{إن أول بيت وضع للناس للذي ببكة مباركا وهدى للعالمين}، وثاني بيت هو المسجد الأقصى بناه ابراهيم عليه السلام، ففي الصحيحين عن أبي ذرّ >قلت يا رسول الله : أي مسجد وُضِع على الأرض أول؟! قال : المسجد الحرام، قلت : ثم أيّ؟ قال : المسجد الأقصى، قلتُ : كم بينهما؟ قال : أرْبعُون سنة<.
فهذا الخبر يبين أن المسجد الأقصى من بناء ابراهيم عليه السلام سماه يعقوب بيت إيل.
وهو مما خص الله تعالى نبينا بمعرفته، حيث أهمل أهل الكتاب ذكره، وإن كان ورد في التوراه وهو المكان الذي أوحى الله إلى داود أن يبني عليه مِحْرابه {وهل أتاكَ نبأ الخصم إذ تَسَوَّروا المحراب}
تَخْريبُ المسجد الأقصى
وقد تعرض المسجد اللتخريب مرتين على عهد بني إسرائيل :
1) المرة الأولى مع أعدائهم البابِليِّين وهي عبارة عن حوادث متسلسلة تسمى >حوادِث الأسر البابِلي< وهي :
غزوات بختَنصر >ملك بابل وأشور< فقد غزاهم :
< الغزو الأول سنة 606 ق.م وأسر منهم جماعات >الأسر الأول<
< الغزو الثاني سنة 598 ق.م وأسر منهم أعظم من الأول >الأسر الثاني وأسر ملك يهوذا وأخذ الذهب الذي كان في هيكل سليمان وما فيه من نفائس الأواني.
< الأسر الثالث على يد بختنصر نفسه كان سنة 578 ق.م حيث سبى كل شعب يهوذا، وأحرق هيكل سليمان، وبقيت أورشليم خرابا {ثمّ رَدَدْنا لكُم الكرة عليَهْم}.
بعد أن تاب بنو اسرائيل إثر قضائهم في الأسر نَيّفاً وأرْبَعين سنةً، سلَّط الله ملوك الفرس على ملوك بابل الأشوريين، حيث حارب كورس الفارسي البابليين فهزمهم وأضعفهم ثم فتح دارْيُوسْ بابل سنة 538 ق.م وأذن لليهود المتعاونين معهم في سنة 530ق.م أن يرجعوا إلى أورشليم، فجددوا دولتهم على نحو ما ذكر الله تعالى {وأمْدَدْنَاكم بأمْوالٍ…} وفي التوراة >وأكْثِروا ولا تَقِلُّوا<.
2) خرَّبَهُ الرومان :
أ- في عهد طيطُوسْ بعد حروب طويلة.
ب- في عهد أدَرْبَانُوسْ سنة 135 ق.م أكمل تخريبه ولم يُبْق منه إلا الأطْلال.
جـ- لما تنصَّرت الملكة هيلانة أمّ الأمبراطور قُسْطَنْطين، أبغضت اليهود لما تعتقده من قتلهم المسيح، حيث زارت أورشليم، فأمرت بتَعْفية أطْلاَل هيكل سليمان، ونقل ما بقي من الأساطين إلى كنيسة القيامة >قَبْر المسيح المزعوم< وأمَرت بأن يجعل مكان المسجد الأقصى مزْبلة، حتى صار موضع الصخرة مغطى بالأزبال فتشتَّت اليهود وأصبحوا مجرد رعايا.
المسجد الأقصى تحت حُكم المسلمين
لما فتح المسلمون بلاد الشام زمن عمر جاء الخليفة ليشهد فتح مدينة >إيلياء< المسماة سابقا >أورشليم<.
وعندما انعقد الصلح بين عمر والنصارى من أهالي المدينة قال عمر لبطريق لهم >دُلَّنِي على مسجِد دَاوُد< فانطلق به حتى انتهى إلى مكان الباب وقد غُطِّي بالزَّبْلِ فتجَشَّم عمر حتى دخل ونظر وقال : >اللَّه أكبر هذا والذِي نَفْسِي بيَدِه مَسْجد دَاوُد الذي أخْبَرنَا عنه رسول الله أنَّهُ أُسْرِيَ به إِليه<.
ثم أخذ عمر والمسلمون يكنسون الزبل عن الصّخْرة حتى ظَهَرت كُلُّها، ومضى عُمر إلى جهة محراب داود فصلى فيه، ثم ارتحل عن القدس إلى فلسطين.
وفي عهد عبد الملك بن مروان أمر ببناء القبّة على الصَّخْرة وعمارة المسجد الأقصى ووكَّل على بنائها رجاء بن حَيْوَة سنة 66 هـ وتم في 73 هـ.
كان عمر أول من صلَّى فيه من المسلمين وجعل له حُرمة المسْجد.
الأقصى والصليبيون
في سنة 490هـ 1096م شن الصليبيون حملتهم على القدس فاحتلوه.
وفي سنة 584ه -1189م حرر صلاح الدين بيت المقدس في وقعة حطين.
وفي سنة 1967م احتله الصهاينة.
وفي سنة 1969م ثم احراق المسجد الأقصى.
وفي سنة 1984م فشلت خطة نسف المسجد بالمتفجرات ليَقَظَة الحراس المسلمين.
وفي سنة 1994م أطلق أحد اليهود النار على المصلين فيه.
وفي سنة 1995م اكتشفتجماعة من اليهود المتطرفين يعملون لنسف المسجد.
المسجد الأقصى
بعد أن بنى الخليل عليه الصلاة والسلام الكعبة والبيت الحرام أمره الله أن يبني بيت المقدس فبناه، وقيل إن يعقوب -عليه السلام- هو الذي أسسه، وقد كان بين البناءين أربعون عاماً، فعن أبي ذر ] قال : >قلتُ يارسول الله، أيُّ مسجد وضع في الأرض أولاً؟ قال : المسجد الحرام، قلت : ثم أيُّ؟ قال : المسجد الأقصى، قلت : كم بينهما؟ قال : أربعون سنة، وأينما أدركتك الصلاة فصَلِّ فهو مسجد<(رواه البخاري).
ولكن قد يشكل على هذا ما اشتهر من أن باني المسجد الأقصى هو سليمان بن داود -عليهما السلام- وقد روى النسائي بإسناد صحيح من حديث عبد الله بن عمرو عن النبي قال : >إن سليمان بن داود لما بنى البيت المقدس سأل الله عز وجل خلالاً ثلاثاً : سأل الله عز وجل حكماً يصادف حكمه فأوتيه، وسأل الله مُلْكاً لا ينبغي لأحد من بعده، فأوتيه، وسأل الله عز وجل حين فرغ من بناء المسجد أن لا يأتيه أحد، لا ينهزه -أي لا يدفعه- إلا الصلاة فيه أن يخرجه من خطيئته كيوم ولدته أمه فأوتيه< وبين إبراهيم وسليمان ما يزيد عن ألف عام.
والحق أن ما حدث من سيدنا سليمان لم يكن تأسيساً من الأصل، وإنما كان تجديداً وتوسعة لما أُسس قبل، ويكون الخليل بعد أن بنى الكعبة بأربعين سنة بنى بيت المقدس، أو بناه حفيده يعقوب كما قيل.
وإذا كان كذلك فلا يكون الحديث مخالفاً للتاريخ، ولا للواقع، لأنه عنى المؤسس الأول لبيت المقدس لا المجدِّد، واستعمال البناء في التجديد مستساغ ووارد في اللغة العربية.