الأكل من مأدبة الشيطان : في رواية (لْخْمَاجْ)(ü) لصاحبها : (المسخ القَنْطُورِي)(ü)


على هامش صدور رواية “وليمة لأعشاب البحر” لصاحبها حيدر حيدر، صدرت ردود فعل عديدة في مصر وخارجها لأن الرواية تضمنت مساساً بالذات الإلهية والمقدسات الإسلامية ونشراً للعهر والخلاعة، وكان من ضحايا ذلك كله تجميد حزب العمل أهم حزب في المعارضة المصرية وتوقيف جريدته “الشعب” التي كشفت ما ورد في الرواية وغيرها من الكتب والروايات التي نشرتها وزارة الثقافة المصرية.

وقد وصلت أصداء ذلك إلى المغرب فكتبت ذ. أمينة المريني هذا المقال :

هذه رواية -شرف الله قدرَكم- كنيتُ عن صاحبها وعنوانها لأنهما غيرُ محتاجين إلى تعريف، فهما أشهر من مزبلة بعَطَنِها أو ماخورٍ بعواهره، يؤسس كاتبها لفضائه على طول الرواية وعرضها بوقاحة مَنْ تأخذه العزةُ بالإثم فيخبرُ على لسان البطل (…) بأنه لا أخلاقي (72ص)، وبأنهملحد (ص 280)، وبأنه دفن النقاء والعفة والوضوء في رمال الصحراء و(بَالَ) عليها (ص 284).

وهكذا يؤثث عالمَها بديكورات النتن والعطن والقذارة ليُفضِيَ بالقراء البسطاء إلى عالم مجنون من السكارى والشواذ والمنحرفين واللواطيين، وكانت فعلا مأدبةً اللئام، خرجتُ منها بعد القراءة وكأنني أفْلَتُ -بضربة حظ- من جزيرة الشيطان وفي أحنائي أشجان وفي روحي -والحمد لله- فضل من قوة إيمان وعلى شفتي دعاء حار إلى الرحمان : >اللهم أهلِكْ من عاداكَ ووَالِ من والاك.. يا أرحَم الراحمين<.

ويبدو أن الرواية قد انبثقت في ليالٍ كان كاتبها (الفنان!) (نهبَ هواجسَ وأشباح انتابته بين الحلم واليقظة وهو مُوغِلٌ في تُرَّهاتِ عوالمه المجنحةِ مُغَرْغِراً بهزائم صنائعه من القردة والخنازير، مَطِيَّتُهُ قَلَمٌ مصُوغٌ من شهوةٍ الحقد والسادية وعصارةِ الأعشاب السامة، قَلَمٌ يتراءى له في لَوْثته المجنونة العصابية بأن الانتقام هو الخلاص من إحباطاته المتكررة فوق شاشة العقل الملتهب، حيث تتصاعد كراهيته للمقدسات على شكل أبخرة سوداء تتشكل لترسم بناءً روائيا عنكبوتيا يضرى بالسم.. هكذا صوَّرَ له عقلُه المتوهج بالجنس والرَّوْث والانتحار والاحتقار والعصاب أن يقيم مستعمَرةً عقابٍ شيوعيةً مكهربةً يضع داخلها كل من (ارتبط بالدين والله والأخلاق والجنة وأُولِي الأمر والوالدَيْن والأسرة القائمة على الزواج المبارك بالشرع)(ص  192).

والرواية (المرثية) تصوير جنائزي وندْبٌ لفُلُولِ الشيوعيَّة المهزومة في بعض حقب تواريخها تتخلله سمفونية (الموت)، وللهزيمة مرارة وغصة في حلق المهزوم لأنه كان يحلم بأن يغير التاريخ كما غَيَّرَهُ -وهْماً- كاسترو وغيفارا في أمريكا اللاتينية (ص 208) كما كان مسحورا بتشييد الهيكل الشيوعي في القرن العشرين (ص 206)، وبأن يقيم يوتوبيا الشيوعية وجناتِها الخضراء (ص 219)، وكان يرى -فُقِئَتْ عيناه- في ماركس (اليهودي) ولينين محمدا جديدا (ص 51)، وبسبب هذه الهزيمة حذا حَذْو مستأجريه اليهود حينما صوروا محارِقَهُمْ الهيتليرية تصويرا مأساويا استدرارا لعطف الدول والشعوب. ولهذه الهزيمة أيضا شَحَذ كلُّ آلياتِ الانتقام، يَجُرُّ خيبةً مَقيتةً ويستميت في التنفيس عن شحنات حقده وكربه لينفُثَ سموما تُلوِّث الهواء لعل الأصحاب يعْتَلُّون.. أو لعله يُشفِي ورَماً سرطانيا صَدِئاً مزمنا أوْرَثَهُ حالاتِ مَسٍّ وهوس وسُعَار ودفعه لأن يَطَالَ بلسانه القَذِر الذاتَ الإلهيَّةَ والقرآن ونبينا محمدا ، وكلّّ َالمقدسات والرموز الدينية، فأتى على الأخضر واليابس، ولم يسلم من هجَمَاتِه الديناصورية الحاقدة حتى الثوارُ والمناضلون والقوميون والمثقفون والقادة والآباء الروحيون ونخبة الشعب طليعة الأمة (ص 114) كل ذلك ثأرا لمن اعتبرهم (شهداء!) من الشيوعيين (ص 46).

