أهل البدعة وأهل السنة


أ- أهل البدعة :

قبل تحديد المراد بأهل البدعة لابد من تعريف البدعة وأنواعها :

معنى البدعة : البدعة هي كل ما قابل السنة وقد عرفها ابن تيمية بقوله هي : “ما خالفت الكتاب والسنة أو إجماع سلف الأمة من الاعتقادات والعبادات”(1).

وعرفها في “الاستقامة” بمعنى أعم من هذا فقال هي : “مالم يشرعه الله من الدين.. فكل من دان بشيء لم يشرعه الله فذلك بدعة، وإن كان متأولا فيه”(2)، وبهذا فإن كل ما استحدثه الناس في الدين، ولم يكن له مستند في الشرع وكان مخالفا لمقاصده فهو بدعة.

أنواع البدعة : البدعة نوعان نوع في القول والاعتقاد، ونوع في الفعل والعبادة(3).

فمثال الأول في القول : بدعة الأوراد المحدثة، وفي الاعتقاد : بدع الفرق الضالة كالخوارج والمعتزلة والرافضة.

ومثال الثاني في الفعل : اتخاذ المولد عيداً، وفي العبادات الجهر بالنية في الصلاة، والأذان في العيدين، وأخطر هذه الأنواع بدعة الاعتقاد.

المراد بأهل البدعة :

إن المراد بأهل البدعة في الدين هم أهل الفرقة، فالآيات الدالة على ذم البدعة والأحاديث أشعرت بوصف لأصحابها، وهو الفرقة الحاصلة التي يكونون بسببها شيعا متفرقة لا ينتظم شملهم بالإسلام وإن كانوا من أهله، وحكم لهم بحكمه، في مثل قوله تعالى : {إنَّ الذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وكَانُوا شِيَعاً لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيء}(الأنعام : 159). فجعل التفريق في هذه الآية وأمثالها في الدين، وهو يشمل العقائد والعبادات والمعاملات.

ومن ههنا فإن الفرق المذكورة في قوله صلى الله عليه وسلم : ((… وتفترق أمتي على ثلاث وسبعين فرقة كلها في النار إلا واحدة)) هي الفرق المبتدعة في الدين سواء تعلق ذلك بالعقيدة أو غيرها، وذلك أن الله تعالى لما قال : {وأنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ..} لم يخصص جانبا من جوانب الدين، فالصراط المستقيم هو الشريعة على العموم، وهذا يفيد أن إشارة الحديث لا تختص بالعقيدة دون غيرها.

وقوله صلى الله عليه وسلم : ((إلا واحدة)) يدل على أن الحق واحد لا يختلف ولا يتعدد، لأن الإختلاف منفي عن الشريعة بإطلاق، لأنها الحاكمة بين المختلفين، لقوله تعالى : {فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إلى اللّهِ والرَّسُول}(النساء : 59).

فلو كانت الشريعة تقتضي الخلاف لم يكن في الرد إليها فائدة، وقوله تعالى : {في شيء} نكرة تفيد العموم، فتنتظم كل تنازع، فالرد فيها لا يكون إلا لأمر واحد، فلا يسع أن يكون أهل الحق فِرَقاً(4).

- التفاوت في البدعة بتفاوت مخالفتها للحق وضررها في الدين يقتضي التفاوت في الذم والإثم :

وهذه قاعدة عظيمة من قواعد فقه البدع حيث إن البدعة تتفاوت بتفاوت مخالفتها للكتاب والسنة، وابتعادها عن متابعة السلف الصالح، وكذا بتفاوت ضررها في الدين، ومن ثم فالبدعة وأهلها درجات: ((منهم من يكون قد خالف السنة في أصول عظيمة ومنهم من يكون إنما خالف السنة في أمور دقيقة))(5)، إلا أن الكل يشترك في المعنى المقتضي للذم والوعيد، لقوله صلى الله عليه وسلم : ((كل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار))، إلا أن الذم والوعيد والإثم والعقاب يتفاوت بتفاوت ضرر البدعة ومخالفتها للقرآن والسنة.

ب- أهل السنة والجماعة :

إن سبيل الوقاية من ذم الله ووعيده بالنار هو التزام منهج الله وشرعه والاعتصام بحبله، وهذا هو سبيل أهل السنة وجماعة المسلمين التي لم تفرق دينها، وحث عليها الرسول صلى الله عليه وسلم في قوله : ((عليكم بالجماعة وإياكم والفرقة))، لأن في مفارقتها خلعا لربقة الإسلام، فقد روي عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال : ((من فارق الجماعة قيد شبر فقد خلع ربقة الإسلام من عنقه)).

