قضايا التربية والتعليم : يحدث هذا في المغرب : تعليم ذو سرعتين : سريعة للأغنياء وبطيئة للفقراء


لقد كان من الشعارات التي رفعت في ميدان التعليم غداة الاستقلال في المغرب، المبادئ الأربعة الأساسية المشهورة تعميم التمدرس ومغربة الأطر التعليمية، والتعريب، توحيد التعليم. إذا أمعنا النظر في مسألة وتوحيد التعليم الذي يعني فيما يعنيه بكل بساطة أن يكون التعليم لكافة أبناء المغاربة على قدم المساواة مما يعني أيضا تكافؤ الفرص لكل المغاربة.

الملاحظ أن الهوة التي كانت تفصل في ميدان التعليم بين الأغنياء والفقراء كانت بسيطة للغاية في فجر الاستقلال، حيث أننا نجد كثيرا من أعيان الدولة ورجالاتها الذين تبوؤا مراكز مهمة في هرم السلطة، وكذلك في الإدارات والجامعات والمؤسسات الكبرى في المغرب إلى حد الساعة، جلهم تلقوا تعليمهم مع كافة فئات الشعب، وأنهم كانوا على سبيل المثال يتابعون دروسهم في بعض المدارس والثانويات الشعبية التي لازالت شاهدة على ذلك. وعلى سبيل المثال لا الحصر نذكر ثانوية عمر بن عبد العزيز وثانوية عبد المومن في وجدة ومدارس محمد الخامس وثانوية مولاي يوسف بالرباط والقرويين بفاس والقائمة طويلة.. وقد أقيم برنامج تلفزيوني خلال السنة الماضية يلقي الأضواء على هذه الثانويات القديمة حيث يحاور أبرز المتخرجين منها في عهود سابقة ليبينوا ملامح وتاريخ هذه الثانويات ويعبروا عن ذكريات خلت.

والآن يبدو جليا أن مبدأ توحيد التعليم الذي كان يتوخى منه تجسيد مبدأ المساواة بين كل المغاربة واعطاؤهم نفس الحظوظ والفرص لم يعد له أي معنى على أرض الواقع في الظروف الراهنة، حيث أننا نلاحظ أن رجال الأعمال والنخب السياسية والدولة نفسها استباحت التعليم برمته وساهمت في بلقنته وأصبح كالخرقة التي كما يقال يتسع الخرق على رقيعها كل يوم. أجل إننا حينما نقرأ في ميثاق التربية والتكوين في فقرة حقوق وواجبات الأفراد والجماعات هذا النص (صفحة 11) بند 12 : “يعمل نظام التربية والتكوين على تحقيق مبدأ المساواة بين المواطنين وتكافؤ الفرص أمامهم، وحق الجميع في التعليم، إناثا وذكورا، سواء في البوادي أو الحواضر، طبقا لما يكفله دستور المملكة”، هذا كلام جميل ولكن على عكس هذه الشعارات الجوفاء نرى كل يوم على أرض الواقع مبادرات هنا ومبادرات هناك تضرب في الصميم مبدأ توحيد التعليم. وفي هذا الصدد نضرب بعض الأمثلة وهي غيض من فيض، ونتساءل : إلى أي حضيرة تعليمية تنتمي جامعة الأخوين في مدينة إيفران؟ ونتساءل أيضا عن المنظومة التربوية التي تنتمي إليها البعثات الفرنسية مثل ثانوية ليوطي بالبيضاء وثانوية ديكارت بالرباط، ومن حقنا أن نتساءل أيضا عن المبادرة الأخيرة بالنسبة للمدرسة الأمريكية التي أعلن عن تأسيسها في مراكش على غرار المدرسة الأمريكية في طنجة.

إننا نتعجب ونقول : ماذا يراد لأبناء هذا الوطن وكيف سيكون أبناء المغاربة في ظل تشتت هذه المنظومة التربوية وفي ظل هذا التشتت اللغوي؟ ماذا يراد للأطفال المغاربة الذين تعاملهم الوزارات المتعاقبة كمادة للتجارب؟ هل يراد لهم إتقان اللغة العربية، لغة الوحي؟ أم يراد لهم التشبع باللغة الفرنسية والدوران في فلك الثقافة الفرنكفونية؟ أم يراد لهم التواصل باللهجات المحلية (وما أكثرها!) أم يراد لهم فوق كل هذا في ظل هيمنة العولمة الأمريكية وباسم التفتح، أن يتقنوا اللغة الأمريكية لغة العم سام ليتحضروا أكثر، ويدخلوا عليهم الباب على مصراعيه ويقتحموا الحلم الأمريكي.

ونتساءل أيضا عما فعلته الوزارة الوصية أو ما تنوي فعله مع قطاع التعليم الخاص الذي تتناسل مؤسساته بوتيرة كبيرة والذي يعاني من مضاربات كبيرة على حساب المواطنين، ويعمل ببرامج ومناهج في غالب الأحيان تكون مستوردة. ونتساءل : ماذا عملت هذه الوزارة من أجل توحيد مؤسسات التعليم العالي والمعاهد العليا؟ حيث أننا أصبحنا نرى أن كل وزارة أو مصلحة تنشئ معهدا عاليا خاصا بها كما هو الشأن بمعهد البريد ومدرسة المناجم ومعهد الإحصائيات ومعهد الإعلام والقائمة طويلة جدا. فأين هو مبدأ توحيد التعليم العالي؟!

إننا في الختام نهمس في أذن المسؤولين وأصحاب القرار خصوصا في هذا القطاع الحيوي والاستراتيجي ونقول لهم : كفى من استعمال الأطفال المغاربة كمادة لتجاربكم وكفى من رفع شعارات براقة حول توحيد التعليم، فالواقع يكذبكم، وكفى من تكريس تعليم ذي سرعتين، سرعة كبيرة للأغنياء وسرعة بطيئة للفقراء.

اترك تعليقا :

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

يمكنك استخدام أكواد HTML والخصائص التالية: <a href="" title=""> <abbr title=""> <acronym title=""> <b> <blockquote cite=""> <cite> <code> <del datetime=""> <em> <i> <q cite=""> <strike> <strong>