في ظل غياب مؤسسات تعليمية في ديار المهجر عموما وفي بلجيكا خصوصا، للثقافة واللغة والمبادئ الدين الإسلامي لأبناء الجالية تحت رعاية السلطة وبإشراف منها، ارتأت الجمعيات المغربية المتواجدة بين أوساط الجالية ملأ الفراغ التعليمي، وتبنت من هذه الجمعيات وخاصة المساجد قضية تعليم الأجيال الصاعدة لمبادئ اللغة العربية والدين الإسلامي حتى يتسنى له الحفاظ على الهوية المغربية الإسلامية. ورغم أن المبادرة طيبة -وإن كانت لا ترقى إلى المستوى المطلوب- لم تعط النتائج المتوخاة والمرجوة منها، ويبقى الإشكال المطروح هو : هل هي أزمة التعليم بالمساجد أم أزمة التسيير؟ إن قضية تعليم الثقافة الأصلية لأبناء جاليتنا قضية مصيرية خاصة ونحن في بداية القرن الجديد، قرن محاربة الأمية، وقرن اللغات وقرن الحاسوب. وإذا كان القرن المقبل قرن اللغات -واللغة العربية هي إحدى اللغات العالمية كما أنها لغة القرآن ولغة الدين الإسلامي -وإذا كان هدف المساجد هو تدريس هذه اللغة لتكون مفتاحا لتعلم مبادئ الدين، يبقى السؤال الذي يفرض نفسه بإلحاح هو : هل هؤلاء الذين أخذوا على عاتقهم وتحملوا مسؤولية التعليم، هم في الحقيقة أناس أكفاء، أناس يخافون الله ويقدرون حق المسؤولية، ويعرفون أن المسؤولية تكليف لا تشريف؟ أم أنهم مجموعة عنصار طفيلية تحشر نفسها في كل صغيرة وكبيرة وعن جهل؟ وهل تجربتهم هذه بدخولهم حقل التعليم أعطت ثمارها؟ أم أنها زادت العبء الثقيل على أبنائهم، وأصبحت تضييعا للوقت من جهة، وإبعاداً لهم عن مشاكل المنزل والأزقة من جهة ثانية؟
الحقيقة -ومن باب التجربة- أن القضية تكمن في طريقة تسيير هذا التعليم من جهة ما يسمى بلجنة المسجد هذه الجنة التي تجمع بين أحضانها طبقة من الأميين، وثلة من أناس لا يفقهون شيئا، وإظاهر أنفسهم على أنهم في مستوى الأشخاص الذين يتحملون المسؤولية ويؤدون خدمات في سبيل الله. لكن الحقيقة عكس ذلك لا أحد يؤدي خدمة في سبيل الله، بل في سبيل الفرنك البلجيكي وفي سبيل المصلحة الشخصية بغية الوصول إلى هدف معين، لأن الواقع يفضح ذلك، بحيث لو كان أناس اللجنة يعملون في سبيل الله لم نثبت بينهم صراعات وخصومات لا حصر لها وغالبا في جميع المساجد وعلى مدار السنة، صراعات تصل في بعض الأحيان إلى إشهار البعض السلاح الأبيض على البعض الآخر. كل هذا ينعكس بالدرجة الأولى على قضية التعليم التي تبنوها، فيصبح التعليم عندهم تجارة، ويصبح همهم الوحيد هو جمع أكبر عدد ممكن من الأطفال من أجل جمع أكبر قدر ممكن من المال. وغير ذلك لا يهمهم : تعلم هؤلاء الأطفال أم لم يتعلموا، فمن يحاسبهم ومن يراقبهم؟ والطامة الكبرى هي أن حتى تعيين المعلمين يخضع لمقياس المحسوبية ولا يهم إن كان هذا المعلم الملقن في مستوى المسؤولية والعطاء أم لا. المهم عندهم أن يملأ الفراغ وأن ينال نصيبه من الوليمة وبصمت. وإذا ما حاول التدخل ولو نسبيا في شيء ما، كان مصيره الطرد مع خصم مبلغ مالي معين من أجرته الهزيلة.
هذه طريقة تسيير التعليم بمؤسسات المساجد التعليمية، التي تبين من الوهلة الأولى أن الأزمة أزمة تعليم : بحيث أن الأطفال إذا ما وجدوا من يسيرهم ويقف إلى جانبهم ويعلمهم بطريقة علمية حديثة، فهم مستعدون للتعلم لأن عملهم الوحيد هو الدراسة ولا شيء آخر غير الدراسة.
لكن الأزمة على ما يبدو هي أزمة تسيير من طرف ما يسمى بلجان المساجد التي أصبحت كالعلق تمتص دماء الأباء وتجعل أنباءهم مطية لتحقيق الأغراض والمصالح الشخصية. والغريب في الأمر أن هؤلاء الطفيليين المسيرين لا يقبلون النصيحة، لأن الأمر يتطلب منهم التغيير على جميع الأصعدة، ونظرا لصعوبة المطلب، يبقى الوضع على ما هو عليه أسهل وأريح لهم، لأن الحديث عن هيكلة جديدة وسط هذه اللجان يتطلب غسلها من الداخل بإعادة النظر في وظيفتها وأهدافها ودورها.