المحجة : بداية نرحب بكم الدكتور فريد الأنصاري على صفحات جريدة “المحجة”، ولنبدأ بالسؤال الأول حول الأهداف الأساسية والحقيقية لخطة العمل الوطنية لإدماج المرأة في التنمية؟
د. الأنصاري : بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين محمد وآله.
خطة إدماج المرأة في التنمية كما طرحتها حكومة التناوب هي خطة تهدف إلى هدفين اثنين : هدف سياسي، وهدف إديولوجي.
لنبدأ بالهدف السياسي، ويتعلق الأمر برؤية الأحزاب اليسارية إلى النظام الملكي بالمغرب، ورغبتهم الأكيدة في تحديث الملكية كما يعبرون التعبير على النموذج البريطاني أو الإسباني، وهذا في نظرهم لا يتم إلا بتغيير الدستور المغربي، إلا أن هذا الدستور ينص على أن الملكية ذات طابع ديني، كما أن الخطاب الرسمي شكلا هو خطاب ديني أضف إلى ذلك أن الشعب على المستوى الوجداني على الأقل هو شعب مسلم، ومن ثم فإن هؤلاء يسعون إلى خلق فضاء اجتماعي لدى الناس، يقبل تصور دستور علماني لا ديني، ومن ههنا كان لابد من إحداث تغيير مواز للتغيير الأول ولا يتم إلا به، ألا وهو تغيير العقلية الدينية بالمغرب، وهذا هو الهدف الثاني للخطة، ومعلوم أن هذه العقلية الدينية يحميها شيء واحد في المغرب، وهو الأسرة.
المحجة : جوابكم هذا يجرنا إلى طرح سؤال آخر مفاده أن هناك من يقول بأن الخطة هي مؤامرة على المرأة وبالتالي هي مؤامرة على الأسرة والمجتمع ككل؟ فإلى أي حد يعتبر هذا الكلام صحيحا؟
د. الأنصاري : هذا الكلام صحيح مائة بالمائة، فإذا تحدثنا عن المرأة فنحن نتحدث عن المرأة الأم، عن المرأة الزوجة عن المرأة الأخت، عن المرأة البنت، فكل أركان الأسرة إنما تتكون من النواة الأساس، وهي المرأة : والحديث عن المرأة هو حديث عن الأسرة ككل وتسمية الخطة بهذا الإسم خطة إدماج المرأة في التنمية هي تسمية اديولوجية بالأساس وتمويه سياسي بالقصد الأول، لأنه لو تحدث عن الأسرة بشكل كلي لجلب ذلك متاعب لأصحاب الخطة، ولكن كلمة المرأة كلمة براقة يضمنون بها تضامن كل النساء وكل الفتيات من هنا كانت إذن خطورة الخطة بحيث أنها تؤدي إلى إهدار وهدم فكرة الأسرة بصفة عامة إذ أن فكرة الأسرة هي التي تحمي تدين الناس، وحديث كل مولود يولد على الفطرة حديث مشهور يؤكد ذلك، ومفهوم الأب والأم والبنت والإبن هي مفاهيم دينية وليست مفاهيم لغوية، وعليه فإن مفهوم الأسرة ككل هو مفهوم ديني، وإذا كان الأمر كذلك، فإن القضاء على التدين حقيقة إنما يتم بالقضاء على مفهوم الأسرة، وبالقضاء على الأسرة سيخلق جيل جديد لا علاقة له بالتدين حتى على المستوى الوجداني، ولذلك فالتغيير الذي تنشده هذه الأطراف اليسارية تغيير ينظر إلى المدى البعيد، إنهم يراهنون على جيل المستقبل.
