الموتُ حق، وهو نهاية كل حي، والسعيد من مات على ملة الإسلام، ولا يَمُوتَنَّ على ملة الإسلام إلا من عاش حياته ملتزما بالإسلام طاعة وسلوكا ومحبة لرب الإسلام، ونبي الإسلام، ودعوة لدين الإسلام، وقد عاشرناك يا أخانا >أحمد< مدة طويلة، فلم نعرف عنك إلا الصدق في الالتزام بدين الله تعالى، والتفاني في الدّعوة إليه وتحْبِيبِ الله تعالى للناس ليهتدوا ويلتزموا بحُدُودِهِ، ويعتصموا بحَبْلِه، ويتحابُّوا فيه، ويتآخوا على محبة الله تعالى ومحبة رسوله .
لم تكن يا أخانا تحمل شهادات لا دُنْيا ولا عُلْيا من الشهادات الوَرَقيّة التي يتباهى بها الكثير من المغرورين، ولكنك كنت تحمِل شهادة الدّعوة لدين الله بفضل ما حباك الله تعالى به من حفظ لكتاب الله عز وجل وحُسْن تجويد وترتيل له، وحُسْن فهْم لمقاصِدِه الكبرى بدون تقعّر أو تَفَيْقُه أو تعقيد، فكنت لا تحضر جلسة إلا زيَّنْتَها بالتلاوة، وعَطَّرتَها بالمواعظ البليغة، ثم حَثَثْت غيرك على إلقاء المواعظ والتذاكر في الله للّهِ، حتى لا تمر اللقاءات أو الجلسات فيما يُلْهِي عن ذكر الله تعالى، سواء في المساجد أو البيوت أو السوق. وتلك خَصْله نسأل الله تعالى أن يجعلها في ميزانك.
ولم تكن صاحب مال أو ثروة ولكنك كنت صاحب قلب قنوع، وصاحب نفس عفيفة كريمة لا تعرف الذل لغير الله تعالى، ولا تعرف الرجاء في غير الله تعالى، مهْما اشتَدَّت حاجتك، وخَشُنَتْ معيشتك، فلَمْ تُرَ إلا مُتَبَسِّماً راضيا في غير شكوى أو قنوط، حامداً شاكراً صابراً محتسباً داعيا إلى الله تعالى، حتى في حالات اشتداد وطْآت المرض والغُربة والحاجة، وتلك نِعمة لا يُدْركها إلاَّ مَنْ مَنَّ الله تعالى عليه بالثبات وحُسْن الظن بالله الكريم، وحُسْن الثقة بما ادّخره للمؤمنين الصابرين، عن أبي العباس الساعدي ] قال : >مرَّ رَجُلٌ على النبي ، فقال لرَجُلٍ عنده جالس : (ما رَأيُك في هذا؟) فقال : رَجُلٌ من أشراف الناس، هذا واللّهِ حرِيٌّ إنْ خَطَبَ أن يُنكَحَ، وإن شَفَعَ أن يُشَفَّع، فسكت رسول الله ، ثم مر رجل آخر، فقال له رسول الله : (ما رَأْيُك في هذا؟) فقال : يا رسول الله هذا رجُلٌ من فقراء المسلمين، هذا حَرِيٌّ إن خطب ألاَّ يُنْكَح، وإن شَفَع ألاّ يشفَّع، وإن قال لاَ يُسمع لقوله، فقال رسول الله : (هذاَ خَيْرٌ مِنْ مِلْءِ الأرْضِ مِثْلِ هذا)<(متفق عليه)، نسأل الله تعالى أن تكون عند الله تعالى من الصِّنْف الذي شهد له رسول الله بالخيرية.
وعزاؤنا فيك أن الله تعالى جَعَل جَنَازَتَك جَنَازَة رجُلٍ من رجال الآخرة، لقد حضرتْ فيها كل القلوب التي لم يكن يَرْبِطُها بك إلا حُبُّ الله تعالى وحُبّ رسوله وحبُّ دينه، وفاءً لروابط الإيمان والأخوة في الله تعالى، نسأل الله تعالى أن تكون من الذين قال فيهم رسول الله : >إذَا أحبَّ الله تعالى العَبْدَ نَادًى جِبْرِيلَ : إن الله تعالى يُحِبُّ فُلاناً فأحْبِبهُ، فَيُحِبُّه جبريل، فيُنادي في أهل السماء : إن الله يحب فُلاناً، فأحِبُّوه، فيُحبُّه أهْلُ السماء، ثم يوضع له القَبُول في الأرض<(متفق عليه).
إن لفراقك يا أخانا لمحزونون، ولكن لا نقول إلا ما يُرضي ربنا، وما عند الله تعالى خير وأبقى، فنسأل الله لك حُسْنَ العاقبة والمأوى {وأمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ ونَهَى النَّفْسَ عَنِ الهَوَى فإنّ الجَنَّةَ هِيَ المَأْوَى}(النازعات).
محبك لوجه الله تعالى المفضل فلواتي