ثبت في الكثير من كتب السيرة أن أبا سفيان -بعد انتهاء الحرب في أُحُد بين المسلمين والمشركين- نادى : أفي القوم محمد؟؟ قال ذلك ثلاثا فنهاهم رسول الله أنْ يُجِيبُوه، ثم قال : أفي القوم ابن أبي قحافة؟؟، قالها ثلاثا، ثم قال : أفي القوم عمر؟؟ قالها ثلاثا، ثم أقْبَلَ على أصحابه فقال : أما هؤلاء فقد قُتِلُوا وقد كُفِيتُموهم، إذْ لَو كانوا أحْيَاءً لأجابوا، فما ملكَ عُمَرُ نفسه أن قال : >كَذَبْتَ والله يا عَدُوَّ الله، إنَّ الذين عَدَدتَ لأحْيَاء كُلُّهم، وقد بَقِي لك ما يَسُوؤُكُ<-السيرة الحلبية 531/1.
نذكر هذا بمناسبة الكتابة الكثيرة التي تروّج -بتشَفٍّ وشماتة- لفشل الصحوة، على حسب ما يرون من الأزمات التي يعانيها المسلمون في تركيا، والجزائر، والسودان، والشيشان، وأفغانستان، وغير ذلك من البلاد التي أعْلَن فيها الأعداء الحرب بشراسة على المسلمين كي يحْرموا الإسلام من حَقِّه الطبيعي في توجيه شؤون الحياة بأوطانه وفْقَ ما يُرْضي الله تعالى ويخدُمُ المصلحة العليا للإنسان.
ولكي يطمئن هؤلاء الشامتون على حزنهم الدائم، وحقدهم المستمر الذي يحرمهم لذة الاستقرار، لابأس من صكِّ أسماعهم بالنقط التالية :
1) الإسلام دينُ الله تعالى، وقد تكفل الله تعالى باظهاره على جميع الأديان ولو كره الكافرون، فهو ظاهر ظهور حجة وبرهان وإن لم يكن له ظهورُ سيادةٍ وسلطان في مجتمعات الإنسان.
2) الإسلام الذي يكرهونه لتناقضه مع أهوائهم هو سفينة النجاة للغارقين في أوحال الظلم والفساد يوم تزول الغشاوة عن الأبصار.
3) إن المخططات الماكرة لضرب الإسلام بشتى الوسائل -وعلى رأسها إرْسالُ الملحدين لتمثيل الإسلام- سوف لن تزيد الإسلام إلا قوة، ولن تزيد مكْرهم إلا فشلا وفضْحاً {إنَّ كَيْدَ الشَّيْطاَنِ كَانَ ضَعِيفاً}(النساء : 76).
4) العمل على نشر الفساد في المجتمعات الإسلامية بالتشويه والتشكيك، والاستهزاء، والتحريض على التجرؤ على الله عز وجل، والدين، والأخلاق، ومس الأعراض، والانغماس في المال الحرام.. كل ذلك سوف لن يمكث طويلا أمام زَحْفِ الصحوة الشامل في القريب العاجل، يوم يستيقظ المسلمون ويَعُون المخاطر العاجلة والآجلة التي تنتظرهم بسبب ربْطِ مصيرهم بمصير المترفين الأشقياء {إنَّ الذِينَ فَتَنُوا المومِنِينَ والمُومِنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَتُوبُوا فَلَهُمْ عَذَابُ جَهَنَّمَ ولَهُمْ عَذَابُ الحَرِيقِ}(البروج : 10).
5) إن فشل المسلمين في زحزحة العلمانيين والماديين عن القيادة ليس مرَدُّه إلى قوة دهاء هؤلاء الماكرين، ولكن مردّه إلى ضعف إيمان المسلمين برسالتهم، وإلى جهلهم بالسنن الربانية في التمكين والنصر، ولكن الابتلاءات والأزمات والضربات كفيلة -إن شاء الله تعالى- بتعليمهم السير على المنهاج الصحيح الذي يوفر للمسلمين شروط الشهادة على الناس، فالله عز وجل وعد المومنين بالنصر والتمكين لدين الله في الأرض، ووعْدُه حق وصدق لا يرتاب فيه إلا من حُرِم نعمة الإيمان {إنَّهُمْ يَرَوْنَهُ بَعِيداً ونَرَاهُ قَريباً}(المعارج : 7).
فَلْيَطْمَئِنَّ هؤلاء على حِقْدِهم وكيدهم، فالإسلام قوي بربّه وعَدْله وحقه واستقامة مبادئه، وهو لذلك لا يزداد إلا تَأصُّلاً ورسوخا في القلوب النقية الطاهرة المطمئنة الواثقة بالفوز والفلاح مهما كانت العقبات {إنْ تَكُونُوا تَالَمُون فإنَّهُمْ يَالَمُونَ كَمَا تَالَمُونَ وتَرْجُونَ مِنَ اللَّهِ مَا لاَ يَرْجُونَ وكَانَ اللَّهُ عَلِيماً حَكِيماً}(النساء : 103).