المحجة : يظهر أن أصحاب الخطة في الآونة الأخيرة، قد خسروا المعركة -على الأقل في الساحة الفكرية- حين دافعوا عن الخطة من منطلقات لادينية، لذلك يلجأ بعضهم الآن إلى شرعنتها باسم الدين، من ذلك مثلا ما ذهب إليه أحدهم حين قال بأن الولاية في الزواج ليست ضرورية، واستدل على ذلك بكون الرسول صلى الله عليه وسلم قد تزوج من أم المؤمنين صفية رضي الله عنها دون إذن وليها، عندما وهبت نفسها له؟
-1 كيف يمكن أن ترد على من يطرح الولاية بهذا الطرح أعلاه مُستند إلى فعل الرسول صلى الله عليه وسلم؟
-2 ما رأيك في فكرة شرعنة الخطة دينيا، وما مبررات تغيير الخطاب إلى خطاب ديني عموما؟
د. الأنصاري : أولا، فيما يتعلق بالولاية كما طرحتها وبالاستناد إلى فعل الرسول صلى الله عليه وسلم مع أم المؤمنين صفية -مع اختلاف الأقوال في ذلك-، فإنه من الناحية الفقهية معلوم جداً أن هناك من الأحكام الشرعية ما يسمى بالخاص المخصوص الذي لا يقاس عليه، وهو الذي يسميه علماء الأصول بـ”حالة عين” لا يقاس عليها وحالة العين هذه التي لا يقاس عليها من الناحية الأصولية العلمية، تسمى علتها العلة القاصرة التي تبقى قاصرة على أصلها ولا يمكن أن تتعدى إلى غيره.
وبالنسبة للشطر الثاني من سؤالكم، والمتعلق بتغيير الخطاب والعمل على شرعنة الخطة دينيا، أقول إن الأحزاب اليسارية قد أخطأت خطأ سياسيا، وسقطت في ورطة بما للكلمة من معنى، خسرت بسببها وضعيتها وشعبيتها ومستقبلها، لأنه من البلادة السياسية فعلا أن يعمد شخص إلى مناطحة القضايا الجوهرية من الدين والمعلومة من الدين بالضرورة حتى لدى العامة، ولذا فمناطحة مثل هذه الأشياء هي كما قال الشاعر :
كناطح صخرة يوما ليوهنها
فلم يضرها وأوهى قَرْنَهُ الوعل
ولذلك فالعمل إلى شرعنة الخطة دينيا هو محاولة يائس، لأن ما في الخطة مقطوع بمناقضته للإسلام مناقضة صارخة وصريحة، وهذه هي مشكلتها بالأساس، وهي تحاول أن تتخلص منها ولن تتخلص منها إلا بسحبها كلية.
المحجة : معارضة الخطة لا تعني أن وضعية المرأة لا تحتاج إلى إصلاح وتغيير نحو الأحسن، ذلك أن الإجماع حاصل على أن هذه الوضعية هي وضعية مزرية ومأساوية للغاية، في رأيك ماهي أهم مظاهر هذه الوضعية المزرية على المستوى التشريعي، وبالضبط على مستوى مدونة الأحوال الشخصية؟
د. الأنصاري : كون وضعية المرأة متخلفة ومزرية، أمر صحيح، ولكن لا يقال المرأة وحدها فقط، بل المرأة والرجل أيضا، بل الشعب بصفة عامة، ومشكلة التخلف كما تعاني منها المرأة يعاني منها الرجل، نعم نقر بأن المرأة في وضعية أسوأ في بعض الأحيان ولكن أيضا قد نجد الرجل في وضعية أسوأ أحياناً، هذا على العموم، أما من الناحية الشرعية، فمدونة الأحوال الشخصية المغربية بالشكل الذي هي عليه الآن تحتاج إلى إعادة نظر، وهناك بعض المشكلات التي اجتهد فيها المشرع المغربي، وأحسب أن فيها أخطاء ينبغي أن يعاد فيها النظر، وأضرب لكم مثالا على ذلك، طلاق الخلع مثلا، له صيغة في السيرة النبوية، وله في المدونة صيغة أخرى مخالفة، حيث تشترط (المدونة) أن تثبت المرأة الضرر، وهذا يناقض مفهوم الخلع في الإسلام مناقضة صريحة، فالمرأة الصحابية التي قالت للنبي صلى الله عليه وسلم : إني لا أنتقص فلانا (تقصد زوجها) في خلق ولا دين، ولكني أكره الكفر في الإسلام، فدعته إلى النبي صلى الله