نوقشت يوم الخميس 14 شتنبر 2000 رسالة دكتوراه الدولة في الحديث ، أعدها ذ : عبد العزيز فارح تحت عنوان : “المصادر الفرعية للحديث النبوي : تصنيف وتقويم” وقد تكونت اللجنة المناقشة من :
د : الشاهد البوشيخي مشرفا ومقررا، ود : محمد الروكي رئيسا، ود : عبد الكريم مشهداني عضوا. ود : محمد الخرشافي عضوا ود : توفيق الغلبزوري عضوا.
ومما جاء في كلمة ذ : عبد العزيز فارح أمام اللجنة المناقشة :
…كان اعتماد معظم علماء القرنين الرابع والخامس على جهود القرون الأولى، ومع ذلك ظهر علماء جهابذة، ومحدثون كبار، أغنوا المكتبة الحديثية بمؤلفات في الحديث وفي غيره من الفنون لا يقل بعضها في الأهمية عن الكتب المتقدمة ،خصوصا في اشتمالها على أحاديث يعز وجودها في غيرها، فظهرت -إلى جانب مظان الحديث المعتمدة أو الأصلية- كتب تشتمل على الحديث النبويمثل كتب السيرة النبوية والتاريخ وتراجم الصحابة والتفسير والترغيب والأذكار والفضائل وكتب علوم الحديث والطبقات وتاريخ الرواة والجرح والتعديل والفهارس ومعاجم الشيوخ والأثبات وغير ذلك من المصادر التي لم تؤلف أصلا لتدوين الحديث وحفظه مطلقا، ولذلك فهي مصادر حديثية غير مباشرة، أو هي مصادر فرعية. إن هذه الكتب تزخر بالأحاديث النبوية وتطفح بالآثار، تلقاك هذه وتلك في ثنية من ثنايا تلك الكتب، يستدل بها وتروى بالأسانيد والطرق المعتمدة، فقد كان المنطلق في هذه الكتب والمسار المحدد لها هو القرآن والسنة، ولم يزل التجديد الذي عرفته الأمة في أطوار من تاريخها منبعثا منهما .. لذلك حرص العلماء على الاحتجاج بالأحاديث النبوية الشريفة في كتبهم التي صنفوها في الفنون الأخرى إيمانا منهم بمكانة السنة في حياة المسلمين فقها وتشريعا وتربية وتوجيها ..
إن ما تحتويه هذه المصادر الفرعية يشكل مادة مهمة تستوقف القاريء وتستوجب النظر فيها تصحيحا وتضعيفا لفسح المجال أمام الاستفادة منها. أما من يستبعد هذه المصادر الفرعية ولا يقيم لها وزنا على أساس أن فيها من الأباطيل الشيء الكثير، يكون كمن يرمي كيسا من المال بحجة أن فيه درهما أو دراهم مزيفة. إن ذلك هو الذي يسلم إلى القول بما ساد وشاع من عدم الخروج عن دائرة المصادر الأصلية.
… الموضوع ليس بحثا في زوائد المصادر الفرعية فحسب، ولكنه بالإضافة إلى ذلك ، تتبع لفوائد سائر أحاديث تلك المصادر سندا ومتنا، فقد يقع الحديث في أحد المصادر الأصلية ثم يرد في المصادر الفرعية بطرق أخرى تفيدنا في دراسة الأسانيد والمتون بيانا للمبهم والمهمل، وكشفا للانقطاع والتدليس، وتأكيدا للسماع المباشر في العنعنة في بعض الأسانيد، وزيادة لألفاظ ذات شأن في استنباط الأحكام منها، وضبط غريب المتون والأسانيد وغير ذلك، مما يؤكد أنه كلما اتسعت دائرة المرويات وتعددت الطرق كلما كانت الإفادة من الأسانيد والشواهد والمتابعات والزيادات والالفاظ كثيرة.
ورب قائل يقول : إن هذه المصادر لا تعدو أن تكون مجترة لما في الكتب الأصلية مقتاتة منها لم تخرج عن دائرتها.
وقائل يقول : إن أصحاب هذه المصادر ليسوا من المحدثين ولا هم في العدالة والحفظ والإتقان كأصحاب الكتب الأصلية…
وكلا القولين متهافت لا يثبت أمام النقد، فقد حجر واسعا من قال : ما ترك الأول للآخر، ومن تأمل ومارس قال : كم ترك الاول للآخر. نعم للأوائل فضل السبق في رواية الحديث والذود عنه وتدوينه.. وجهدهم في كل ذلك وغيره مشكور، وحقهم محفوظ، ولكن لمن جاء بعدهم أيضا الزيادة والإضافة، والتهذيب والتنقيح، والاستدراك والتوضيح، وتقريب البعيد ولمّ المتفرق وغير ذلك، وكل أحد يؤخذ من قوله ويترك إلا رسول ، والعلم بحر لا ساحل له، وهو مفرق في الأمة، موجود لمن التمسه.
