بارقة : الأنظمة الدهرية في طريق الانتحار: النموذج التركي


ابتليت الأمة الاسلامية بأنظمة دهرية حسب تعبير المفكر الكبير الدكتور طه عبد الرحمان حفظه الله ، زاعمة أنها علمانية وليس لها من العلمانية الغربية شيء، فهي أي هذه الأنظمة عصابات من العسكر تربت على الخيانة والعمالة والتبعية .وانتَقَتْها الدول المتصرفة فيها من أخس أنواع البشر لا يهمها من الحياة إلا تلبية شهوتي البطن والفرج والتكاثر من المال والعقار والحياة المرفهة والاسراف والتبذير وتكديس الحسابات في البنوك الخارجية .وبذلك أصبحت مثل “الروبوت” يحركها سادتها كيفما شاؤوا ووقت ما شاؤوا حسب تعبير الأستاذ عبد الخالق الطريس رحمه الله الذي قال لنا بسفارة المغرب بالقاهرة : اسمعوا يا إخواني : لقد أصبحنا أجهزة طيعة في يد أعدائنا المستعمرين يحركوننا كما أرادوا لتحقيق مقاصدهم.

وتعتبر تركيا النموذج الكبير والصارخ لهذه الظاهرة التي نراها تستفحل في بلادنا الإسلامية تحت أسماء ومصطلحات وعناوين مزيفة لا صلة لها بأي نية صالحة لإخراج هذه الأمة من ظلمائها إلى نور الكرامة والعزة والمنعة والإقلاع الحضاري.. إن محاكمة وعزل أعظم رجل في تركيا  وهو رئيس بلدية استطنبول الذي استطاع في برهة وجيزة أن يجعل من هذه المدينة نموذجاً للمدينة المتحضرة بعد ما كانت تتخبط في مشاكل مستعصية من المو اصلات والأوساخ والتلوث والازدحام وأزمات المياه والصرف والسكن وانتشار الدعارة والفوضى، وتحكم بالسجن على رئيس وزرائها العظيم الذي أنقذ الوجود التركي بقبرص واستطاع أن ينشئ لتركيا مصانع ومعامل ومؤسسات قوية ،وأن يقلص تورم العملة التركية ويخفض من ديونها ويوفر لها الملايير من الدولارات ويضع تركيا على الخط المستقيم ، وأخيراً تمتد يد القذارة والخيانة والعمالة لجماعة النور التي عرفناها مسالمة في دعوتها بعيدة عن أوحال السياسة وأقذار أكاذيبها وبهتانها… إن الإمام المصلح بديع الزمان سعيد النورسي هو أحد كبار أئمة الإسلام في القرن الرابع عشر، وهو فريد في دعوته ، لا يحقد على أحد ولا يحرض على أحد وإنما يدعو الناس إلى الاتصال بالله عن طريق القرآن الكريم يستمدون منه النور والهداية والتوفيق والعافية في الدنيا والآخرة، بل إنه يكرم من يسيء إليه ويشفق عليه ويرحمه ،وقد أيد مصطفى أتاتورك في جهاده يوم دعا إلى الجهاد كما أيده كثيرون على الإسلام مثل الأمير أحمد السنوسي والحافظ الشريف محمد بن جعفر الكتاني، فلما انحرف أتاتورك تخلى عنه وجابهه بقول الحق ..

سجن الرجل مراراً وتكراراً ونفي مراراً وتكراراً ولكنه كان يعيش مع القرآن دائماً، فكان يؤنسه في غربته ويعالجه من علله، ومن غيابات السجون وأجْباب (جمع جُب) المنافي كانت تنطلق رسائل النور تجوب تركيا عبر الشباب والشيوخ والنساء ليس فيها إلا ما يقوي الإيمان بالله والثقة به وحسن التوكل عليه والصبر على البلاء والتفاؤل بالمستقبل ،حتى طبقت دعوته العظيمة الآفاق . ومن جَهل الطغمة الدهرية العسكرية أنها أخفت قبره وجثته عن الناس ظناً منها أن بذلك تنطفئ جذوة النور ،وإذا بالنور يزداد اتساعاً وانتشاراً حتى أصبح الآن يغمر العالم كله وبفضل هذه الدعوة النورانية الربانية المباركة انتشرت مدارس النور وجامعاتها في الجمهوريات الاسلامية المستقلة، وفي بعض البلاد الاسلامية والغربية والافريقية.. وقد خبرنا هؤلاء فوجدناهم أنقى من ماء السحاب وأصفى من ريح الصفا وأبهى من جمال الفجر وألين من الحرير..

لقد رأينا نماذج من الخلق الرفيع واللسان العف والانضباط الحازم والاخلاص المتفاني، وقد أسعدنا الله بطالبين منهم عاشا بيننا وتعلما في شهرين من العربية ما لا يتعلمه أبناء العربية في سنة.. أما الشيخ فتح الله جولن قائد جماعة النور فقد عرف عنه الحكمة والرزانة وقوة التأثير وجمال القدوة والزهد والصون والعفاف، وقد سمعت بعض دروسه باللغة التركية يلقيها دائما أمام آلاف طلابه وإخوانه وتأثرت بكلامه تأثراً بليغاً رغم أني لا أفهم هذه اللغة.

إن الطغمة العسكرية في تركيا تسعى إلى حتفها بإيذائها أولياء اللّه وخلصاءه وأحباءه ، وقد آن الأوان لينزل الله عقابه  الشديد والعتيد والسريع بهؤلاء المأجورين المأزورين لا في تركيا فحسب ،ولكن في جميع بلاد المسلمين {فلما آسفونا انتقمنا منهم فأغرقناهم أجمعين فجعلناهم سلفاً ومثلاً للآخرين}(الزخرف : -55 56)… وللدهريين العرب نفس المصير ولو تشبثوا بالتطبيع واستنصروا بجميع كفار الأرض وفساقهم وطواغيتهم فلا غالب إلا الله…

اترك تعليقا :

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

يمكنك استخدام أكواد HTML والخصائص التالية: <a href="" title=""> <abbr title=""> <acronym title=""> <b> <blockquote cite=""> <cite> <code> <del datetime=""> <em> <i> <q cite=""> <strike> <strong>