عليه وسلم وعرض الرسول صلى الله عليه وسلم الطلاق على زوجها، وقال : يا رسول الله : أعطيتها حديقة هي خير ما أملك، فلتردها إليَّ، قالت المرأة : أردها وأزيد، ومما يستنبط من هذا الحديث أن المرأة لم تتضرر من زوجها بالمعنى الحقيقي للضرر المتداول الآن، وإنما كرهت صورته وعبرت بأسلوب كنائي رفيع. فقالت : ولكني أكره الكفر في الإسلام، وهذا كناية عن الزنا، يعني أنها تكره أن تكون فاسقة فاجرة كافرة وهي مسلمة، بمعنى أن زوجها لا يكفيها فتحتاج إلى طلاقه لتتزوج بزوج آخر، وهذا ما لا يمكن إثباته ماديا أبداً، لأنه أمر وجداني نفسي؛ فإذن إذا طُلِبَ من الزوجة أن تثبت الضرر، فإن الطلاق يصبح عاديا وليس طلاق خلع، الآن المرأة في الشرع إذا أثبتت الضرر فإن على الزوج أن يطلقها وحينئذ هو يتحمل مسؤولية الطلاق وأداء المصاريف وليس هي التي تؤدي، ففرق إذن بين إثبات الضرر وبين طلاق الخلع، وهذه ثغرة في المدونة، ولكن المشكل في خطة السعدي هي أنها لم تعمد إلى علماء متخصصين ليقوموا باستصلاح وإعادة ترميم ما يمكن أن يكون اجتهاداً خطأ في المدونة، ولكنه عمد إلى قوم إيديولوجيين من أجل استبدال الواقع بصورة ايديولوجية أسوأ بكثير مما هو واقع الآن.
المحجة : نريد منكم الاستاذ الفاضل كلمة أخيرة إلى كل من مناصري الخطة، ثم إلى معارضيها، وأخيرا إلى الشعب المغربي بصفة عامة؟
د. الأنصاري : بالنسبة للذين وضعوا الخطة أنصحهم نصيحة دينية أولاً، وأقول لهم أن الدين هو الحق وأن الموت حق، وأنهم سيبعثون وأنهم سيسألون عما أجرموا وأفسدوا، وأنهم إذا تسببوا في إنجاح شيء من هذا الفساد، فسيجرمون مرتين مرة بفسادهم ومرة أخرى بفساد كل من تبعهم بناء على الحديث الذي يقول فيه الرسول صلى الله عليه وسلم : ((من سن سنة سيئة فله وزرها ووزر من عمل بها إلى يوم القيامة)).
أما بالنسبة للذين يناهضون الخطة : فأدعوهم إلى زيادة المناهضة، أولاً، ولكن أنتقد نوعا من التصرف في عملهم، وذلك أنهم يعانون نوعا من الموسمية في عملهم، أعني بذلك أنه تأتي خطة إدماج المرأة في التنمية فيهبون إلى خطة إدماج المرأة في التنمية وتأتي قضية أخرى فينسون خطة إدماج المرأة في التنمية ويهبون لهذه القضية.
إن طابع العمل الديني في المغرب للأسف لازال يعاني من الموسمية، ليس هناك رؤية استراتيجية بعيدة المدى تتعلق بتأطير الشعب تأطيراً دينيا عميقا وبالعمل على بناء نوع من التحصين الذاتي للشعب المغربي الذي فيه الفعل الإيجابي أكثر من رد الفعل السلبي رغم أن رد الفعل لا يكون دائما سلبيا بل يكون أحيانا إيجابيا، والجسد الحي هو الذي يرد الفعل كما هو معلوم في علوم الحياة.
أما بالنسبة للشعب المغربي بصفة عامة، فأحضه كما أحض نفسي على زيادة التمسك بدينه وأحذره من موجة التفسيق والفجور الذي تهب به كل وسائل الإعلام وأشكال الموديلات المعروضة في الشوارع مما يؤدي إلى كسر حاجز التقوى في النفوس والقابلية النفسية لأن تتطبع العوائد بالفساد والفساد الخلقي بشكل خاص.
إنه لو حدث نوع من الغرق في الشهوات لا قدر الله بالنسبة لأغلب الشعب المغربي، فإن ذلك نذير بإهلاك ودمار وخراب حضاري شامل بناء على قول الله تعالى : {وإذا أردنا أن نهلك قرية أمرنا مترفيها ففسقوا فيها فحق عليها القول فدمرناها تدميراً}.
أجرى الحوار المراسل :
عبد اللطيف الأنصاري