أما أصحاب المصادر الفرعية فمعضمهم أئمة أعلام، ومحدثون كبار منهم :
- أصحاب المصادر الأصلية التي تلقاها الناس عنهم بالقبول كالبخاري ومسلم والنسائي والترمذي وأحمد بن حنبل وغيرهم.
- ومنهم أعلام ثقات كانوا من رجال الحديث وأهله، وهم أدرى بشعابه ، والقول في ذلك قولهم كالإمام الطحاوي وابن جرير الطبري، وابن أبي خيثمة، وأبي القاسم بن سلام، وابن أبي الدنيا، والآجري والخطيب البغداددي، وابن عبد البر الأندلسي، وأمثالهم ممن اشتهرت كتبهم وعرفوا بها، كقول بعض أصحاب كتب التراجم : الحافظ أبو نعيم صاحب الحلية، وكقول البدر العيني عن الإمام الطحاوي : “وأما تصانيفه فتصانيف حسنة كثيرة الفوائد، ولا سيما كتاب معاني الآثار فإن الناظر فيه المنصف إذا تأمله يجده راجحا عن كثير من كتب الحديث المشهورة المقبولة”.
ومن تكلم فيهم من هؤلاء إنما لرأيهم لا لروايتهم، وليس كل من نحى نحلة بمردود الحديث، وقد اتفق العلماء على أن من تكلم فيه بما لا يوجب تجريحه فهو مقبول الرواية.
وليس كل حديث ضعيف بمردود، فإنه يعمل به في الفضائل ونحوها إذا لم يكن الضعف شديدا، وكان الحديث مندرجا تحت أصل عام، ولم يعتقد عند العمل به ثبوته، ولذلك اتفق الأئمة على التشديد في أحاديث الأحكام، والترخيص قليلا، لا كل الترخص في الفضائل والرقائق، فيقبلون في ذلك ما ضعف إسناده، لا ما اتهم رواته. وما دام أن الضعيف قد ينجبر بكثرة الطرق فيرتقي إلى رتبة الحسن لغيره، وأن الحسن لذاته قد يرتقي أيضا بفضل مجيئه من وجوه متعددة إلى رتبة الصحيح لغيره، فإن المصادر الفرعية تفتح مجالا أوسع وأرحب أمام المحدثين والفقهاء والمجتهدين والباحثين عن أدلة الأحكام الفقهية لتقوية أحاديث، وإعادة الاعتبار لأحاديث أخرى ردت بدعوى الانقطاع، أو ضعف الإسناد أو خطأ المتن. إن ضعف الحديث في كثير من الأحيان ضعف نسبي، يزول في طريق أو طرق أخرى سالمة منه.
فلماذا نترك أحاديث صحاحا ذات معان بليغة وألفاظ جديدة بحجة أنها لم ترد في المصادر الأصلية..؟
لماذا نبقى على الضعيف ضعيفا وقد ورد في المصادر الفرعية بما يرقى به إلى درجة عليا؟
لماذا نبقى على المهمل مهملا، وعلى المبهم مبهما وفي المصادر الفرعية ما يبينهما..؟
لماذا لا نستفيد من تراث نقدي كبير تشتمل عليه هذه المصادر الفرعية يعين -إذا جمع- على التصحيح والتضعيف وبيان درجات أحاديث المصادر الأصلية والفرعية على السواء؟
منهج البحث :
بما أن المصادر الفرعية للحديث النبوي أكثر من أن تحصر، لم يكن بالامكان ذكر جميعها في هذه المحاولة، بل اكتفيت بذكر نماذج منها حسب تصنيف كان الغرض منه إبراز تنوع تلك المصادر بتنوع المجالات التي ألف فيها المسلمون وكثرة الأحاديث والآثار التي تحتوي عليها، ولعل فيما ذكرت غنى عما تركت.
كما ركزت على المصادر التي تحتوي على النصوص المروية بالاسانيد، وهو شرط لازم لأن من يورد الأحاديث مبتورة محذوفة الأسانيد من غير أن يشير إلى رتبتها لا تقوم حجته، ولأن ذكر تلك الأحاديث على تلك الحال لا يقنع النفوس، ولا يبعث فيها الاطمئنان، والاسناد سلاح المؤمن كما قال الامام سفيان الثوري فيما رواه الحاكم في المدخل “الاسناد سلاح المؤمن فإذا لم يكن معه سلاح فبأي شيء يقاتل؟”
ولما يكن الغرض من هذه المحاولة هو الحديث عن زوائد المصادر الفرعية فحسب فقد خصصت شطرا منها لبيان آثار سائر أحاديث تلك المصادر في الدراسات الحديثية على مستوى الاسانيد وعلى مستوى المتون سواء تعلق الامر بالزيادات التي تقع فيهما فتظهر للمحدث نكت وفوائد مهمة من جهة الصنعة الحديثية كالتصريح بالسماع في رواية المدلس أو المعنعن، أو رواية من سمع من المختلط قبل اختلاطه، أو وصل لمنقطع، أو بيان لمبهم، أو تمييز لمشتبه، أو بيان لسبب ورود الحديث وغير ذلك.
