مقدمة :
إن الأسرة مفهوما وواقعا، تعتبر أقوى قاعدة لبناء المجتمع وتغييره وتحصينه. فالأسرة مجال للتوافق والانسجام العاطفي والتكامل الفكري والتآلف الاجتماعي، أي أنها مجال للالتحام والتضامن إذا تحققت في الزوجين الشروط الموضوعية لتأسيس حياة مستقرة. وهذا يستدعي قيام قرار تكوين الأسرة على مفهوم التراضي نفسيا، والتواد وجدانيا، والتقارب اجتماعيا والتفاهم ايديولوجيا..
إن الأسرة هي المأوى الطبيعي لكلا الجنسين والمستقر الوحيد الزكي لعلاقتهما… ومهما تنوعت الأسماء وتعددت، تظل من حيث الأساس والشكل ذات مدلول واحد.
ولايعزب عن البال أن لها معنى آخر في (اللغة)، لو محص من ناحية الدلالة العامة لتوافق معها : “إذ يقال : أسرة المرء : أهله، ويقال : الاسرة : الدرع الحصينة. والأهل، عادة وعرفا: زوجة المرءوأولاده”.
إن الرجل وحده نصف ،ما يبلغ تمامه إلا إذا انظم إليه النصف الآخر، والشهوة الجنسية لو أمعنا النظر فيها ،عامل ثانوي في تكوين الأسرة، أو إن شئنا لقلنا إنها عاطفة مساعدة ليس إلا.. أما الأساس الكريم الراقي فهو الصحبة القائمة على الود، والإيناس والتآلف.. وهذا الاساس هو الذي نوه القرآن الكريم به عندما ذكر قصة الخليقة، قال جل وعلا : {هو الذي خلقكم من نفس واحدة وجعل منها زوجها ليسكن إليها} (الأعراف : 189)، هذا السكن معناه استقرار الشعور والسلوك واطمئنان المرء إلى أنه مع شخص يزيد به ويستريح معه، ويهدأ في كنفه عند القلق، ويلتمس البشاشة معه عند الضيق.. قال تعالى : (ومن آىاته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجا لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة، إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون} (الروم : 20)
ولكن بناء البيوت على هذه الحقيقة الروحية يحتاج إلى كثير من التثقيف والتأديب، أو بالتعبير الصحيح يحتاج إلى الخلق والدين، ويحتاج إلى تربية أصيلة مدروسة واضحة المعالم، وفق منهاج تكويني تراعى فيه معطيات العصر، ويستشرف مضمونه آفاق المستقبل..
في هذه الحلقات سنعرض بحول الله تعالى لبعض الأوراق المتعلقة بالتربية داخل الأسرة كما أننا سنكون علي موعد مع معالم المنهاج التربوي في الأسرة.. عساها أن تصبح هاجسا يوميا للمسلم تدفعه للاهتمام بأسرته وتربية أبنائه!.
وقد اخترنا لهذه السلسلة شعارا هو قوله تعالى في سورة التحريم : {ياأىها الذين آمنوا قوا أنفسكم وأهليكم نارا} (الآية6)
والهدف من هذه الأوراق ليس هو أن تكون قائمة بذاتها وإنما مفتاحا لمناقشة أوسع وبحث أعمق في مجال قل من يكتب فيه ويهتم به بالشكل الذي يوصل إلى نتائج ملموسة بعيدة عن الكلام المستهلك للأوقات والمكلف للجهود..
والله أسال أن ينفع بها وأن تكون فاتحة خير لمناقشة رصينة وهادفة إن شاء الله تعالى .
يتبع….