مع كتاب الله عز وجل : تفسير سورة التحريم {يا أيَّها النّبِيء  جَاهِدِ الكُفَّارَ والمُنَافِقِينَ واغْلُظْ علَيْهمْ ومَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وبِيسَ  المَصِير} فلسفة الجهاد في الاسلام


-1 آية الجهاد أصبحت الآن عنوان تطرف الإسلام

وجه الله تعالى الخطاب إلى نبيه بوصف النبوة {يا أيها النبيء} بحكم أنه نبي، ومن وظائف النبوة ومن مستلزماتها أن يستجيب محمد عليه السلام لهذا الأمر، وترون أن السورة خاطبت النبي عليه السلام مرتين بهذا الوصف {يا أيها النبي لم تحرم ما أحل الله لك} {يا أيها النبيء جاهد الكفار والمنافقين واغلظ عليهم} يأمر الله نبيه بهذه الآية الخطيرة التي صارت الآن عنوان “تطرف الإسلام” و”دموية الإسلام” وهذه الآية من أكثر الآيات التي يُسأل عنها الآن وتُفحص.

يأمر الله نبيه بأن يجاهد الكفار مجاهدة على المعنى الشرعي لكلمة الجهاد، ويأمره كذلك بأن يغلظ عليهم، لأن المرحلة فعلا وصلت إلى مرحلة الجهاد وإلى الإغلاظ في القول، إن النبي عليه السلام ما أُمر بهذا إلاّ بعد أن مرت سنون طويلة وهو يدعو حسب المنهج الرباني الواضح في  الآية : {ادْع إلى سبيل ربك بالحِكْمة والموْعِظة الحَسَنة وجاَدِلْهم بالتِي هِيَ أحْسن}(سورة النحل) حالات متعددة ومواقف متعددة دعي فيها النبي عليه السلام إلى أن يكون لينا هينا مع الناس. وكان قد مضى متسع من الوقت لأن يتحول الناس إن شاؤوا، لكن الأمور الآن قد اتضحت وأخذ كل الناس موقفهم، واستبان الحق من الباطل، ومن كان خاطئا فقد واتته الفرصة ليعرف، وقد فهم من كان في ذهنه شيء من الارتباك. إذن الناس قد تحوَّلُوا إلى فريقين، فريق الإيمان وفريق مُنَاهض للإيمان (فريق الكفر)، فوجب إذن أن تنشأ علاقات جديدة بناءً على هذا الواقع الجديد. الواقع الأول لم يكن بالإمكان أن يخاطَبَ  فيه النبي إلا بالتبليغ وبالرفق وبالدعوة إلى الله بالتي هي أحسن لأن الناس فعلا كانوا معذورين، كان بعضهم لم تبلغه الدعوة وكان بعضهم لم يفهم، إلى غير ذلك من الأسباب والأعذار لكن بعد هذه السنوات المتلاحقة بعد سنين عديدة في مكة وفترة غير قصيرة في المدينة، قامت الحجة عليهم وكان الظرف كافيا، وكانت المناسبة كافية لأن يأخذ الناس مواقعهم. إذن فقد صار الناس بعد ذلك شطرين، أهل الإيمان وأهل الكفر، فوجب أن تنشأ علاقات جديدة مؤسسة على هذا الواقع الجديد، هذه العلاقات هي قوله تعالى {جاهد الكفار والمنافقين واغلظ عليهم}.

-2  الجهاد تطبيق لسنة

التدافع الكونية

إذن “أليس الاسلام دمويا؟! أليس الاسلام متعطشا إلى الدماء؟! أليس الإسلام دين إرهاب؟ ألا ترون أن كِتَابَه يدعو إلى قتال الكفار وإلى شن الغارات عليهم، هذا إسلام السيف”، هذه كلمات يأخذها تلامذة المستشرقين والكفرة والمدسوسون في صفوف المسلمين،  والدجالون الذي يخفون الحق ويظهرون الباطل، وهذا خطأ لأننا وصلنا الآن إلى مرحلة هي مرحلة الميكانيزمات التي تُسَيِّر الحركة التاريخية،الآن دخلنا إلى موقع آخر هو أن نعرف ما هي العوامل التي تعمل في التاريخ، على أي شيء تكوّن التاريخ. إن التاريخ منذ كان، كان قائما على قانون المدافعة بين الحضارات، بين المدنيات، أين ذهبت اليونان؟ أين ذهبت الحضارة الرومانية؟ لماذا وُجدت بيزنطة الشرقية، وبِيزنطة الغربية؟ لماذا اختلف الفرس مع الروم؟ لماذا؟ هذا قبل الإسلام.

