إلى كل المربين : والمربيات رسالة المربي.. حركة في خط النبوة، علم وفن،أبوة وأمومة


نداء العقل : التعليم عبادة

إنّكم في عملكم كمعلمين ومعلمات في عبادة، عملكم صلاة وعبادة، عملكم حركة في خطّ التقوى، لذلك أنتم تستحضرون في أنفسكم كيف تُصلُّون، وكيف تتوضأون، وكيف تغتسلون وكيف تحافظون على اتجاه القبلة، وكيف تدقِّقون في الكلمات التي تَتْلونها ذكراً أو آية، وكيف تركزون انحناءة الركوع وانحناءة السجود.. في الصف أنتم تُصلُّون لله، لا بُدّ أن تتوضأوا قبل أن تدخلوا الصف(القسم)، لا أن تغسلوا وجوهكم وأيديكم وتمسحوا رؤوسكم وأرجلكم، بل أنْ تتوضأ عقولكم وقلوبكم وألسنتكم وأيديكم التي قد تضربون بها الطالب أو الطالبة، لابُدّ أن توازنوا أرجلكم لا لتمسحوا عليها، ولكن لتعرفوا كيف تركزونها في موقع العطاء..

لابُدّ لكم أن تدققوا من موقع المسؤولية في كلّ المعلومات التي تعطونها لأطفالكم كي تكون صحيحة، لا أن تكون فاسدة، أن تكون صواباً لا أن تكون خطأ..

تقوى الدرس

قبل أن تأتوا إلى الصف، لابدّ أن تعيشوا تقوى الدرس، أن تراقبوا الله، أن تُحسنوا أسلوب العطاء، فالمفتّش إذا لم يكن يراقب عطاءكم، فإن الله يراقب عطاءكم قبل المفتّش والمفتشين {ما يَكُونُ من نَجْوَى ثلاَثَةٍ إلا هو رَابِعُهُم، ولا خَمْسَةٍ إلا هُوَ سَادِسُهم ولا أدنَى من ذلِكَ ولا أَكْثَرَ إلا هُو مَعَهُمْ}(المجادلة : 8)، ويقول سبحانه : {يعلمُ خَائِنَة الأعْيُن وما تُخْفي الصّدُور}(غافر : 19).

فتقوى الدرس أن ينطلق المعلم به وهو يتقنه جيداً، قبل أن يطلب من الطلاب أن يتقنوه، فالخطأ في الفكرة يعني أنّكم تُربّون عقولاً على الخطأ، وتُربُّون طلاباً على الخطأ وأنتم تعرفون أن البداية عندما تكون خطأ، فإن الخطأ يُمثل الخط الذي سوف يحكم حياة هذا الإنسان، وبذلك فإنّكم تتحملُّون كل أخطائه، عندما تكونون أوّل منْ بذَرَ بذرةَ الخطأ في عقلِ هذا الإنسان.

لذلك، راقبوا الله في عملكم، راقبوا الله في التزامكم بالوظيفة، في الوقت، في أداء الدرس، في الانضباط التربويّ والتعليميّ والتوجيهي.. إنّكم قد تدخلون الجنة بعملكم هذا عندما تخلصون فيه، لأنّكم تأخذون شيئاً من دور الأنبياء، لأنّ الأنبياء جاؤوا ليعلّموا الناس الكتاب والحكمة، وأنتم عندما تبدأون طريقكم في خلق أرضية العلم والحكمة في عقل هذا التلميذ وقلبه، فأنتم تمهّدون الأرض للأنبياء ولرسالات الأنبياء، ولذلك فإنّ في المعلم شيئاً من عمق النبوة.. ليس نبياً يُوحى إليه، ولكنه يتحرّك في خط النبوات، وذلك شرفُ كبير.. إنّه أعظم من أن يرتفع الإنسان درجة فيما هي الدرجات القانونية التي يكتسبها، إنّه يرتفع إلى الله، يحصل على محبة الله، ينطلق إلى مواقع القرب منه سبحانه، يتحسّس رضوان الله في قلبه، وتلك هي السعادة كلّ السعادة.

