بارقة : من آفات الدعوة إلى الله التفريط والإفراط


أما من صور التفريط فانزواء بعضنا في برجه الطيني يتفرج على ما يحل بالمسلمين من ويلات وينزل بهم من كوارث وما يحاك ضداً عليهم من مؤامرات، يقرأ ويسمع ويشاهد الهجمات الشرسة على دينهم وقيمهم والتطاول على الأنبياء والرسل والصالحين والعلماء الأتقياء الأنقياء وهو لا يبالي كأن الأمر لا يعنيه، ويكون التفريط أكثر إفزاعاً وهولاً إذا ما صدر من عالم بالدين يعرف ما يوجبه عليه موقعه ومركزه ومع ذلك فهو ينزوي في وقت تكون الحاجة إلى علمه ورأيه ومواقفه أكثر ضرورة وأشد حاجة، وقد يشغل نفسه بغير ما هو مطلوب منه فقهاً وديناً فيلهيها عن واجبها المتعين، كذلك الذي يرى ثغور المسلمين مهددة بالغزو والاجتياح والعدو يحاصرها من كل جانب قد حشد لها الصغير والكبير والقوي والضعيف وهو -أي العالم- يصر على أن يظل في بيته يقوم الليل ويصوم النهار أو يستزيد من العلوم والمعارف غير النافعة الآن أو يغشى المساجد يعلم النحو والصرف والتوحيد والأصول والتوقيت وغيرها من العلوم التي لا يحتاجها المسلمون في معاركهم المصيرية وينام قرير العين لكنه لا يستيقظ إلا وسنابك خيل الأعداء تجوس خلال الديار!!

أما الإفراط فهو من مصائب الدعوة وآفاتها ومن صورها الغلو في التشيع للقادة والشيوخ والنظر إليهم نظرة التقديس واعتقاد عصمتهم من الخطإ والزلل ووضع مقاييس الحب والبغض فيهم أو التعصب للجماعة أو الفرقة التي يتبعها ويعمل تحت رايتها معتقداً أنها “الحق” وما بعدها إلا الضلال المبين ومازلت أذكر أن شيخنا أبا عمر الراعوق كان يقول لنا : (اعبدوا الرحمان ولا تعبدوا جماعة عباد الرحمان)، وكان يستهجن سلوك بعضنا إزاءه لما فيه من إطراء وغلو، وما زلت أذكر أنه ذات مرة نزل مع الأطفال يلعب ويعلمهم المشي على الحبال المعلقة وصار يقفز معهم فإذا بأخ لنا يغضب وينسحب من الجماعة، ويرسل إليه رسالة يقول فيها : “كنت أراك في السماء أما اليوم فأصبحت عندي في الحضيض” فرد عليه يقول : “لقد كنت في الحضيض قبل أن ترفعني بغلوك إلى السماء فلما تراءيت لك على حقيقتي وجدتني في المكان الذي يجب أن تراني فيه!!!” وكان رحمه الله يكره تلك المغالاة والمبالغات، ويقول لي : “أبعد عني هذا النوع من البشر فإنهم خطر على الدعوة إذا كانوا فيها وخطر عليها إذا انفصلوا عنها!!”.

والعجب أن أقواما يقعون في أخطاء لا تقل عن الغلو شناعة عندما ينزع الله منهم الحياء والأدب فيعاملون شيوخهم والدعاة إلى الله بنوع من الجفاء والغلظة وقلة الأدب والحياء وقد يكون وراء ذلك نوع من الغرور والبطر وهذا النوع لا تخلو منهم ساحة ولذلك نسأل الله سبحانه وتعالى أن يكرمنا بالأدب وأن يرينا الحق حقا ويرزقنا اتباعه والباطل باطلا ويرزقنا اجتنابه.

د. عبد السلام الهراس

اترك تعليقا :

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

يمكنك استخدام أكواد HTML والخصائص التالية: <a href="" title=""> <abbr title=""> <acronym title=""> <b> <blockquote cite=""> <cite> <code> <del datetime=""> <em> <i> <q cite=""> <strike> <strong>