هناك قانون كوني يجب على المسلمين ألا يغفلوه، وهو قانون المدافعة والسيطرة وحب البقاء، فالأقوى والأصْلح يبقى، والمتهافت والضائع والمفرط يذوب ويضمحل، وما كان على المسلمين إلا أن يكونوا في المستوى المطلوب منهم، وعليهم حينئذ أن يكوّنوا قوتهم ليحموا أنفسهم ليدافعوا وليُعْلموا الناس أنهم فعلا موجودون وأحياء، وبإمكانهم أن يؤثروا في صيرورة التاريخ، بإمكانهم أن يقولوا كلمة في اتجاه التاريخ.

-3 جهاد الأمة ضرورة لحماية بقاء كيانها :

إذن فوجب حينئذ أن ينتقلوا من الكلام والموعظة إلى مرحلة اكتساب جميع مقومات الأمة، التي من بينها القوة  العسكرية التي يُحمى بها الوجود ويُحمى بها الكيان، وتُحمى بها شخصية أمة من الأمم، الأمة التي ليست لها قوة كيفما كانت هي أمة يُتَفَضَّل عليها بالبقاء، وربما يبقيها عدوها لأنه يستعملها في بعض حاجاته وفي بعض أغراضه، وإلا فمتى شاء أن يمحوها فعل، ومتى ضاقت به الأرض يمكن أن يسحقها،.

كان الألمان يقولون : >إن حدودنا تبتدئ عند بلاد الآخرين<، الأمْنُ في ألمانيا لا يبدأ في ألمانيا إنما يبدأ في جهات بعيدة، هذه نظرية، ومن أجلها قامت حروب طاحنة تعرفونها، إذن الذي يقع الآن أن الدول تصنف إلى دول قوية وإلى دول غير قوية، الدول التي لهاكلمة في مجلس الأمن والتي ليست لها كلمة، كل ذلك مرجعه إلى القوة العسكرية، لن يؤتوا بدولة ميتة نائمة ويخرجونها من مزبلة التاريخ، ويقولون لها أنت قوية، بماذا هي قوية؟!. لا تكون الدولة دولة إلا إذا استطاعت أن تملي، إرادتها وتفرضها وتدافع عنها وتفرض احترامها، وعلى هذا الأساس يقال : الدولة الأولى، والثانية، والعظمى، أي على أساس السلاح، إذن هناك اجتهاد الآن في ميدان التسلح، الآن أصبح الناس يتحدثون عن الأمن المسلح، أما الأمن غير المسلح فهو بناء هش سيتداعى على من هُم تحته، فالدول تتصارع لتملك الأسلحة المتطورة والنووية، تعرفون أن أمريكا امتلكت الأسلحة المتطورة والنووية، والأسلحة الفتاكة، وهي الآن تبحث في الدول وتتجسس على الدول، وتريد من كل دولة ألا يكون عندها شيء من المفاعلات النووية التي يمكنها أن تستعمل في الأغراض العسكرية، هي تطوف في البلاد تبحث عن الدول الخارجة عن إرادتها، وتعمل على منعها من التسلح ككوريا مثلا، وكلما أرادت أمريكا أن تضرب بلداً من البلدان إلا أفهمت العالم أنه يملك القنبلة النووية، إيران لها الآن تفكير في القنبلة النووية، يجب أن توقف عند حدها، إسرائيل قنبلتها النووية إنما هي للدفاع عن نفسها!! مصر لا يجب أن تفكر في القنبلة أيضاً، اسرائيل لا يتحدثون عنها مع أنها تمتلك الرؤوس النووية، وهذه المسائل معروفة الآن وهي تصرح بذلك، لكن هذه مَرْضِيٌّ عنها ويجب أن تمتلك ذلك لأنها موجودة وسط غابة من العرب الظالمين الذين يمكنهم أن يفتكوا بها في أي لحظة من اللحظات، المهم أن هذا هو منطق الاستنجاد  بالبشر.

