عرف المغرب سياسة التقويم الهيكلي التي انتهجتها الحكومات السابقة منذ بداية الثمانينات، وهي السياسة التي تبنتها أيضا حكومة الذين كانوا يعارضونها سابقا، ولكن تحت مسمى آخر هو التوازنات المالية.
وخلاصة هذه السياسة القديمة/الجديدة هو التجميد أو التقليص من ميزانيتي التسيير والتجهيز بحجّة تسديد الدّين العمومي، سواء الخارجي الذي يصل إلى 18 مليار دولار، أو الداخلي الذي يقدّره البعض بـ 30 مليار دولار. دون احتساب الدّيون العسكرية وديون الجماعات المحلية والمؤسسات العمومية..
وعلاقة هاتين الميزانيتين بقضية التشغيل علاقة وطيدة. فالرفع من ميزانية التسيير يعني الزيادة في عدد مناصب الوظيفة العمومية، كما أن الرفع من ميزانية التجهيز والاستثمار العمومي يعني إحداث مناصب شغل جديدة، سواء في القطاع الخاص الذي ستنجز مقاولاته مختلف المشاريع العمومية المبرمجة في إطار الصفقات العمومية.
وبسبب هذه السياسة الاقتصادية التي عمّرت عقدين من الزمن، تراكمت أفواج كثيرة من طالبي الشغل، خصوصا المتخرجين من الجامعات والمعاهد المتخصصة، حتى وصلت أعدادهم إلى حوالي نصف مليون معطل ومعطلة.
وأمام الوضعية المزرية لهؤلاء المعطلين، سنّت الحكومة عددا من التدابير والآليات خارج الإطار العمومي، كالتكوين الاندماجي والتشغيل الذاتي والسلفات الصغرى.. ولكنها لم تغيّر من الأمر شيئا، بسبب العراقيل الإدارية والقانونية والفساد الإداري من جهة، وبسبب عدم تأهل بعض الخريجين لمثل هذه الاختيارات من جهة ثانية.
ومن العراقيل التي تقف حاجزا أمام تطبيق هذه الآليات، مسألة تحديد السن الأقصى للمستفيدين، والذي غالبا ما يتحدد في سن الخامسة والثلاثين، مع العلم أن نسبة كبيرة من الخريجين وصلت أو تجاوزت هذا السن. فهل سيحكم على هؤلاء بأن يظلوا عاطلين مدى الحياة؟ لا لسبب ، سوى أنهم لم يستطيعوا تجميد عجلة العمر!. ألا يكفي هؤلاء التأثيرات النفسية التي يُخلفها لهم هذا السن، الذي يعتبر بداية العدّ العكسي لانتهاء أهم مرحلة من عمر الإنسان وهي مرحلة الشباب (-20 40 سنة)! لأنهم لم يبلوا البلاء الحسن المطلوب في هذه المرحلة، بل المأمور به شرعا والمحاسب عليه غدا يوم الوقوف بين يدي الرحمان، >لاَ تَزُولُ قَدَما عَبْد يوم القِيَمة حتى يُسأل عن أربع : عن عمره فيما أفناه وعن شبابه فيما أبلاه وعن ماله من أين اكتَسبه وفيما أنفقه، وعن علمه ماذا عمل به< أو كما قال عليه الصلاة والسلام. تنتهي هذه المرحلة من العمر وهؤلاء لم يشتغلوا ولم يتزوجوا ولم يلدوا ولم.. ولم.. لا أدري، لماذا يتفنن واضعوا القوانين والمساطير الإدارية في بلادنا، في الإكثار من العقبات وتنويعها! ألا يعلم هؤلاء أنه حتى لو خلت نصوصهم من ذلك كله فإن دهاقنةالبيروقراطية وجيوشها الجرّارة قادرة على أن تبدع العراقيل تلو العراقيل!! فإبداع العراقيل صنعتها ولذتها في تحطيم الآمال وصناعة اليأس والحقيقة هي أن إداراتنا هي نحن ونحن هم إداراتنا، لأنها أصلا منّا،و القولة الشهيرة <كيفما تكونوا…< أصدق تشخيص لحالنا، ولكن إذا أردنا العافية فلا علاج إلا بقوله تعالى : {إنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا ما بِأَنْفُسِهِمْ}.