الترجمة الصحيحة للعبارة الأولى هي كما يلي :
بِضَاعَةٌ مَبِيعَةٌ أو بضاعة مبيوعة
بيد أن بعض المترجمين يترجمها كما يلي : “بضاعة مُباعة”
ينبغي لأصحاب هذه الترجمة أن يعلموا أنهم بعبارتهم هاته لم يترجموا العبارة المذكورة Marchandise vendue وإنما ترجموا العبارة الثانية Marchandise mise en vente التي تعني بضاعة معرضة للبيع لا البضاعة التي تم بيعها فعلا. فكلمة “مباعة” أو “مباع” هي إسم مفعول لفعل “أباع” الذي يعني عرَّض للبيع. أما كلمة “مبيعة” أو كلمة “مبيوعة” فهي إسم المفعول لفعل “باع”.
ثم إنهم عندما يترجمون -خطأ- العبارة الأولى ب”بضاعة مباعة” يترجمون العبارة الثانية ب”بضاعة معروضة للبيع” بينما اللغة العربية -على عكس اللغة الفرنسية- تُتيح لهم مفردة واحدة لأداء المعنى بدلا من شبه الجملة التي يستعملونها بدافع الترجمة الحرفية من اللغة الفرنسية. وهم بهذا النحو يشاركون في العمل على طمس عبقرية لغة الضاد علاوة على ترجمتهم الخاطئة للعبارة الأولى.
ومن شواهدنا اللغوية ما أورده صاحب “تاج العروس من جواهر القاموس”.
“.. و أبَعْتُهُ إباعَة : عرَّضََتْهُ للبيع. قال الأجدع بن مالك بن أمية الهمداني :
“ورضيت آلاء الكميت فمن يبع فَرَسًا فليس جوادنا بِمُبَاع
“أي : ليس بمعرَّض للبيع”. هـ
لا، لا، ثم لا، لـ”سوف لن” ولـ”سوف لا”
شاع في السنين الأخيرة استعمال “سوف لن” مع الفعل المضارع لإفادة نفي الفعل في المستقبل، وهو خطأ فظيع للاعتبارات التالية :
-1 “سوف” مثلها مثل السين المتصلة بالفعل المضارع في مثل قولنا “ستنجح” أو “سوف تنجح”، لا ينبغي أن يفصلها فاصل عن الفعل المضارع فكما أننا لا يمكننا أن ندخل أداة من أدوات النفي على العبارة “ستنجح” يراد بها وقوع النجاح في أمد أقرب من الأمد الذي تفيده “سوف تنجح”.
-2 وقوع النفي في المستقبل الذي يقصده القائلون “سوف لا” أو “سوف لن” تفيد “لن” وحدها مقترنة بالفعل المضارع مثل العبارة التالية “لن تخسر” أو “لن تخفق” بدون حاجة إلى إضافة “سوف” التي لا تكون مع النفي بل تكون لزاما مع الإثبات.
فمما يتعلمه التلاميذ في المدارس الابتدائىة أن النفي في الزمان الماضي تفيده الأداة “لم” متصلة بالفعل المضارع، وأن النفي في الزمان الحاضر تفيده الأداة “لا” متصلة بالفعل المضارع، وأن النفي في الزمان المستقبل تفيده الأداة “لن” وحدها متصلة بالفعل المضارع.
-3 “سوف” اشتق منها فعل “سوف” (سَوَّفَهُ، يُسوِّفه تَسْويفا) بمعنى قال له : “سوف أفعل” بمعنى وعده بفعل شيء يطلبه منه أو ينتظره منه وقوعه، لا عدم وقوعه.
-4 لم يسمع بعبارة “سوف لا” أو “سوف لن” إلا في السنين الأخيرة ولا نجد أثرا لأيتهما في كلام العرب بتاتا، لا في أشعارهم ولا في خطبهم، ولا في القرآن الكريم، ولا في أحاديث الرسول ، ولا فيما كتبه الكتاب قديما أو حديثا، وذلك لأنهما غير صحيحتين، ومخالفتان لما نصت عليه أمهات كتب اللغة، كما نستشهد عليه فيما يلي :
- في “لسان العرب” لابن منظور : “سوف : كلمة معناها التنفيس والتأخير” قال سيبويه : ” سوف كلمة تنفيس فيما لم يكن بعد، ألا ترى أنك تقول : “سوّفته” إذا قلت له مرة بعد مرة “سوف أفعل” ولا يفصل بينها وبين “أفعل” لأنها بمنزلة السين في “سيفعل” وقال “بن جني : وهو حرف، واشتقوا منه فعلا فقالوا “سوفت الرجل تسويفا” ا هـ.
- في”تاج العروس من جواهر القاموس” لمحمد مرتضى الزبيدي : سوف معناه “الاستئناف، أو كلمة تنفيس فيما لم يكن بعد كما نقله الجوهري عن سيبويه، قال : “ألا ترى أنك تقول سوفته إذا قلت له مرة بعد مرة “سوف أفعل” ولا يفصل بينها وبين أفعل، لأنها بمنزلة السين في “سيفعل” وقال ابن دريد “سوف” : كلمة تستعمل في التهديد والوعيد فإذا شئت أن تجعلها إسما نوّنتها … ومن المجاز يقال : “فلان يقتات السوف” : أي يعيش بالأماني”. اهـ
- في “مغني اللبيب عن كتب الأعاريب “لجمال الدين بن هشام الأنصاري : “سوف مرادفة للسين أو أوسع منها (على الخلاف يعني الخلاف في مدة الاستقبال في “السين” وفي سوف) ومعنى قول المعربين فيها “حرف تنفيس” : حرف توسيع وذلك أنها نقلت المضارع من الزمن الضيق -وهو الحال- إلى الزمن الواسع وهو الاستقبال …” اهـ.
- في “المعجم الوسيط” لمجمع اللغة العربية بالقاهرة : “سوف : حرف مبني على الفتح، يخصص أفعال المضارعة للاستقبال، فيرد الفعل من الزمان الضيق وهو الحال إلى الزمان الواسع وهو الاستقبال. وهو يعني : “سأفعل ” وأكثر ما يستعمل في الوعد. وفي التنزيل العزيز : كلا سوف تعلمون، ثم كلا سوف تعلمون”. وقديستعمل في الوعيد. وفي التنزيل العزيز “ولسوف يعطيك ربك فترضى”. اهـ
فحتى متى يستمر هذا التعسف اللغوي؟ لعله لن ينتهي إلا بتجند جميع المثقفين من أجل مراجعة المحررين والمذيعين في محطات الإرسال السمعية والبصرية كلما صدر عنهم الخطأ وذلك بعزيمة قوية متيقظة لا تعرف الملل ولا تكتفي بتنبيه واحد بل لا تتردد في إعادة الكرة على المتعسفين ولو ألف مرة في الخطإ الواحد ولا تكف عن مراجعتهم حتى يستقيم اللسان. (عن كتاب : في اللغة، تأليف إدريس بن الحسن العلمي)