-4  الإسلام يرفض منطق الاسترحام والاستجداء

وهناك منطقٌ آخر هو منطق الرحمة أي نريد أن يرحمنا الآخر، نريد أن يعطف علينا الآخرون، هذا المنطق لا يريده الاسلام والمسلمون. الاسلام قال : {وأعدُّوا لهم} خذوا عدتكم، وكونوا مجاهدين ولا تنتظروا أن يرحمكم الأقوياء في الأرض، هذا هو الكلام المعقول {يَا أَيُّهَا النَّبِيءُ جَاهِد الكُفَّارَ والمنُافِقين واغْلُظ عليهم} ولما استجاب المسلمون، مباشرة بدأت الدولة والحضارة الاسلامة تبرز للوجود، ولما وصلنا إلى زمن الخَلْف فسَّرْنا الجهاد تفسيراً آخر، الجهاد إنما هو فقط جهاد النفس، إذا جاهد الإنسان نفسه، إذا ذكر الله ألف مرة فقط إلى غير ذلك من التفسيرات. هذا الفهم كان يمكِّنُ الاستعمار، كان يمكن للكفار من أن يفعلوا في بلاد المسلمين ما يشاؤون، فجهاد النفس معركة يومية مستمرة مادام في الإنسان نفس، لن تغلب نفسك نهائيا، لن تقتلها أبداً، هي معك وأنت معها في محاولة ومجاهدة، مرة تنتصر عليها ومرة تنتصر عليك، إذا أنت مكثت مع نفسك فقط، وتركت العدو والكافر قائلا : “أنا لم أنْته من جهاد النفس” فمتى ستنتهي من هذا الجهاد، إذن فلتبق هكذا مع نفسك حتى يأتي العدو ويدمر البلاد، حينئذ لن تبق لا أنت ولا نفسك، لذلك كان العلماء ينبهون الأمة إلى الأخذبأسباب القوة في معاملة الكافر، لأن الكافر الآن قوي ويتسلح، لا يخاف، والذي لا يملك سلاحاً يقول : “لا نتكلم عن الجهاد، لا نتكلم عن القوة في الإسلام”، ونقول : الإسلام مسكين (مثل المسيحية قديما في الكتب، وليس مثل المسيحية تاريخيا فهي دائما كانت مسلحة وهي التي خاضت الحروب الصليبية) .هل الإسلام الآن هو إن أراد أن يدوسك أحد تتركه وتقول ربَّنَا اغْفِر له، وسامِحْهُ.

