وطننا المستباح : مسيرتا الأقصى بالرباط والدار البيضاء تجاوب شعبي وتصنع رسمي


تشهد الساحة السياسية العربية والإسلامية حركية اخترقت صمت المشاهد السياسية المصنوعة وخطوط اللعبة السياسية الممقوتة. حركية متصاعدة نابعة من جنبات الأقصى الشريف بفعل انتفاضة شعبية فلسطينية صامدة وصادمة شهيدة بأرواح شبابها وأطفالها وشاهدة على انحطاط واقعنا العربي.. فكانت النتيجة أن كشفت هذه الانتفاضة الحية، يقضة شعبية وحياة متجددة وانبعاثاً لشعور الانتماء للأمة. وفي المقابل ارتباك رسمي أظهر زيف الزعامات العربية والنخب السياسية.

وقد عرفت الشوارع المغربية عموما ومدينتا الرباط والدار البيضاء خصوصا صدى الانتفاضة القدسية والاستجابة لها يوم الأحد 8 أكتوبر 2000، وقد لخص تجاوب الواقع المغربي مع هذا الحدث العظيم هذه المفارقة بين الحالة الرسمية والحالة الشعبية، بين انحطاط المجتمع السياسي وجسدية مجتمع الأمة.

تظاهرات شعبية  : الأقصى الشريف جزء من قلب كل مسلم مهما قرب أو بعد، لهذا كانت أحداث العدوان الصهيوني على الفلسطينيين وانتفاضة الأقصى على إثرها، نداء لبعث الحس الإيماني ورابطة العقيدة، فكانت مظاهرات الجامعات بمختلف المدن وكذا المدارس والشوارع. لقد عبر المغربي البسيط بكل عفوية عن طبيعة انتمائه ووضوح قضيته، فهو لا ينتمي للشرق الأوسط ولا لحوض المتوسط ولا للجامعة الفرنكفونية ولا لغيرها من الولاءات الصورية، بل هو انتماء للقدس ومن حول القدس.

هكذا اخترق صوت الانتفاضة جدار  الصمت الرسمي وأعلن تميزه عنه وبراءته من ضعفه وصمته.

قرار رسمي  : كان التيار الشعبي في الشوارع والمؤسسات أقوى من أن يحاصر ويكمم، لهذا خرجت علينا الحكومة المسؤولة بقرار يقضي بتأميم المسيرات وكبت الشعور والعواطف وتأجيل الانتماء حتى تصطنع له كرنغالاً بمدينة الرباط لا متصاصه واستغلاله تلفزيا وإعلاميا.

نعم قرر الوزير الأول إلغاء كل تعبير محلي عفوي وتمييع المسيرة التي دعت إليها جمعية مساندة الكفاح الفلسطيني بتبنيها رسميا.

قرار رسمي جاف ومصطنع يحرم كل مغربي ليس له القدرة على الانتقال إلى الرباط من التعبير عن غضبه وحبه للأقصى وانتمائه للأمة؟!

قرار رسمي مهيمن يمنع كل تعبير حي كلي يستجيب للفطرة والعفوية.

مسيرة الرباط  : فكانت للرباط مسيرتها كما أرادت الحكومة، التي اصطف رموزها في واجهة الحدث. ولكن كيف تتقدم الحكومة مسيرة ترفع لافتات وشعارات مقاطعة العدو الصهيوني والاستاذ اليوسفي لازال يزكي دخول الوفود الصهيونية إلى المغرب وخروج الوفود المغربية إلى الكيان الصهيوني؟!

وكيف تتقدم الحكومة مسيرة تطالب بغلق المكتب الصهيوني بالمغرب والمكتب المغربي بالكيان، في حين لم ولن تفعل هذه الحكومة شيئا في هذا المجال؟!!

نعم كانت مسيرة الرباط مسيرة المليونين. مليونان يقولان : “لا للتطبيع”، ونخبة غير مسؤولة تتقدم المسيرة ويقول حالها : “نعم للطتبيع”.

إنها قمة استغفال الشعوب واستحمارها واللعب بمشاعرها، وقمة الافراط في اللعب السياسي وهدر القرار العربي.

مسيرة البيضاء  : على بعد مائة كلم، وفي البيضاء بالتحديد جاء التضامن الشعبي بعيدا عن توازنات ومخططات الجهات الرسمية، حيث كانت مسيرة الخطباء والوعاظ خالية من كل تصنع، مليئة بالعواطف الحقيقية الحية فكان مصيرها هراوات الحكومة وغضب الحكومة وعقاب الحكومة لأنها خرجت عن “فتواها” واجماعها، فالإجماع الحكومي أهم من الإجماع الشعبي؟! وفتوى الحكومة أصلح من فتوى العلماء والوعاظ والخطباء، فكانت النتيجة حوالي 35 جريحا.

إنها هدية الحكومة المغربية لانتفاضة الأقصى.

مسيرات شعبية محلية مكبوتة ومسيرة مضطهدة وأخرى بالرباط مصطنعة.

اترك تعليقا :

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

يمكنك استخدام أكواد HTML والخصائص التالية: <a href="" title=""> <abbr title=""> <acronym title=""> <b> <blockquote cite=""> <cite> <code> <del datetime=""> <em> <i> <q cite=""> <strike> <strong>