وهكذا وجدناه يشن حربا شعواء علانية على من خلقه ورزقه وسخره في الأرض، فإذا هو خصيم مبين، كما فعل بعض طواغيت الأزمان الغابرة.. ونسي أنه ضعيف كَلٌّ على مولاه، لا يقدر على شيء، وأن خلاياه التي رُكِّبَ منها لا حولَ لها ولا قوةَ، ولا معرفة لها بخصائصِها وخصائص ما تدخل فيه لولا قول الحي القيوم ذي الطول والمن (كُنْ) لتكون.

فالله تعالى وتنزه بذاته وصفاته عما يصفه به (المسخ القنطوري) فنان فاشل (ص 121)، والله ينسى لتراكم مشاغله (ص 143) وقد أقام مملكته الوهمية في فراغ السماوات (ص 234)، ويذكر في موضع آخر بأن الله كان في تلك الأزمنة يزحف وهو ينْسَكُّ من عصور الرمل والشمس ببطء السلحفاة (ص 89). ويمضي به جحودُه وقلةُ حيائه ورعونتُه إلى أن يتوهم -وهو الضعيف- بأنه امتلك الزَّمَنَ لحظَةً جلس على عرش الله (ص 119) ولله نساء وجراثيم.. أما الدين الحنيف فهو لا يعدو أن يكون تعازِيمَ خرافية، وتعاليمُ القرآن الذي لا يمسه إلا المطهرون (خَرَاء) (ص 73) (لعنة الله عليه). والله والشيطان متساويان يقومان بمهمة واحدة حينما يفتحان ثغرة النجاة (ص 214) أو يُصيبان بمصيبة (ص 220)، ويمضي إلى القرآن فيحرفه عمدا لعله يوهم القراء -السذج- بصحة الآية وصحة نسبتها ففي (ص 56) قال ما نصه : >قال تعالى : إنّا خَلقناكم فوق بعض درجات< والحقيقة أنها ليست آية قرآنية ولم تَرِدْ بهذا النص أبداً في كل الآيات التي وردت فيها كلمة (درجات) في أربعة عشر موضعا حسب المعجم المفهرس لألفاظ القرآن الكريم. كما ينسب إلى القرآن ما ليس قرآنا يقول في (ص 83) : >يقول تعالى : إذا ابتيلتم بالمعاصي فاستتروا< ومعلوم أن لفظة المعاصي لم تَرِدْ في القرآن إلا بالإفراد في موضعين اثنين وبغير هذا المعنى. وفي (ص 176) يقول : >إن لجسدك عليك حقا. صدق الله العظيم< وهو تحريفٌ ظاهر لحديث نبوي مشهور. أما النبي الكريم صلوات الله عليه فقد افترى عليه باتخاذ الخليلات (ص 83) واعتبر رسالته ثورةً أشبة بانتفاضة الزنج والقرامطة (ص 50) كما أنكر معراجه في (ص 22) واستهزأ بجملة من مجزاته كمعجزة شق القلب (ص 228- 224- 230).

والعاهرة (….) التي كانت من قبل مناضلة فاشلة وهي إحدى بطلات مأدبته الشيطانية تمتلك جنة عدن الأرضية وتطهر فيها الشهداء (ص 101) كما تُطْعِم زوارها المن والسلوى مِنْ (…).

هذه بعض أطباقه الرئيسية الشيطانية القدرة، أما سَلَطاتُه المسمومة فهي دعوة إلى شرب الخمر وإلى الشذوذ (ص 259- 260) وتصوير لأوضاع جنسية شاذة (ص 35- 72- 100- 108- 113- 114- 118- 249- 250- 256) بل يدعي بأنه يمتلك الشفاعة للفاعل يوم القيامة (ص 259)، ويتحين الفرص ليذكر الشيء بوصفه وباسمه مُسْتغبِياً القارئ، فكان بذلك صاحب مأخور أدبي -إن جاز التعبير- أو رائدا من رواد أو كار البورنوبامتياز إنها حرية قلة الأدب، أو أدب الحرية!!. وهو نفسه الأدب الذي دعا من خلاله إلى تكسير قيود الذكورة جاعلا الأولياء في الأسرة من أب وزوج وأخٍ مجرد مستضعفين لاحقً لهم في الولاية على ذواتِ الرحم، وإلا اتهموا بممارسة العنف عليهن. ولا غرابة في أن تصدر هذه الدعوة المنكَرة من (المسخ القنطوري) لأننا نجده في الرواية مسكونا بها جس الثورة على خالق الكون ونواميسه ومنها نظام الأسرة، والزواج المقدس القائم على الشرع (ص 192) وهو ببساطة مادام يُعادي ربَّهُ فلا عجب أن يعادِيَ شريعَتَهُ الربانية ليصرح على لسان البطل (تعاليم القرآن خراء ص 73) (الحرية الحرية.. هذا هو ربي) (ص 300).

