تتزاحم الأحداث المؤلمة على هذه الأمة، ويتفاعل معها قلب المؤمن، ويتألم لواقع الأمة، ويتحسر على مصيرها، ويكاد أن ييأس أو يقنط لولا نهي الله عن اليأس من رحمته والقنوط منها، ولولا وعده تعالى بعباده المؤمنين بالنصر والتمكين.
ومن بشائر النصر انتفاضة الأقصى المباركة، التي برهنت للعالم أجمع أن ضمير هذه الأمة مازال حيا ومازال قلبها متعلقا بالله تعالى، متى وُجِدَ من يحْمله على العمل والنهوض، كما أكدت الانتفاضة أيضا معجزة الرسول التي أكد فيها أن الجهاد باق إلى يوم القيامة، وأن أرض فلسطين هي أرض الرباط والجهاد.
لقد حملت انتفاضة الأقصى الأخيرة مشاهد تعد من البطولات النادرة التي يحق لها أن تدوَّنَ بماء الذهب، وتعلق في أغلى الأمكنة لما تحمله من دروس وعبر ودلالات قَلَّ أن تتكرر في التاريخ.
ولعل أغلى مشهد وأحسنه وأندره، مشهد الوالد الأب البطل محمد الدرة الذي تترس وراء برميل يقيه رصاص العَدُوّ الغاشم، وجعل من نفسه هو الآخر ترساً يقي فلذة كبده البالغ من العمر اثني عشر ربيعاً : مشهد غريب وعجيب والله،، أبٌ أعزَلُ من كل سلاح إلا سلاح الإيمان، ومعه ابنه وأغلى شيء يملكه، والرصاص يتساقط حوله، وإحدى يديه تحاول أن تحفظ ابنه من الإصابة، واليدُ الأخرى تشير إلى العدو.. والابن يقول لأبيه : لا تخف يا أبت.. وتلتقط المشهد وسائل الإعلام، وتبثه شاشات التلفزة في العالم.. وكان الواجب أن تخصص لهذا المشهد ولما ماثله من مشاهد حلقات تلفزيونية تبث على شاشات قنواتنا العربية والاسلامية، ولكن للأسف أصبح إعلامنا غير عربي ولا اسلامي، فطوال الأيام الأولى لهذه الانتفاضة المباركة ظلّت قنواتنا تبث كل ما يميت القلب ويسخط الرب وكأنها تقول لأهْلِ فلسطين >ذوقوا ما كسبت أيديكم<.
لو وقع هذا الحدث لليهود، لعَدُّوهُ لبنة من لبنات محرقتهم المزعومة، ولأقاموا الدنيا ولم يقعدوها، ولتهَافَت العالم وتكالب على نصرتهم، ولكن الضحية عربي مسلم، ولم تبق شهامة عربية ولا بطولات إسلامية، والكل في نوم عميق.
إنها حالة تدمي القلب لا نملك معها إلا أن نرفع أكف الضراعة لأهلنا في فلسطين بأن ينصرهم الله ويثبت أقدامهم ويمكن لهم في أرضهم، ويزلزل الأرض تحت أقدام عدوهم وأن يشتت شملهم في الأرض، وأن يرينا فيهم يوماً أسودا، اللهم آمين.