والمراد بالجماعة في هذه النصوص وأمثالها على أربعة أقوال(6) :

- الأول : إن الجماعة هي السواد الأعظم من المسلمين، ويدخل فيها مجتهدوا الأمة وعلماؤها وأهل الشريعة العاملون بها، ومن سواهم داخلون في حكمهم، لأنهم تابعون لهم ومقتدون بهم. ويدخل في هذا المعنى جميع الهيئات والجماعات التي تقوم برسالة الدعوة إلى الله، وإن تعددت وسائلها الدعوية في إقامة الدين، مادامت متفقة على أصوله، إذ إن اختلافها في الوسائل لا يضر مادام قائما على قواعد الاجتهاد الشرعي وضوابطه المقررة عند علماء الأمة، وما دامت النوايا خالصة، هدف أصحابها الوصول إلى الصواب وابتغاء الثواب، إذ إن هذا النوع من الاجتهاد إذا أفضى إلى اختلاف الدعاة من علماء الأمة الربانيين، سواء كان ذلك في الوسائل أو في القرارات أو في المواقف أو الرؤى والتصورات التي تحدد توجهات الدعوة ومساراتها، مادام الاجتهاد مستندا إلى دليل من الشرع أو إلى مقصد من مقاصده، ومادام هذا الاختلاف مقيدا بالضوابط والقواعد الشرعية العلمية والأخلاقية فإنه لا يخرج عن دائرة الاختلاف الجائز، وهو بهذه المواصفات اجتهاد مقبول ومحمود وصاحبه مأجور.

ومن ههنا فإن كل من خرج عن هذا المعنى وعن أصوله وقواعده فهو من أهل البدع والفرقة.

- القول الثاني : ومفاده أن المراد بالجماعة جماعة الأئمة المجتهدين، فمن خرج مما عليه علماء الأمة مات ميتة جاهلية، لأن الله جعل العلماء، حجة على خلقه، وهم المعنيون بقوله صلى الله عليه وسلم : ((إن الله لن يجمع أمتي على ضلالة))، وذلك أن العامة تأخذ عنها دينها وإليها تفزع في النوازل، وهي تبع لها، وبهذا فالمراد بالأمة في الحديث هم علماء الأمة المجتهدون، وهم ورثة النبي وأولو الأمر في الأمة.

- القول الثالث : إن الجماعة هم الصحابة على الخصوص، فإنهم الذين أقاموا عماد الدين وأرسوا أوتاده، وهم الذين لا يجتمعون على ضلالة أصلا، فالجماعة هنا ما أشار إليه الرسول صلى الله عليه وسلم بقوله : ((ما أنا عليه وأصحابي)) وقوله : ((عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين عضوا عليها بالنواجد)).

وعلى هذا القول فإن أهل البدعة غير داخلين قطعا في الجماعة.

- القول الرابع : إن الجماعة هي جماعة المسلمين إذا اجتمعوا على أمير، فقد أمر عليه السلام بلزومه، ونهى عن فراق الأمة فيما اجتمعوا عليه من تقديمه عليهم، وههنا لابد من اجتماع جماعة المسلمين على أمير يرضونه قائدا لهم بشرع الله، لا أن يتولى عليهم بالغلبة والقهر، وقد قال صلى الله عليه وسلم: ((من جاء إلى أمتي ليفرق جماعتهم فاضربوا عنقه كائنا من كان))، فالأمة ههنا مجتمعة على أمير برضاها، وقد اختار هذا المسلك الإمام الطبري فقال : ((فهذا معنى الأمر بلزوم الجماعة)).

ذ. محمد الأنصاري

——–

-1 مجموعة الفتاوى : .346/18

-2 الاستقامة : .42/1 //-3 مجموعة الفتاوى : .306/22

-4 الاعتصام : .441/2

-5 مجموعة الفتاوى : .348/3

-6 الاعتصام : …448 451، وقد أورد في معنى الجماعة خمسة أقوال.

اترك تعليقا :

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

يمكنك استخدام أكواد HTML والخصائص التالية: <a href="" title=""> <abbr title=""> <acronym title=""> <b> <blockquote cite=""> <cite> <code> <del datetime=""> <em> <i> <q cite=""> <strike> <strong>