عندمايحصل الإنسان على الاطمئنان الروحي، بأن الله راضٍ عنه، وأنّه أدّى ما عليه لله، فإنّه يسمع الهمسة الروحية الحلوة اللذيذة تهمس في آذان كلّ الناس المؤمنين المنفتحين السائرين في رضى الله {يا أيّّتُها النّفْسُ المُطْمَئِنَّة}(الفجر : 27) المطمئنة بروحيتها، المطمئنة بقيامها بمسؤوليتها، المطمئنة باستقامتها، المطمئنة بحبّها لربها، وبخوفها منه.. فتعيش كلّ هذه السكينة الروحية لأنها عاشت الأمن مع الله، ولم تعش أيّ حرب معه {إرْجِعِي إلى ربِّّكِ رَاضِيَةً مرْضِيّّة}(الفجر : 28) راضية بعطاء الله، مرضية عند الله بعملها، ثم {فَادّخُلِي في عِبَادِي}(الفجر : 29) في فريق الله {وادْخُلِي جَنَّتِي}(الفجر : 30).

انطلاق الروح وجمود الوظيفة

لعلّ مشكلتنا نحن الذين نقول عن أنفسنا بأننا مؤمنون، أنّنا نفكّر بالله قليلاً.. لعلّ مشكلتنا أنّ دور الله عندنا، هو دورٌ وظيفي رسمي، فالله تعالىلا يعيشُ إشراقةً في عقولنا، بحيث نحرّك عقولنا تحت رعايته تعالى، لتسير عقولنا في الخط المستقيم.. الله لا يعيش في قلوبنا ليشرق عليها كي تستقيم عواطفنا، فلا تنحرف، لنحبّ عدوّاً لله، ولنبغض وليّاً لله.. والله لا يعيش في بيوتنا وفي نوادينا وساحاتنا.. بل هناك الشيطان يفترسُ العقل والقلب والحياة في كثير من الحالات.

ولذلك نحتاج دائماً إلى أن نستذكر الله، لا كلمةً في اللسان، ولكنّ وعياً في العقل، ونَبْضةً في القلب، وحركةً في الواقع. أن يكون رضى الله هو كلّ شيء، أن يكون رضى الله هو الهدف، وهو الحياة وهو الحركة، وهو الاحساس والعقل والقلب، لأنّ الله هو الذي يبقى لنا.. لن يبقى لنا آباؤنا ولا أمهاتنا ولا أولادنا، ولا الناسُ من حولنا، ولكننا سنلتقي الله وحدنا {وكُلُّهم آتِيه يَوْمَ القِيامةِ فَرْداً}(مريم : 95).

صلاة العلم

انفتحوا على الله، وليكن الصف محراباً، ولتكن المدرسة مسجداً.. محراباً للعمل تحت رعاية الله، نُصلّي فيه صلاة العلم نعطيها للآخرين، ونتصدّق فيه صدقة العلم نعطيها للآخرين، ومسجداً نتطهّر فيه من كلّ نقاط الضعف التي تُسْقِطُ إنسانيتنا.

وأنا أضمن لكم، أنّكم إذا وضعتم الله في حساباتكم، وأنتم تعملون فستشعرون بالرضى والطمأنينة والسكينة والسعادة الروحية، حتى لو زحفت الآلام إلى كل عَصَب من أعصاب أجسادكم، ولو واجهتم كثيراً من المشاكل.

فالإنسان عندما يُحدّق بالنّاس وبالزوايا، تضيق عليه الدنيا، ولكنّه عندما يرفعُ رأسه، رأسَ عقلِه وقلبه إلى الله تُشرق عليه كلّ الشموس، وكلّ الأقمار، وكلّ مجالات السعادة.

