حتى نكون في مستوى القائل : همتي همة الملوك ونفسي حرة ترى الذل كفرا


هذا هو الدرس الذي استفدته من  صمود المقاومة في جنوب لبنان عندما كنت، لسنوات خلت، أتابع جهاد حزب الله وتصديه لجيوش العدو الاسرائيلي وعملائه الخونة – ورغم قلة العدة والعدد فإنهم انتصروا، ومسحوا الذل عن جبين العرب والمسلمين بهمم الملوك المومنين، ونفوسهم الحرة الأبية التي ترى الذل كفرا واستبعاد الاحرار مستحيلا، لقد أعادوا الأمل إلى القلوب اليائسة، وزرعوا الحياة من جديد في الارض التي دنسها المجرمون اليهود بأقدامهم ورائحتهم الكريهة التي تخنق الاخضر واليابس.

لقد خرج اليهود مذعورين خائفين من ملاحقة عناصر حزب الله المجاهدين خرجوا وهم في أبشع صورة للاذلال نعم لم ينسحبوا ولكن هربوا كالخفافش  في ظلام الليل الحالك، وهم يجرون وراءهم ذيول الهزيمة والنكبة بعدما كسر حزب الله شوكتهم وحطم مقولتهم وأسطورتهم التي تدعي أنهم أقوى جيش في المنطقة لا يقهر.

لقد وجه حزب الله بهذا الانتصار العظيم عدة رسائل ودروس لكل المستضعفين والمظلومين، تبين بالبرهان القاطع والدليل الساطع أن مواجهة العدوان لا تحتاج إلى تدخل الامم المتحدة بمختلف أجهزتها بقدر ما يتطلب الأمر الايمان بعدالة القضية، وبأن النصر مع الصبر، وأن مع العسر يسرا فتلك من سنن الله التي لا تتبدل ولا تتحول قال تعالى : {ونريد أن نمن على الذين استضعفوا في الارض ونجعلهم أئمة ونجعلهم الوارثين، ونمكن لهم في الارض، ونري فرعون وهامان وجنودهما ما كانوا يحذرون }(القصص : 5).

وشكل هذا الانتصار درسا للانظمة العربية المتخاذلة التي آثرت الاستسلام على العزة {ولله العزة ولرسوله وللمومنين}(المنافقون : 8)وفضلت أن تعيش في الفنادق وصالوناتها، وتناست المواطنين الذين يعيشون في الخنادق، وجهلت أن الحوار الحقيقي مع العدو الاسرائيلي ينطلق من فواهات البنادق، ذلك أن اليهود لا يفهمون إلا لغة واحدة هي تلك التي خاطبهم بها حزب الله: الصواريخ بالصواريخ والقذائف بالقذائف، والنفس بالنفس، اليوم وغدا والحرب سجال ….وهذا الانتصار درس للعملاء والغافلين والمغفلين، فلقد ساند ما كان يسمى بجيش لبنان الجنوبي أعداء بلده ما يزيد على عقدين من الزمن لكنهم تخلوا عنهم في ليلة وفي ذلك دلالة أن اليهود كانوا يعتبرونهم، دواب تركب، وأكياس رمل يتوقون بها رصاص المقاومة، ومتارس تحجز من أراد الوصول إليهم ومقاومتهم.

وهذا الانتصار درس كذلك الى القوى الوطنية المختلفة والى العاملين في مجال الدعوة الى الله على وجه الخصوص، يؤكد أن كسب ثقة الشعوب لا يكون الا بمراعاة المقال لمقتضى الحال، وبالتركيز على الاولويات والقضاياالكبرى للمجتمع ، وعدم إضاعة الوقت في سفاسف الأمور ومتاهاتها .فلقد استطاع حزب الله أن يدفع الجميع للمقاومة وللهتاف بصوت واحد “كلنا للوطن ، كلنا مقاومة”، وذلك لأنه عزف على الوتر الذي يطرب الجماهير، وإذا كانت قضية مقاومة الاحتلال مكنت لحزب الله، ففي اعتقادي أن قضية الامن من الجوع والخوف بكل ما تحمل الكلمة من معنى عليها ينبغي أن تدندن أوتار الدعاة إلى الله بشرط أن تكون مصحوبة بحصانة تربوية وثقافية حتى لا تكون تبنا في مصب الرياح، وحتى لا تضيع جهود العاملين في مجال الدعوة إلى الله ذلك أن التجربة عودتنا في وطننا العربي : >أن بندقية المجاهد تزرع، ومنجل السياسي يحصد<.

وأخيرا ألم يان للمفاوضين المهرولين أن يستوعبوا الدرس حتى إذا لم يقدروا على المواجهة فعلى الاقل ألا يذهلوا أنفسهم أمام مغتصب أرضهم وعرضهم؟

ثم ألم يأت الوقت الذي يعرفون فيه كيف يوجهوا رسائلهم الى عدوهم حتى لا تخطىىء الطريق، فاستعراض العضلات ليس أمام الشعوب ولكن في وجه المغضوب عليهم والضالين؟

اترك تعليقا :

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

يمكنك استخدام أكواد HTML والخصائص التالية: <a href="" title=""> <abbr title=""> <acronym title=""> <b> <blockquote cite=""> <cite> <code> <del datetime=""> <em> <i> <q cite=""> <strike> <strong>