أما المرأة التي رفع من أجلها شعار التحرر الاقتصادي من أجل حرية أشمل، لأنها -حسب رأيه- أسيرة الجهل والأسرة الأبوية ومجتمع الذكورة والله (ص 53)!! فإنه استعبدها من جانب آخر أبشع استعباد حينما جعل أغلب بطلاته من العواهر والمنحرفات والسكيرات. واسْتغل جسدها استغلالا فاحشا فصورها في أوضاع مخجلة (ص 114- 250- 277) وبذلك حررها من عبودية ليوقعها في عبودية أفظع فتحول إلى نخاس يحكم قيود الرِّقٍّ حول فرائسه. إنها الحرية التي يبشر بها (المسخ القنطوري) أحد سلالة القردة والخنازير حرية المشاعة الجنسية. ولتحقيق ذلك -كما يرى- لابد من تحطيم قانون الله والأسرة والزواج المبارك.. ولا يخجل من ذلك لأنه يعلن أن الحرية ربه (ص 300) في كون لا يُتقن فيه إلا التسبيحَ للجسد (ص 143).

وبعد، فهذا قطر من فيض، وعرض سريع لبعض ما زخرت به أطباق المسخ القنطوري في المأدبة المزبلة، مكوناتُها نباتات من (عصارة الشوكيات والخبازيات والنَّفْلِ البري والحمّاضيات والقَتاد واللُّوَيْفة.، والصبار الوحشي، والأكّال الحرشفي، والقَرَّاص والزقوم والحلبلوب السام)(ص 225). فمن شاء أن يتطفل عليها فإنه لابد طاعم من مأدبة الشيطان، ومن شاء أن يدافع عنها وعن طباخها القنطوري -كما فعل بعض المتنورين من أبناء جلدتنا- فإنه لاشك يُعْلِنُ معه الحربَ على الله جهرا، ولا جناح على من يناصره آنذاك في أن يدافع عن مُتَبَجِّحٍ بعُرْيِهٍ تحت الأعين في واضحة النهار، مما لا يقبله لا الخُلُق ولا الفطرة ولا الذوق السليم فبالأحرى من يُسمَّى مسلما، غير أن الله متم نوره ولو كره الكافرون.

وأخيرا فهذه قُمَامَةٌ شاء الله لرائحتها أن تفوح بفعل تركيبتها النتنة، وليس لجمالٍ في عناصرها ومن بعض مظاهر انتشارها السلبي أن طلبة الأزهر الشريف بمصر قد قادوا في الآونة الآخيرة مظاهرات تندد بوزارة ثقافتهم التي عملت على نشر هذه المزبلة بقصد تلويث الجو، والحقيقة أنها إرادة الله من أجل اختبار قوة إيمان الصابرين والصامدين والمرابطين في وجه فلول الملحدين وليلقن درسا للأعداء خلاصتُهُ أن صفوف المسلمين متراصة كالبنيان المرصوص والويل لمن يعلم على شكلها أو زعزعتها.. غيرَ أن النفايات دوما إلى اندثار، مهما طَبَّلَ المطبلون ورقص الراقصون من سدنة الثقافة الداعرة وحجابها. ومهما نال (المسخ القنطوري) من الشارات المحسوبة لينتسب إلى الأدب الإنساني، ومهما رُصِّفَتْ له الطرق للجوائز المهموزة كي يصبح علَماً على صفحات الملاحق.. ومهما نَبَحَتْ وراءه الأبواق الرخيصة وتلقفته عيون الكاميرات الجشعة، واحتضنته النوادي والجمعيات “العظمى” باسم حقوق الإنسان، لأن الحق يبقى حقا وإن دُحِضَ بالباطل ولأن النورَ غالب الظلمة بإذن الله، ولأن الزَّبَدَ يذهب جفاء ولا يبقى إلا ما ينْفع.. ذلك وعد الله، ومن أصدق من الله قيلا.

———-

(ü)(ü) لفظان وصم بهم الكاتب الشرفاء في روايته ويبدو أنه أوْلَى بهما من غيره.

اترك تعليقا :

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

يمكنك استخدام أكواد HTML والخصائص التالية: <a href="" title=""> <abbr title=""> <acronym title=""> <b> <blockquote cite=""> <cite> <code> <del datetime=""> <em> <i> <q cite=""> <strike> <strong>