ألم قلم : الخطة والمسيرة : أية علاقة وأية دلالة؟


في ممر من ممرات إحْدَى المؤسسات العمومية وبينما كنت واقفا مع بعض الأصدقاء في انتظار انجاز أوراق إدارية، وقفت بجانبنا امرأة وهي توزع دعوات لمسيرة نسائية قالت عنها إنها عالمية ستجري يوم 2000/3/12 بالرباط، وسيشارك فيها رجال ونساء، بهدف دعم حقوق المرأة.

بدأت التساؤلات من الواقفين في صمت، وإن كان البعض قد استفسر عن دواعي المسيرة ومغزاها وهدفها، فبادرت المرأة إلى القول : هذه المسيرة ليست لها علاقة بالخطة، (أي خطة ادماج المرأة) ضحك أحد الواقفين وقال : ولماذا نَفْيُ هذا الربط؟ فقالت : لأن الخطة فيها ما فيها، وأثارت ما قد أثارت، ونحن نريد تعزيز المسيرة لا غير.

هنا ينتهي المشهد، وتتابع المرأة سَيْرها لتوجه الدعوة إلى كل من تشم فيه أنه سيقف للاستماع إليها، بغض النظر عن موقفه من الدعوة واستجابته لها. ولا شك أن هذا المشهد يحمل دلالات عدة ترتبط بالدعوة وصاحبتها ومبرّراتها. وإن كانت المبرّرات أبرز ما في الحدث.

تبدو مبررات الدعوة إلى المسيرة في شقين، شق دعم حقوق المرأة، وشق علاقتها أو عدم علاقتها بالخطة.

إن القيام بالمسيرات حق مشروع لكل الناس، ذكوراً كانوا أم إناثا بهدف المطالبة بحقوق معينة، أو بهدف لفت أنظار الرأي العام إلى ما يعانيه أصحاب المسيرة من حيف أو ظلم.

فما هي الحقوق المهضومة للمرأة المغربية؟؟ وإلى ماذا تريد لفت أنظار العالم إليه؟!

إن رُواد الخُطة ورائداتها، ومنهم رواد المسيرة يطالبون بعدة أمور منها:

المساواة مع الرجل في حق الطلاق ونصيب الميراث، ومنع التعدد أسوة بما عند بعض الأمم في البلدان الغربية.

لن نناقش هذه النقاط لأن المعادلة غير منطقية والقياس غير سليم، ولقد أسيل مداد كثير في هذا الباب، ويكفي أن أقول إن المرأة الغربية تنطلق من منطلقات غير دينية، فهل تريد المرأة المغربية أن تنسلخ عن دينها وهويتها وحضارتها؟ لا أظن أن المرأة المغربية العاقلة ترضى بذلك.

إن شعار المسيرة يحمل عنوان “نتقاسم الأرض فلنتقاسم خيراتها” وهو شعار سليم، ونَقول لرواد المسيرة العالمية للنساء إن أغلبية شعوب العالم معكم إذا طُبِّقَ مضمون الشعار على الطريقة التي تقتسم بها خيرات الأرض حاليا، وأصبحت تُقْتَسَم بحصص متقاربة فقط، ولا أقول متساوية بين أمم الأرض.

إن جل خيرات الأرض تتصرف فيها مجموعة قليلة من الدول الغربية، التي تنفق ملايين الدولارات على القطط والكلاب، في الوقت الذي يعاني فيه الملايين من سكان الأرض من الجوع والأمراض والأوبئة. وفي الوقت الذي ينعم فيه سكان الدول الغربية بما لَذَّ وطَابَ مأْكَلاً ومشربا وملبسا ومركبا وملهى وكماليات، لا يجد فيه معظم سكان الأرض لا مسكنا مناسباً ولا مأكلا مغذيا، ولا مرْكَباً مريحا ولا ضروريات للعيش بله كماليات. فَلْنَدعُ هؤلاء إلى تقاسم خيرات الأرض كما نتقاسم سكناها.

هذا على المستوى العالمي فماذا على المستوى القُطري؟ إن كل شعب من شعوب الأرض يتقاسم سكنى الوطن فيما بين أفراده، فهل يتقاسم خيراته، لا أقول بشكل متساو، ولكن فقط بشكل متقارب أيضا. إن خيرات كثير من الأوطان في هذا العالم تتقاسمها مجموعة قليلة من ساكنيها، ففي الوقت الذي يتقاضى فيه البعض آلافَ الدولارات في الشهر الواحد لا يشتغل الآخرون إلا بمعدل دولار واحد في اليوم الواحد، هذا إن كان محظوظاً، أما غير المحظوظين من الفقراء والمساكين من الأميين وحاملي الشهادات العليا المعطلين فلهم الله. فلماذا لا تتقاسم خيرات الأرض مع هؤلاء، ولماذا لا نجد مسيرات عالمية تدعو إلى ذلك وبذلك، وخاصة عند أصحاب مرجعية دعاة المسيرة الحالية.

هذا يعني أنّ المسيرة غير بَريئة وغير بعيدة عن الخطة التي تريد الإجهاز على ما تبقى من الشرع الحنيف في الأحوال الشخصية، وهي حتى وإن كانت عالمية فإنها لا تخرج عن عالمية مؤتمر بكين والقاهرة الذي يعتبر مرجعية أولى لدعاة الخطة والمسيرة على حد سواء، ولهذا يحاول دعاة المسيرة الحالية إيهام الآخرين بألاَّ علاقَة بين المسيرة وبين الخطة بهدف إغراء الناس في المشاركة.

ثم ألا يراعي هؤلاء وهم يعترفون بأنفسهم بأن الخطة فيها ما فيها، ألا يكَفُّون عن هذه الحرب التي بدأوها ضدّ المجتمع وضد دينه ومقدساته، وثقافته وحضارته، ألا يمسكون عن تضليل المجتمع ونشر الانحلال والتفسخ فيه؟؟!!

د . عبد الرحيم بلحاج

اترك تعليقا :

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

يمكنك استخدام أكواد HTML والخصائص التالية: <a href="" title=""> <abbr title=""> <acronym title=""> <b> <blockquote cite=""> <cite> <code> <del datetime=""> <em> <i> <q cite=""> <strike> <strong>