-5 الجهاد أنواع، ولكنه في القرآن يعني مُجاهدة الكفار

إذن كتاب الله ينطق وينادي في الرسول عليه السلام وفي المسلمين {يا أيها النبي جاهد الكفار} لابد من أخذ العدة والاستعداد للجهاد، إن الجهاد كما أسلفت كلمة تدل على مطلق بذل الجهد، فمن بذل جهدا في شيء فهو قد جاهد في اللغة، ويطلق بإزاء معنى خاص وهو الجهاد المعنوي كجهاد الشيطان، وجهاد النفس، وجهاد الهوى، هذا أيضاً معنى، لكنه إذا أطلق في القرآن، فإنما يراد بهالجهاد الذي هو حمل السلاح في وجه الكافر من أجل نصرة الدين -حمل السلاح وليس التسبيح- فذكر الله مجاهدة، ولكن إذا أطلق الجهاد في الدين فإنما يراد به هذا المعنى لاذاك. ذات مرة في بعض مؤتمرات الدول العربية، قام أحد الرؤساء، وقال يجب أن نجاهد (وقد كانت فقط فلتة لسان) وبعد المؤتمر بأيام يصدر الرئيس بيانا يقول فيه : لا نقصد بالجهاد حمل السلاح، وإنما نقصد بأن نعرف بالقضية الفلسطينية، لأنه تلقى توبيخا على كلمة الجهاد، توبيخ شديد اللهجة، يقال فيه إياك أن تعيد ذكر تلك الكلمة، لأنه إذا قام المسلمون بكلمة الجهاد فمعناه أن الكافر لن يسيطر على الاسلام أبداً. وكلما حُوِّلت هذه الكلمة إلى معان أخرى، فسيكون نوع من تفجير المصطلح، هذه الكلمة تُفجّر من الداخل وتُميّع، ولهذا فالانجليز أنْبتوا في بلاد المسلمين طوائف خصوصاً الطائفة القاديانية وأيدوها ودعموها فقط لأنها تقول إن الجهاد قد انتهى، وأن المسلمين لم يعودوا مطالبين به، هذه هي الفكرة الأساس عند القاديانية، والاستعمار الغربي أيدها ودعمها لمجرد هذه الفكرة.

-6 رسالة الجهاد هي نصرة الدين  (بين المحارب والمجاهد)

إذن الجهاد كما قلت هو حمل السلاح في وجه الكافر من أجل نصرة الدين، وهو بهذا المعنى أخص من القتال وأخص من الحرب، إن الحرب هي الدخول في معركة مع الغير، لكن ليس من الضروري أن يكون لها هدف مثل هذا، فقد تكون حرباَ ظالمة، قد تكون حربا لاستعباد الناس ولإذلالهم أو استغلال ثرواتهم، هذه حرب فقط، لها أحكام أخرى ينظر فيها، أما الجهاد فإنما يكون بهذا المقصد الذي هو نصرة الدين. فمن هنا قالوا : “إذا دخل المجاهد المسلم المعركة وفي نيته فقط إظهار شجاعته وخبرته، وليظهر فقط أنه المحنَّد الأول، والبطل والخبير، وإذا دخل المعركة يقصد كذلك بأن ينال غنائمها، ففي الحالتين معاً لا يستحق شيئاً من الغنيمة، إذا دخل الرجل الجنيد المعركة من أجل إظهار البراعة والشجاعة وربما أيد المسلمين وأعانهم ونفعهم ففي الحالتين معاً لم يَجُزْ له أن يأخذ من الغنيمة ، أي إذا وزعت الغنائم بعد الانتصار وأخذ جزءاً منها فأكله، فقد أكل حراماً، لأنه ليس مجاهداً حتى يأخذ من الغنيمة، هو محارب ولكنه ليس مجاهداً، فالمجاهد هو الذي يجاهد من أجل أن تكون كلمة الله هي العليا وكلمة الذين كفروا السفلى. هذا الجهاد تستعد له الأمة، ولكن بأحكام مختلفة، فحينما تريد الأمة أن تلتزم بهذا الأمر، فإن إصرارها وتصميمها على الجهاد يقتضي منها ترتيبات مطولة قد تستغرق سنوات، ففي بعض الدول التي تكون في حالة حرب، يصرف كل شيء في المجهود الحربي، أي تجمع كل الأشياء، ولا ينفق فيما سواها، إلا فيما تدعو إليه الضرورة كإطعام الناس وشق الطرقات، وما إلى ذلك، واستصلاح الزراعة، أي أن الفائض لن يضيع في اللهو أو في التزيين أو في الدعاية والتهريج، كل ذلك يصب في المجهود الحربي، وليس هذا الأمر غريباً، فهذا الذي يطبق الآن في الدول الكبرى التي تصرف في المجهود الحربي أكثر مما تصرفه في المرافق الأخرى المهمة في الحياة كالتعليم مثلا.

اترك تعليقا :

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

يمكنك استخدام أكواد HTML والخصائص التالية: <a href="" title=""> <abbr title=""> <acronym title=""> <b> <blockquote cite=""> <cite> <code> <del datetime=""> <em> <i> <q cite=""> <strike> <strong>