محتوى البحث :
قسمت هذه المحاولة -بعد المقدمة والمدخل- إلى بابين، عرضت في المقدمة موضوع البحث وأهميته ومنهجه ومحتواه، وأما المدخل فعرفت فيه بالمصادر الأصلية والمصادر الفرعية للحديث النبوي ، وانتلقت بعد ذلك إلى الباب الأول حيث صنفت المصادر الفرعية حسب مجالات كثيرة ذكرت حسب كل مجال نماذج من المؤلفات مشيرا إلى ما تزخر به من الاحاديث والآثار، وقد أذكر عددها إذا تيسر الوصول إليه. وقد انتظم ذلك خمسة فصول :
خصصت الفصل الأول منها لذكر بعض كتب السيرة وما يتعلق بها والتاريخ وتاريخ الصحابة وتاريخ الخلفاء وفضائلهم وغيرهم.
أما الفصل الثاني فلكتب التراجم ومعاجم الشيوخ وأحوال الرواة.
أما الفصل الثالث : فعرفت فيه بنماذج من كتب علوم الحديث ككتب علم المصطلح وكتب مختلف الحديث وغريبه وعلله.
وكان الفصل الرابع لنماذج من كتب التفسير وما يتعلق به، من كتب فقه الحديث والفقه وأصوله.
وأنهيت هذا الباب الأول بفصل خامس خاص بنماذج من كتب مفردة في أبواب مخصوصة.
أما الباب الثاني فخصصته لبيان موقع المصادر الفرعية من الدراسات الحديثية من خلال أربعة فصول :
تحدثت في الأول منها عن زيادات المصادر الفرعية في المتون والأسانيد كزيادة لفظ أو ألفاظ وكإيضاح المبهمات ومعرفة سبب ورود الحديث ومعرفة الناسخ والمنسوخ وإيضاح الغريب وكشف الكذب في الحديث ومعرفة الزيادة الموضوعة ومعرفة الادراج ومعرفة المعل. أما في الاسانيد فكبيان المبهمات وأسماء من عدلوا على الابهام ومعرفة المعل ووصل المنقطع وإثبات الرفع بدل الوقف أو العكس ومعرفة التدليس والتصريح بالسماع عما جاء بالعنعنة ودفع توهم التفرد وبيان أسماء المذكورين بكناهم أو بنعوت متعددة وبيان أنساب الرواة وتصحيح أوهام الأسانيد ومعرفة أحوال الرواة.. وكان لابد أيضا من الحديث عن درجة تلك الزيادات وطرق معرفتها من كتب التخريج وكتب الأحاديث المشتهرة على الألسنة وكتب الأمالي والمعاجم الحديثية وكتب الزوائد والشروح الحديثية والكتب والأجزاء الجامعة لطرق الأحاديث ثم أحكام أئمة الحديث ونقاده واجتهاداتهم في التصحيح والتضعيف، ثم بذل الوسع والاجتهاد في ذلك لمن كان مالكا ناصية الاجتهاد.
أما الفصل الثاني فكان عن تعدد طرق الاحاديث وفضلها. فتحدثت في غضون ذلك عن المتابعات والشواهد، وعن ارتقاء الحديث من رتبة إلى أخرى أعلى.
وأثرت في الفصل الثالث قضية التصحيح والتضعيف في المصادر الفرعية، فأشرت في البداية إلى مسألة التصحيح والتضعيف بين المنع والجواز عند المتأخرين وتقوية أحاديث المصادر الفرعية ودورها في التصحيح والتضعيف.
وختمت هذا الباب بفصل رابع بينت فيه بعض فوائد المصادر الفرعية في الدراسات الحديثية كبعض قضايا علم مصطلح الحديث، وعيون الاقاويل والنكت المتعلقة بفقه الحديث أو شرح غريبه..
وأنهيت البحث بخاتمة خصصتها لعرض أهم الملاحظات والنتائج التي بدت لي من خلال هذه المحاولة، كما عرضت فيها بعض الاقتراحات التي تزكي مشروع الموسوعة المنشودة المشتملة على المتصور أن يكون النبي قد لفظه أو عمل به ودخل في دائرة المقبول المعمول به في العقائد أو في الاحكام أو الفضائل والمثالب والترغيب والترهيب..