةعند الله عز وجل، وأن يتسامى مقام الشّهادة حتى يصبح غاية تُطلب وهدفا يُقصد. وفي القرآن الكريم نجد الإشارة واضحة إلى هذه الحقيقة في قوله تعالى : {ولا تحسبنّ الذين قُتلوا في سبيل الله أمواتا بل أحياء عند ربهم يُرزقون فرحين بما آتاهم}.
واقرؤوا أيضا قوله عز وجل : {يا أيها الذين آمنوا هل أدلّكم على تجارة تُنجيكم من عذاب أليم، تُؤمنون بالله ورسوله، وتُجاهدون في سبيل الله بأموالكم وأنفسكم، ذلكم خير لكم إن كنتم تعلمون، يغفر لكم ذنوبكم ويُدخلكم جنّات تجري من تحتها الأنهار ومساكن طيّبة في جنّات عدن، ذلك الفوز العظيم}.
وفي سنته ستجدون قوله : >كلّ ميّت يُختم على عمله إلا المرابط في سبيل الله فإنه يُنمّى له عمله إلى يوم القيامة، ويؤمّن فتنة القبر<(رواه مسلم). وقد لخّص النبي ] الخصال التي يظفر بها الشهيد من ربه عز وجل حيث أكرمه بمقام الشهادة في سبيله، فقال فيما رواه ابن ماجة عن المقدام بن معد يكرب >للشهيد عند الله ستّ خصال : يغفر له في أوّل دفعة من دمه، ويرى مقعده من الجنة ويُجار من عذاب القبر، ويأمن من الفزع الأكبر، ويوضع على رأسه تاج الوقار الياقوتة منها خير من الدنيا وما فيها، ويزوّج ثنتين وسبعين زوجة من حور العين ويشفع في سبعين من أقربائه<.
وإليك أخي المسلم هذه الصورة الرائعة من تاريخ أسلافنا في بيان حقيقة الشهادة، ففي غزوة بدر الكبرى، سمع عُمير بن الحُمام رسول الله يقول : >قوموا إلى جنّة عرضها السماوات والأرض< فقال عمير : جنّة عرضها السماوات والأرض؟ قال : >نعم<، قال عمير : بخ بخ! فقال رسول الله >ما يحمل على قول بخ بخ<، فقال : لا، والله يا رسول الله إلا رجاء أن أكون من أهلها، قال : >إنك من أهلها< فأخرج ثمرات من قرنه، فجعل يأكل منهن، ثم قال : لئن أنا حييتُ حتى آكل ثمراتي هذه إنها لحياة طويلة، فرمى بما كان معه من التّمر، ثم قاتلهم حتى قُتِل..
هكذا أيها الإخوة، تسطع الشهادة في آفاق المجاهدين في سبيل الله لتكون عنوانا للنصر وثمنا مقدسا لحماية المقدسات، وللدفاع عن الحق بجميع صوره، تلك هي صبغة أمة الإسلام، منذ فجر تاريخها إلى اليوم ما تزال قبلة أمم الأرض في التضحية والفداء، وما تزال الشهادة تحتل في حياة أبنائها منزلة عالية، تتوالى قوافل الشهداء في جميع ميادين الجهاد، تكتب بدمائها الزكية الطاهرة أرقى صفحات البطولة في سبيل إعلاء كلمة الحق، ونصرة العدل.
وكيف لا يكون للشهادة ذلك المقام الأعلى والله عز وجل يقول : {إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة، يُقاتلون في سبيل الله فيقتلون ويُقتلون، وعداً عليه حقّا في التوراة والانجيل والقرآن، ومن أوفى بعهده من الله، فاستبشروا ببيعكم الذي بايعتم به، وذلك هو الفوز العظيم}. والحمد لله ربّ العالمين.