شهدت رحاب جامعة الأخوين بمدينة إفران المغربية يوم 24 يناير 2000م ميلاد مؤسسة جديدة أطلق عليها “مؤسسة الثقافات الثلاث بحوض الأبيض المتوسط أو بالاسبانية “Fundacion de las tres culturas del Mediterraneo”.
وقد توصل عمداء الجامعات المغربية في أواخر السنة الجامعية الماضية /99 2000 برسالة مرفقة بالنص المنظم لهذه المؤسسة التي يراد منها طبعا أن تكون حلقة أخرى في سلسلة التطبيع العلمي والثقافي والاقتصادي مع الكيان الصهيوني. هذه المؤسسة/الشبة كما جاء في المراسلة من أهدافها المعلنة، إنجاز أعمال مشتركة في ميدان البحث العلمي والأكاديمي سواء في المجال النظري أو التطبيقي بين الأساتذة والباحثين المنتمين للجامعات الإسبانية (الجامعات الأندلسية على الخصوص) والجامعات المغربية والإسرائيلية وكذا الجامعات التابعة للسلطة الفلسطينية. هذه الأعمال تشمل أيضا تبادل الزيارات والخبرات بين هؤلاء الباحثين وكذ الطلبة الباحثين في إطار السلك الثالث والدكتوراه، وذلك على حد تعبير المراسلة من أجل إرساء السلام والاستقرار والتقدم كما جاء في المعاهدة الموقعة خلال الملتقى الأورومتوسطي ببرشلونة في نونبر 1995، والتي صودق عليها في مالطا سنة 1997، هذه المراسلة تحث باقي الجامعات المغربية للانخراط في عملية التطبيع الجامعي المشار إليها آنفا بعد أن انخرطت جامعة الأخوين (افران)، جامعة عبد المالك السعدي (تطوان)، جامعة ابن طفيل (القنيطرة)، جامعة أكادير، بالإضافة طبعا إلى جامعات اسبانية (جامعة اشبيلية، غرناطة، خين، قرطبة) وجامعتي الكيان الصهيوني (تل أبيب وبن غوريون).
يقع النص المنظم لهذه المؤسسة في 16 صفحة ويحتوي على 36 فصلا موضحا أهداف هذه المؤسسة وهيكلتها وقيادتها واللجن الوظيفية وجوانب التدبير المالي. يؤكد الفصل السادس على أن هذه المؤسسة ذات جنسية اسبانية وأن مقرها يوجد في اشبيلية في رواق المملكة المغربية الموجود في المعرض الدولي لسنة 1992، ومن مجالات عمل هذه المؤسسة تبادل المعلومات حول المسائل المتعلقة بحقوق الإنسان ومقاومة الميز العنصري!! كما أن المؤسسة تنوي المساهمة في تأسيس منطقة أوروبية للتبادل الحر في حدود عام 2010م من أجل التكوين والبحث العلمي والتقدم الاقتصادي!!
لقد دأب الكيان الصهيوني على اختراق كل البنيات العربية، سواء تعلق الأمر بالبنيات السياسية أو الاجتماعية أو الاقتصادية وحتى الثقافية. والمغرب لا يشكل بدعا من هذه الدول العربية. وبلدنا الأمين هذا كان دائما محط أطماع اليهود منذ أمد طويل. ولكن رغم كل هذا فإن الجامعات المغربية كانت من القلاع الصامدة ضد التطبيع مع الكيان الغاصب. ولقد شهدت الجامعات المغربية الكثير من محاولات مد الجسور مع الكيان الصهيوني من خلال بعض المعاهدات المحدودة أو بعض الزيارات ذات الطابع العلمي خصوصا في كليات العلوم ومعهد الحسن الثاني للزراعة والبيطرة. بل إننا نجد أن الأساتذة والباحثين كانوا يستنكرون هذا الاختراق العلمي من خلال بيانات الفروع المحلية للنقابة الوطنية للتعليم العالي. فعلى سبيل المثال لا الحصر، استنكر البيان الصادر عن المكتب المحلي لكلية العلوم السملالية بمراكش يوم -4 -1 1996 الزيارة التي قام بها المدعو “JOêl I Cohen” المسؤول عن مشوع “IBS” بهيأة تدعى ISNAR. هذه الزيارة كانت تهدف لتنظيم لقاء “علمي” جهوي بالمغرب بمشاركة الكيان الصهيوني خلال شهر أبريل من نفس السنة. ونذكر أيضا الزيارة التي كانت مبرمجة لشعبة علوم الأسماك بالمعهد الزراعي بالرباط من أحد الإسرائيليين والتي ألغيت فيما بعد بفضل وقوف أساتذة هذا المعهد من خلال نقابتهم، مذكرين أن نقابتهم شاركت في ذلك الظرف في التوقيع على عريضة وطنية للمطالبة بإغلاق مكتب الاتصال الإسرائيلي وكذلك بالمشاركة في المسيرة الشعبية الوطنية المزمع تنظيمها في 7 أكتوبر 1996، تضامنا مع الشعب الفلسطيني والتي دعت إليها الجمعية المغربية لمساندة الكفاح الفلسطيني. طبعا هذه المسيرة التضامنية منعت بقرار من المسؤولين.
وفي الختام نذكر بالموقف المبدئي للشعب المغربي وفي طليعته رجال التعليم أنهم ضد التطبيع مع الكيان الصهيوني. وقد جاء هذا واضحا في مواثيق النقابة الوطنية للتعليم العالي. وقد جاء هذا أيضا في البيان الختامي الصادر عن المؤتمر السابع للنقابة الوطنية للتعليم العالي. ونذكر أيضا أن الدول التي قطعت أشواطا كبيرة في هذا التطبيع “العلمي” مثل مصر لم تجن إلا المصائب والوبال في الميدان الصحي والزراعي. لكن المسؤولين في بلادنا يضربون بعرض الحائط هذه الممانعة. بل إننا نجد أن أهم مكون في حكومة التناوب، أي الحزب العتيد المعارض سابقا، يتعاطى مع الكيان الصهيوني تحت عدة لافتات منها الاشتراكية الأممية إلى غير ذلك ضاربا بعرض الحائط مشاعر المغاربة كافة في وقت تشهد ما يسمى “بعملية السلام” تعثرا شديدا من جراء التعنت الاسرائيلي. إننا نرجو من هؤلاء المطبعين والمهرولين أن يرجعوا عن غيهم ويعوا جيدا الدرس البليغ التي أعطته المقاومة الإسلامية للكيان الصهيوني في جنوب لبنان.