نظرة الرحمة : كما التعليم رسالة للمعلم هو أبوة وأمومة للتلميذ

.. قبل أن تدخلوا أي صفٍ في أيّ مدرسة، ادرسوا ما معنى حركة الأبوّة التي تعيشونها تجاه أبنائكم في البيت، ومعنى حركة الأمومة التي تعِشْنها تجاه أبنائكنّ في البيت.. هل تتحرّك أبوّتكم وأمومتكم عشوائياً؟ هل تمنعون أية نبْضة قلب، وأية انطلاقة في العقل، وأيّ انفتاح في الشعور، وأي جهد؟ هل تمنعونه عن أبنائكم؟ أو أنكم تحاولون أن تضاعفوا ذلك كله من أجل أن تُعطوا كلّكم لهذا البرعم الذي يتفتّح، لينطلق، ليتنفّس، وليمتصّ النورَ القادم من الشمس؟

عندما تنظرون إلى تلامذتكم، انظروا أمامكم أبناءً في الروح.. لذلك لابُدّ أن تعيشوا الأمومة والأبوة مع تلامذتكم، بنفس القوة التي تعيشون فيها مع أبنائكم في الجسد، وذلك بكلّ العقل والعاطفة، بكل الإحساس والجهد، لأن ّ أية حركة تثقيفية توجيهية تربويّة، إذا لم تُغّسَل بالعاطفة والإحساس، فإنّها لا تملك أن تتعمّق في داخل الإنسان الآخر.

وتبقى إنسانيتُنا تبحث عن قلب يحتضنُها بالعاطفة، وتبحث عن عقلٍ يضمّها إليه ولا يُطلق الأفكار إليها بكشلٍ تلقائي.. تبقى إنسانيتُنا ضامنة لكل ينابيع الإحساس والشعور التي تعيش داخلنا.. علمٌ بلا قلب هو حجر، هو حديد.. وعندما يكون العلم مغسولاً بكلّ مزيج القلب يعرف طريقَه إلى العقل ليُغنيه بالفكر، وطريقُه إلى القلب يُحوّل الفكر إلى إيمان.

هناك فرق بين أن نفكر وبين أن نؤمن.. التفكير معادلة، أما الإيمان فهو نَبْضَةُ قلب واحساس وشعور، يُحوّل الفكر إلى حالة في الروح كجزء من الروح، لذلك لن يكون الفكر إيماناً إلاّ إذا انطلق الإحساس مع الفكر ليفتح له الطريق إلى القلب…

لابُدّ أن نعيش روحية الأبوة والأمومة مع تلاميذنا، حتى نندمج فيهم، ويندمجوا فينا، لاشكّ أنكم رأيتم أطفالكم عندما يشعرون بالخوف، كيف يلجأون إلى أحضانكم، أو عندما يشعرون بالألم كيف يأتون إليكم ليحصلوا على ضمّةٍ عاطفية أبوية أو أموميّة لتخفّف عنهم ذلك الألم وذلك الخوف.. أطفالكم أحلامكم في الحياة، لأنّ الإنسان عندما يصبح أباً أو أمّا يشعرُ بأن ذاته انتهت لتذوب في ذات أولاده.. لاشك أنّ من الصعب أن تختزنوا ذلك كلّه في تلاميذكم، ولكن، عندما يعيش الإنسان روحية المسؤولية، ويتطلع إلى عيون الأطفال الحائرة التي تحدِّقُ فيه بخوف أو بحنان أو بوداعة أو برغبة، لا يعود ينظر إلى تلاميذه في الصف من خلال ضجيجهم، أو من خلال >شيطنتهم<، بل إنّه يُحدّق في عيون الأطفال ليجدَ فيها الوداعة كلّ الوداعة، والصفاء كُلّ الصفاء، والبراءة كل البراءة..

وبذلك يدخلون في قلوبكم من خلال عيونهم، لا تنظروا إلى حركاتهم كيف تُزعجكم، ولكن انظروا إلى عيونهم كيف تتوسّل إليكم، كيف تحتضنكم، وكيف تتلهّف إليكم.

فالأبوة والأمومة عنوان عملكم لتنجحوا في الدخول إلى عقل هذا التلميذ الذي لم ينفتح عقله حتى الآن، ومسؤوليتكم أن تفتحوه، ولتنجحوا في الدخول إلى قلبه الذي لم ينفتح حتى الآن، ومسؤوليتكم أن تفتحوه، ولتنجحوا في الدخول إلى حياته، لتخطّطوا له الطريق الذي يؤدي به إلى السعادة.

