حينما كتبت في العدد ما قبل الماضي عن “المسيرة والخطة” كنت أقصد كما هو واضح من المقال مسيرة الرباط، أما مسيرة الدار البيضاء فلم يكن قَدْ أُذِنَ لها بعد بالمسير.
كانت الدعوة إلى مسيرة الرباط -كما أشرت في المقال الماضي- مبطنة، فلقد زعم دعاتها ألاَّ علاقة لها بالخطة، وذلك حتى يتمكنوا من جذب عدد أكبر من عامة الناس الناقمين على الخطة، ولكن تبين من خلال وسائل الإعلام، بما في ذلك إعلامهم، أن المسيرة شقيقة الخطة وبنتها الرضيعة، ولذلك عبّر عدد من المشاركين عن نقمتهم عليها، وعن معارضتهم للخطة، وأن مكانهم الطبيعي هو مسيرة البيضاء لا مسيرة الرباط.
والغريب أنه لحد الآن، وقد مرَّ على المسيرة بِضْعَةُ أسابيع، مازال الجدل قائماً حول علاقة مسيرة الرباط بالخطة، مع أن الشعارات المرفوعة والاستجوابات التي أذاعتها بعض وسائل الإعلام نقلا عن منظمي الخطة تؤكد بوضوح أن المسيرة جاءت لدعم الخطة، بهدف إيجاد تأييد شعبي لَهَا.
ولسائل أن يتساءل : لماذا الجدل حول الخطة وعلاقتها بالمسيرة، من قبل أناس نظموا المسيرة أو شاركوا فيها ويدعمون الخطة؟ لابد أن أقل ما يدل عليه هذا الجَدَلُ هو أن الخطة “فيها ما فيها”، كما قالت بعض منظّمات مسيرة الرباط والداعيات إليها. ولعل مما ساهم في هذا الجدل قلة المشاركين في هذه المسيرة، واعلان طائفة ممن شاركوا بأنهم لايدعمون الخطة، مما يعني أن الخطة لم تنل الدعم الشعبي الذي أراده لها أصحابها وزعماؤها، رغم الدعاية الإعلامية الواسعة والتأييدات الحزبية المتشعبة.. وأنى يكون ذلك والخطة قد ولدت بعملية قيصرية من رحم لا يمت إلى المجتمع المغربي بصلة ولا إلى دينه ولا إلى تراثه ولا إلى حضارته.
أما مسيرة البيضاء التي أراد لها أعداؤها التهميش بدعاياتهم المغرضة وغمزهم ولمزهم حتىوهم يستجوبون في مسيرة الرباط من قبل القنوات الفضائية العالمية، فإنها عبَّرت عن نبض المجتمع المغربي الحقيقي، لنعلن أن المجتمع المغربي مجتمع متمسك بتعاليم دينه، قولا وفعلاً، ولتُؤكِّد أن مسيرته بيضاء ناصعة، لا تشوبها شائبة، هي مسيرة الفطرة التي حرَّكَتْ كل فئات المجتمع المغربي، كما حركته دائما عبر التاريخ في مسيرات بطولية للدفاع عن حوزة الدين والوطن والحرية.
إن مسيرة البيضاء ليست استعراضا للعضلات ولا يمكن أن تكون كذلك، ولا يرضى لها أصحابها بذلك، ولكنها تعبير عن المطالبة بإنصاف المرأة وإقرار حقوقها التي شرعها الدين الحنيف، وإنصافها من الظلم الذي تعانيه في البيت ومكان العمل والشارع. ولعل قراءة سريعة فيما تنشره بعض الجرائد المغربية عما تعانيه المرأة المغربية تبين بوضوح، أن المشكلة هي مشكلة الانحلال، وأن القضية هي قضية الابتعاد عن الدين، وأن الاضطهاد الذي يقع علىالمرأة، باسم الحرية والتغريب أفظع مما يقع عليها باسم المحافظة والتقاليد.
لا ينبغي أن يفهم من هذا أننا نطالب بالتمسك بالتقاليد التي تخالف تعاليم الاسلام، ولكننا نطالب باقرار حقوق المرأة وفق ما جاء به الاسلام، وأن تعطى لها حريتها وكرامتها وأنوثتها التي كفلها الاسلام، في الوقت الذي نرفض فيه إبعادها عن إطار الدين، وامتكانها واستعبادها باسم الحرية والتغريب.
د. عبد الرحيم بلحاج