مع الصادقين : أسماء بنت يزيد بن السكن مـجــاهـدة بـطـلـة


إن الجهاد يلزم الرجال أولا، ولا تلتجئ المرأة إلى الاشتراك الفعلي والمباشر في المعركة، إلا إذا احتاج الموقف ذلك أو تطلبت المعركة جهد البناء، فحينئذ تخرج المرأة إلى الجهاد دون إذن زوجها أو أبيها، لأن الزحف عام، والحاجة تتطلب كل الجهود بلا إبطاء.

وقد عرف الإسلام نماذج رائعة من النساء المسلمات اللاتي خرجن مع أشقائهن عند اللزوم، يقاتلن ويجاهدن، في شجاعة وإقدام.

وهذا نموذج حي من التاريخ الإسلامي المتمثل في الصحابية الجليلة المجاهدة البطلة “أسماء بنت يزيد بن السكن” فمن هي هذه  الصحابية الجليلة؟

1- نسبها :

هي أم عامر أسماء بنت يزيد بن السكن بن رافع بن امرئ القيس الأوسية الأشهلية الأنصارية بنت عم معاذ بن جبل رضي الله عنهما.

2- مبايعتها للنبي  :

وفدت “أسماء بنت يزيد بن السكن” على رسول الله  في السنة الأولى للهجرة، وبايعته بيعة الإسلام، وكان النبي  يبايع النساء بالآية الواردة في سورة الممتحنة، وهي قوله تعالى : {يا أَيُّهَا النَّبِيء إِذَا جَاءَكَ المُومِنَاتُ يُبَايِعْنَكَ عَلَى أنْ لاَ يُشْرِكْنَ باللَّهِ شَيْئاً ، ولا يَسْرِقْنَ ولا يَزْنِينَ ولا يَقْتُلْن أولاََدَهُنّ، ولا يأْتِينَ ببُهْتَانٍ يَفْتَرِينَهُ بَيْنَ أَيْدِيهِنَّ وأرْجُلِهِنَّ ولا يَعْصِينَكَ في مَعْرُوفٍ فَبايِعْهُنَّ واسْتَغْفِرْ لَهُنّ اللَّه، إنّ اللَّه غَفور رحيم}.

ولذلك قالت أسماء : بايعنا رسول الله  فأخذ علينا {ألا يشركن بالله شيئاً..}الآية.

وكانت مبايعتها في صدق وإخلاص، حتى تروي السيرة العطرة أن أسماء كانت تضع حينئذ في يديها سِوَارين كبيرين من ذهب، فقال لها النبي  : ألقي السوارين يا أسماء، أما تخافين أن يسورك الله بأساور من نار؟ فسارعت أسماء -دون تردد أو جدال- فنزعتهما وألقتهما أمام رسول الله .

3- نيابتها عن نساء المسلمين في مخاطبة الرسول  :

كانت أسماء قوية الشخصية حيث يقول عنها ابن عبد البر في كتابه الاستيعاب “كانت من ذوات العقل والدين”. وهي التي كانت تنوب عن نساء المسلمين في مخاطبة الرسول  فيما يتعلق بهن، فقد أتته ذات مرة فقالت له :

>يا رسول الله إني رسول مَن ورائي من جماعة نساء المسلمين كلهن يقلن بقولي، وهن على مثل رأيي، إن الله بعثك إلى الرجال والنساء، فآمنا بك واتبعناك، ونحن معشر النساء مقصورات مخدرات، قواعد بيوت، ومواضع شهوات الرجال، وحاملات أولادهم، وإن الرجال فضلوا بالجُمعات وشهود الجنائز والجهاد، وإذا خرجوا للجهاد حفظنا لهم أموالهم وربينا أولادهم، أفنشاركهم في الأجر يا رسول الله؟<

فالتفت رسول الله  إلى أصحابه فقال : هل سمعتم مقالة امرأة أحسن سؤالاً عن دينها من هذه؟

فقالوا : بلى يا رسول الله.

فقال رسول الله  : انصرفي يا أسماء وأعْلِمي مَنْ وراءك من النساء أن حسن تبعل إحداكن لزوجها (أي حسن المصاحبة في الحياة الزوجية والمعاشرة)، وطلبها لمرضاته، واتباعها لموافقته، يعدل كل ماذكرت للرجال<.

فانصرفت أسماء وهي تهلل وتكبر استبشاراً بما قال رسول الله .

4- مشاركتها في الجهاد :

كانت أسماء تطوي في صدرها التطلع إلى المشاركة في الجهاد، ولكن الظرف لم يكن حينئذ يتطلب ذلك، ومضت الأيام والأعوام، وأقبلت السنة الثالثة عشرة للهجرة، وأقبلت معها معركة “اليرموك” وهي المعركة العصيبة الشديدة، التي دارت رحاها على أرض العرب المغتصبة، وفيها أعطى المسلمون أعداءهم الروم درساً لم ينسوه أبداً.

وفي هذه المعركة شاركت المرأة المسلمة بنصيب كبير في الجهاد، وكانت أسماء من بين المشاركات مع أخوات لها وشقيقات، تبذل كل جهدها فتناول السلاح، وتسقي الماء، وتضمد الجراح، وتشد من عزائم المجاهدين ولكن الموقف يشتد والمعركة تتأزم والحرب تتصاعد والعدو يتبجح، وحينئذ نسيت أسماء بنت يزيد أنها أنثى، ولم تتذكر إلا أنها مسلمة مؤمنة، تستطيع أن تجاهد بما في وسعها وطاقتها، ولم تجد أمامها إلا عمود خيمة، فحملته، وانغمرت به في الصفوف، وأخذت تضرب به أعداء الله ورسوله ذات اليمين وذات الشمال، حتى قتلت تسعة رجال من الأعداء، كما تحكي ذلك المصادر التاريخية.

وخرجت أسماء من المعركة سالمة، وإن أصابتها جراح، وشاء لها القدر الحكيم أن تظل على قيد الحياة بعد ذلك سبعة عشر عاماً، ولم تمت إلا في حدود السنة الثلاثين من الهجرة.

فرضي الله تعالى عنها وعن سائر المؤمنات المجاهدات.

اترك تعليقا :

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

يمكنك استخدام أكواد HTML والخصائص التالية: <a href="" title=""> <abbr title=""> <acronym title=""> <b> <blockquote cite=""> <cite> <code> <del datetime=""> <em> <i> <q cite=""> <strike> <strong>