براعة التوجيه

حاولوا ألاّ تجعلوا اليأس يدبّ إلى قلوب هؤلاء التلاميذ.. إذا فشلوا حدّثوهم عن النجاح، ولا تعمّقوا في أنفسهم الحديث عن الفشل.. ربما يكون من الضروري أن تحدّثوهم عن الفشل في طريق النجاح، لا أن تحدّثوهم عن الفشل لتسقطوهم.. عندما يفشل الطفل يسقط، لذلك لا بُدّ أن تعينوه على الوقوف.. الكبار عندما يفشلون قد يأخذون من تجاربهم شيئاً، يُوحي إليهم بأنّ الفشل تجربة، وأن ّ التجربة عندما تفشل لا تعني فشل الفكرة.. ولكنّ الطفل لا يملك تجربة، أعطوه تجربتكم، لا تسخروا من آلامه، ولا من أخطائه، لا تستهزؤا ببعض ملامح السذاجة فيه..

مَنْ كان لديه مزاج حاد عليه أن يضعه في الخزانة قبل أن يأتي إلى المدرسة، ليصنع المعلم لنفسه مزاجاً رقيقاً.. مَنْ كانت لديه عقدة في بيته، أو زوجة تعيش عقدة مع زوجها، أو زوج يعيش عقدة مع زوجته، أو إنسان يعيش عقدة مع أهله.. فليترك ذلك في البيت..لا تنقلوا عقدكم النفسية إلى الصف، خبئوها في بيوتكم، جمّدوها في نفوسكم، وانطلقوا من دون عقدة، بقلوبٍ مفتوحة، ومزاج منفتح على الإنسان الآخر من موقع المسؤولية.

إبداع الذات

إنّ عملكم علمٌ وفنٌ، من هنا انطلقوا لتُتْقِنُوا ما تعلّمتم ولتراجعوا ما تعلّمتم.. لا تتجمّدوا حول ما درستموه لتستظهروه كي تعلّموه.. ليكن علمكم الذي تعلمتموه جزءاً من ذاتكم، حاولوا أن تفتشوا عن الجديد في كلّ يوم.. ربما درستم مناهجَ التربية، ولكننا نعرف أنّ هذه المناهج تتطوّر، فلاحقوا في قراءاتكم كُلّ ما يُمكن أن تنطلق فيه العقول في تطوير مناهج التربية ثم ادرسوا وانقدوا أساليبكم.. إذا أعطيتم درساً، ورأيتم أنّ الطلاب لم يفهموه لا تتهموا الطلاب بالغباء،  فربما يكون أسلوبُكم غبياً وأنتم أذكياء، لأنّ مشكلة الكثيرين من الأذكياء أنّهم لا يستعملون ذكاءهم.. من هنا فنحن نجد الكثير من الأغبياء ينجحون، وكثيراً من الأذكياء يسقطون، لأنّ الذكي يعتمد على ذكائه، فلا يحفظ ولا يدرس ولا يتعمّق، ولذلك عندما يأتي إلى الامتحان يشعرُ بأنه لا يملك أية إمكانات.. ولكنّ الغبيّ يحاول أن يصنع لنفسه ذكاءً جديداً.

وفي كثير من الحالات قد ينجح الممثل بما لا ينجح به البطل الحقيقي، لأنّ البطل قد تنفتح بطولته في نفسه، فيفقد حركة البطولة في حياته، وقد ينطلق الممثل ليتقمّص شخصية البطل فتتحول إلى طبيعة فيه، وكثيراً ما يغلب التطبع الطبع.

اترك تعليقا :

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

يمكنك استخدام أكواد HTML والخصائص التالية: <a href="" title=""> <abbr title=""> <acronym title=""> <b> <blockquote cite=""> <cite> <code> <del datetime=""> <em> <i> <q cite=""> <strike> <strong>