لقد خلق الله الرجل والمرأة من نفس واحدة لغاية تكوين أسرة عن طريق تعاقد شرعي بإرادة الطرفين ومن مجموع الأُسَر تَنْبَثق الأمة فالدولة. وقد سمّى القرآن الكريم كل ّ طرف زوجاً أي مكملا لزوجه فليس هناك زوجُ وزوجته أو سيدتُه قال تعالى : {يا آدم اسكن أنت وزوجُك الجنة} {يا أيها الرسول قُل لأزواجك..}. وكان أساسُ الزوجية السكن أي انْتِفاء الرعب والخوفِ وحلول الأمْن والاطمئنان والثبات؛ ويتجلى هذا السكن في العلاقة الجميلة والحميمة بين الزوجين التي عبّر عنها القرآن الكريم بالمودّة والرحمة فالمودّة تكون أكثر ما تكون في حالة اليُسْر وتبرزُ الرحمة في ظروف العُسْر وقد يَقْتِرنان دائماً في جميع الأحوال.
ولذلك كان من الجَهل الفاضح والخطإ الفادح وضعُ خطّةٍ للمراة دون زوجها وللرّجل دون زوجه لأنهما كائنٌ واحد ونواة واحدة فإذا ما جزئت وقع الانفجار والفساد؟ فيجب التخطيط لمؤسسة الزوجية والأسرة والاهتمام الجادُّ بمكوناتها من الطفولة والمراهقة والبلوغ إلى حين إنشاء الأسرة وما بعدها لارتباط ذا بذاك وهذه بتلك، أي الخطة التي تتجاهل هذه الحقائق البديهية هي خطة إشقاء لا انماء أو ارتقاء لانها بعيدة حينئذ عن تعزيز هذه المؤسسة العظيمة التي على أساسها يُبْنى المجتمع والدولة. إن الخطة التي تعتمد على دغدغةِ النزواتِ ومجاملة العواطف الهوجاء والخضوع للمأزومين والمأزومات أو ترتبط بجهات ومؤسسات ذاتِ أهداف تخريبية في مجالات متعددة لا يمكنها إلا أن تضاعف الأزمات وتعقد الأوضاع وتفتح أبواب الاضطراب والاختلال كارتفاع نسبة الطلاق والعنوسة والعزوبة وتأزيم الأسرة وبث الكراهية والشقاق داخلها.
إن الاسلام والحمد لله لعظمته وسموه وشُموليته لقادرٌ على تزويد أي خطة للنهوض بالمجتمعوبالرجل والمرأة منذ الولادة إلى الوفاة بجميع ما تحتاجها وتلزمها من عناصر البناء والصيانة والنماء والإصلاح والخير والقوة حتى تخرج هذه الخطة إلى العالم في المستوى الحضاري اللائق وبذلك تصبح المرأة ضمن المؤسسة الاجتماعية الاسلامية المذكورة عامل ارتقاء ونماء وصفاء وبناء للأمة جميعها كما هو حال الرجل تماماً.
أما الخطة الپيكينية (نسبة لپيكين) والبَنْكية (نسبة للبنك الدولي) فهي جديرة فقط بأن تجعل الرجل والمرأة معاً يعيشان في شقاء لا حد له وتعرّض الأسرة للتفسخ والانحلال وتقوض كيان المجتمع والدفع به نحو الحضيض.
إن المرأة في الغرب لا تصلح أن تكون نموذجاً لنسائنا المسلمات.. ومن عمَى البصيرة والجهل المُطبق بالاسلام وشريعته محاولةُ إدماج المرأة المسلمة في التنمية على الطريقة الغربية. وإن الاحصائيات والدراسات والندوات والأقلام والأخبار عن المرأة الغربية تعكس بوضوح بشاعة المآسي التي تعانيها هذه المرأة التي يتضاعف الاعتداء عليها واستغلال أنوثتها في الاعلام والسينما والصفقات التجارية والاقتصادية وحتى السياسية وتحطيم كرامتها وأمومتها وتلويث شرفها مما جعلها تنتقم من الرجل بوسائل متعددة، وهي الآن تفتك بالرجل والأسرة، بل إن حربا ضروسا حامية الوطيس قائمة بين الطرفين مما يجعل حضارتهم تعاني الاحتضار وسيكون للمرأة حضور بارز للإجهاز عليها بالاضافة إلى عوامل أخرى…
وصدق الله العظيم الذي يقول في سورة النساء في سياق تشريعات أسرية مؤسِّسة للمجتمع الاسلامي الجديد : {يريد الله ليُبيّن لكم ويهديكم سُنَنَ الذين من قبلكم ويتوب عليكم والله عليم حكيم والله يُريد أن يتوبَ عليكم ويريد الذين يتّبعون الشهواتِ أن تميلوا مَيلاً عظيماً يريد الله أن يخفف عنكم وخُلِق الإنسان ضعيفاً} (النور : -26 28).
إن التنمية مسؤولية الرجل والمرأة فهل الرجل قد خُطط له لإدماجه في التّنمية؟ أي تنمية هذه لا يخطط فيها للرجل وللمرأة معاً، والسؤال البسيط هل السيد كاتب الدولة جادٌّ في سعيه لتنمية المغرب.. إن القيادات الجادة الخبيرة والمؤهلة للاضطلاع بمهمة التنمية ما تزال تعيش في الهامش لأنها تأبى أن تنتسب لجهات ومنظمات ليس من شرطها الجد والنزاهة وسمو الأخلاق والخبرة والصراحة والارادة الحرة والنصح الخالص وعدم التبعية!!
إن المغرب غني برجاله الافذاذ وعلمائه الأجلاء ونسائه الفُضليات المفكرات وخبرائه المشهود لهم في الداخل والخارج فهل استشيروا في الأمر مع أنهم هم الأجدر بتخطيط كل ما يتصل بمجتمعهم المسلم ذي الحضارة العريضة المتطلع نحو التقدم والازدهار {ومن أعرض عن ذكري فإن له ميعشة ضنكاً ونحشره يوم القيامة أعمى}.