رحلة التراجعات العربية من جبهة الصمود والتصدي إلى كيانات الخنوع والتردي


من الصمود إلى القعود، إنها خلاصة تجربة الأنظمة العربية في التعامل مع ملف القضية الفلسطينية. خلاصة تفاصيلها عمالات وخيانات عرف أبطالها تحت مجموعة من المسميات والانتماءات.

فمنذ الثلاثينات مع الشهيد عز الدين القسام الذي خذل، ومروراً بالأربعينات حيث حرم الموقف الإسلامي من التعبير عن نفسه بالحديد والنار، والخمسينات حيث التغني بتجارب الوحدات والجبهات القومية التي جرت نكسة 67 في الستينات.. من جبهة الصمود والتصدي إلى دول الطوق.. وأي طوق! هل هو طوق الكلاب الحارسة لإسرائيل؟ أم طوق الذل والعار والاستبداد الذي وضعته الأنظمة العربية لشعوبها؟ وكبلتها وسلسلتها به؟!

لقد دأبت دولنا على انتقاء تسمية لها مناسبة لكل مرحلة، فماذا عساها أن تسمي نفسها في هذه المرحلة يا ترى؟ جبهة الخنوع والتردي؟ جبهة السلاممع برابرة يعشقون القرابين البشرية؟ ورغم ذلك لا زلنا وللأسف نجد في تفاصيل حياتنا السياسية والثقافية من يمجد قادة الهزيمة بل يعبدهم، لا زلنا نسمع بالأحزاب القومية والناصرية والبعثية والاشتراكية.. والتي جرت على الأمة عبر تجاربها مع الكيان الصهيوني الهزائم والانكسارات، ولكنه الإعلام، وعالم المال والأعمال، عالم الزور  والبهتان الذي يُسَمِّي الأعمى أبا بصير والأقرع شعراوي على حد تعبير الشيخ محمد الغزالي رحمه الله.

إن انتفاضة الأقصى المبارك أصبحت قادرة اليوم على فرز الشعارات الجوفاء وتمييزها أصبح معها من الواجب على علماء المسلمين وقياداتهم الدينية من سنة وشيعة وعلى كل المؤسسات الشرعية اصدار فتوى تتبعها اجراءات عملية بتحريم الاعتراف بالصهاينة القتلة المجرمين شدادي الآفاق، بل عليهم أن يربطوا شرعية الحكام العرب المطبّعين بمقتضى ذلك. ولقد بات مطلوباً اليوم من كل الكيانات المصطنعة والمصنوعة على عين اليهود وأوليائهم من أمريكيين وأوروبيين.. أن تتوب إلى رشدها وأن تحترم اختيارات شعوبها التي عبرت بكل وضوح عن موقفها من المجازر البربرية الصهيونية من جهة، ومن عدم استعدادها للتفريط في المسجد الأقصى مسرى محمد ، وكل شبر من فلسطين من جهة أخرى، ولعل الأعراس الفلسطينية الأخيرة التي زفت الشهداء وعطرتهم بالدموع والدماء رافعين شعار : “ميعادنا في القدس مهما نعاني” خير تعبير على أن موتهم ميلاد لفجر جديد، فجر الجهاد من أجل التحرير وحياة يتفيأ في ظلالها المجاهدون {ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا بل أحياء عند ربهم يرزقون}(آل عمران : 169).

إن شوارع الأرض المقدسة الغاصة بالشهداء على مذبح تخليص الأمة من غطرسة أحفاد القردة والخنازير، وإن شهداءها الذين أنطقوا الحجر.. كل ذلك رسالة ناطقة إلى كل ذي لب، في الداخل والخارج، صديق وعدو، رسالة تنطق بعمق الإيمان وتوهجه وعطائه اللا محدود.

ونحن إذ نهتمُّ بقضية المسلمين المركزية والأولى، فإننا نحاول أن نساهم في التأكيد على أن القدس وفلسطين تمثل موقعاً رسالياً وقاعدة للتوحيد ورمزاً للجهاد في ذاكرة المسلم ووعيه وإحساسه، ويجب أن تظل القدس حاضرة في حركة الدعوة والتغيير التي بدأها الأنبياء والمرسلون الذين عاشوا فيها أو هاجروا إليها عبر الحقب المختلفة من تاريخ الرسالات السماوية. إن وعينا بمكانة القدس هو في الحقيقة نقطة انطلاق حقيقية من الماضي في إيحاءاته الروحية والفكرية وما يبقى منها من عظات وحقائق خالدة، ومن الحاضر إلى المستقبل للوعي بالمسؤولية الرسالية والتاريخية تجاه القدس.

اترك تعليقا :

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

يمكنك استخدام أكواد HTML والخصائص التالية: <a href="" title=""> <abbr title=""> <acronym title=""> <b> <blockquote cite=""> <cite> <code> <del datetime=""> <em> <i> <q cite=""> <strike> <strong>