الصحافة المغربية بين حرية التعبير ونوايا التخريب


من نعم الله تعالى على هذا البلد الأمين نعمة حرية التعبير التي بدأت بذورها تترسخ وأضحت أغصانها باسقة، وظلالها وارفة بفضل سياسة احترام الحريات العامة، حتى كادت بعض الدول العربية الشقيقة تحسدنا على هذه النعمة، وحتى أن بعض الدول المتقدمة تكنولوجيا لم تجد بدا من الاعتراف لبلادنا بهذه المزية.

وأكثر المنابر استغلالا لهذه الحرية الصحافة المكتوبة، إذ لم تحظ حتى منابر المساجد بمثلها وهي المرصودة بجهاز عتيد يكلف بين الحين والآخر استدعاء الخطباء للاستنطاق حتى على يد من لا يفقه أمور الدين من رجال السلطة والإداريين. والصحافة المستفيدة من حرية التعبير في بلادنا صنفان، الأول تحكمه ضوابط تراعي الثوابت الدينية والوطنية والخلقية، والثاني يركب النزق ويدوس كل الضوابط في استغلال مكشوف لحرية التعبير. فإذا ما كانت بعض الصحف تحترم أعلى الثوابت في دستور البلاد ألا وهو الاسلام، فتخصص له حيزا كبيرا من صفحاتها لقضاياه المختلفة دفاعا عنها وترسيخا له في النفوس، وتزخر صفحاتها بالمرجعيات الدينية من قرآن كريم، وأحاديث نبوية شريفة حتى أنها تنصح قراءها باحترام صفحاتها الزاخرة بهذه النصوص المقدسة وتشير عليهم بتنزيهها عما لا يليق بها، فإن البعض الآخر يتخذ من موضوع الاسلام مناسبة للتعريض به، ويخصص له من صفحاته حيزا ليعمل في مبادئه معاول الهدم، ويفتري عليه أشنع الافتراءات، وعلى معتنقيه إذ ينعتهم بأبشع النعوت، وأقلها إذاية لفظ “الأصولية” بدلالته السلبية، ولا ندري أأصحاب هذه الصحافة مغاربة مسلمون أم يهود اسرائيليون أم علمانيون أميريكيون وأوروبيون أم شر من ذلك مجرد أذناب مأجورين.

فالمتصفح مثلا لجريدة الأحداث اليومية تطالعه صفحاتها الأولى بأبشع العناوين وأقذر العبارات معززة بصور الخلاعة والدعارة تضاهي لقطات مما يعرف بـ”البورنو” وموضوعاتها لا تتجاوز ما بين فخذي المرأة، فهي إما تقص أخبار زغب ساقها، وإما تحدث عن غشاء بكارتها، وإما تسوق من خبر المضاجع ما نربأ عن اعادته ولو بلفظ مهذب عكس ما نقرأ في هذه اليومية حتى أصبحت مقالاتها ممجوجة في أذواق المواطنين تكيل لها الألسنة اللعنة كل حين. وتماديا في نهج الاستخفاف بمبادئ الأمة وعلى رأسها القيم الخلقية الاسلامية تعج صفحاتها بالمواضيع الموضوعة وضعا، والتي لا تستقيم لا واقعا ولا منطقا، فهذا أخ يغتصب شقيقته دون علم منهما وتحمل منه لأن أباهما اتخذ من أم الابن زوجة، ومن أم البنت خدنا، وهذه مطلقة يراودها أبوها عن نفسها ويبتز منها القبل ابتزازا، وقس على مثل هذه الأوهام المستخفة بالعقول والألباب في تقليد أعمى لما يروج في صحف الغرب العلمانية العاكسة لقضايا الدعارة حقا وصدقا لا توهما واختلاقا، معتمدة طرق لفت الأنظار بعناوين وصور لافتة فاضحة تغري السخيف وتؤذي العفيف، وطرق الاغراء بواسطة ما يعرف بالشبكات التي تبلد الحس المعرفي “بكليشهات” من عبارات مكرورة تجتر اجترارا، وتزخر بأخطاء التعبير والتركيب وتزخر بالسخيف من المعلومات، والتافه من الاشارات، وتسخر من السذج ذوي الرصيد المعرفي المحدود، وتستهلك من أوقاتهم حصصا كان من الأجدر أن تنفق في مراكز محو الأمية المعرفية على غرار مراكز محو الأمية الابجدية، أو في بيوت الله للعبادة والذكر والتعلم. والحقيقة أن هذه الشبكات والأصح أن تدعى شباكا وشراكا لانها تتصيد العوام وأشباههم لاجتلابهم نحو موضوعات الخلاعة والدعارة خصوصا وقد أصبحوا مدمنين على هذه الشبكات كإدمان المدخنين مما شجع على بيعها تقسيطا بعد استنساخها تماما كما تباع السجائر تقسيطا. كل هذا في بلد من سلالة أمة عالمة شاهدة على العالمين مازال أكثر من ثلثي تراثها في انتظار المخلصين من أسر خزائن المستعمرين. ولعل المقصود بالترويج للفواحش عن طريق اختلاقها وصنعها هو تطبيع موضوع الخلاعات في مجتمع ننزهه عنها، وجعلها متداولة على ألسنة المغرضين والسفهاء لتصبح بعد تراخي الزمن مألوفة بين الناس، لا يتقززون من سماعها، ولا يشمئزون منها حتى إذا ما شاعت -لا قدر الله- أصبحت واقعا معيشا مهدت له السبل سلفا، وهل فاحشة الزنا سوى نتيجة لمقدمات من قبيل ما تنشره هذه الجريدة؟؟

وتزداد “الأحداث” وهو جمع لاسم القذارة كما قال أحد الدعاة -وهو محق في ذلك- تماديا في نهج سبل الترويج للفاحشة حتى أن المواطنين لا يشمون منها إلا روائح كريهة تؤذي قيمهم الدينية والخلقية متجاهلة مبادئ ثابتة من قبيل تجنب الجهر بالسوء، والجهر بالفحش، وإشاعة الفاحشة بين الناس وحب شيوعها بينهم، وترك النهي عن المنكر، وما المنكر إلا منكر القول والفعل، مستهترة بالأخلاق، مستخفة بمشاعر الأمة، ولعلها وهي صحيفة القذارة أساءت فهم حرية التعبير فأفصحت عن نوايا التخريب تصريحا لا تلميحا، وكأن البلد ذو أقلية مسلمة وغالبية تعتنق الدياثة وذلك في غياب رقابة خلقية على المقالات المخلة بالأخلاق، وضوابط رادعة على غرار نصوص القوانين المانعة من الاخلال بالأمن العام، فمتى يفكر المسؤولون في مثل هذه الرقابة صيانة لمقدسات الأمة ولحرية التعبير وتعزيزاً للمأجورين المارقين من الدين المسخرين من قبل أعداء الاسلام والمسلمين.

ذ. محمد شركي

اترك تعليقا :

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

يمكنك استخدام أكواد HTML والخصائص التالية: <a href="" title=""> <abbr title=""> <acronym title=""> <b> <blockquote cite=""> <cite> <code> <del datetime=""> <em> <i> <q cite=""> <strike> <strong>