إن التناوب الذي صفّقت له بحرارة كل الأيدي النظيفة، وساندته مختلف شرائح الشعب باعتباره بداية الطريق لاستِشراف المستقبل الذي يَضْمَنُ للشعب أن يَضَعَ بحرية ونزاهة الأمانة في يد من يستحقها، عسانا نتدارك ما ضاع زمن المهاترات والتآمرات.
هذا التناوب المعلق عليه هاته الآمال لا ينبغي -في نظر العقلاء- أن يتحول إلى فرصة للانتقام والأخذ بالثأر؟؟ ومِمَّنْ؟؟ من أعزِّ ما يملكه الشعب المغربي من مقدسات عليا، على رأسها : الدِّين ولغة القرآن، وعلى رأسها التاريخ المشترك بين العرب والبربر، والهم المشترك بين ذوي الغيرة الوطنية.
فإن لم يكن جَعْلُ المرجعية الإسلامية مهمَّشةً ومطاردة، ومرجعية البشر الإباحية هي المقدّمة والمحكّمة خيانةً وتواطُؤاً فلا ندري -في شرعنا ومبادئنا وتاريخنا ووطنيتنا- ماهي الخيانة؟؟ {يَا أىُّهاَ الذِينَ آمَنُوا لاَ تَخُونُوا اللَّهَ والرَّسُولَ وتَخُونُوا أمَانَاتِكُمْ وأنْتُمْ تَعْلَمُونَ}(سورة الأنفال).
الكثير من الدّول العاقلة الناهضة والتي ليس لها من الروابط مثلما للأمة الإسلامية، بل وليس لها رسالة شريفة مثل ما للأمة، ومع ذلك يتوحدون حول مشاعر وعواطف وروابط تعتبر بالنسبة للمسلمين ضئيلة، إذْ يعملون يداً في يد للنهوض بالوطن والإنسان والمؤسسات، رائدهم خدمة الصالح العام.
إن زعماء التناوب قد جعلوا من إدماج المرأة في التنمية -بمفهومهم المستورد- قضيتهم التي عليها يراهنون، وفي سبيلها يعادُون بشراسة ووقاحة، متناسين روابط التعايش والانسانية، ومتناسين -في نفس الوقت- أسس التنمية الحقيقية المتمثلة في تعليمها وتثقيفها بثقافة التساكن والتراحم والتعاون والتكامل في ظل القِيم والشرف، وليس بتَثوِيرِها على الرجل والدين والخلق والفضيلة، بدون أن يَدْرُوا -ولا هي تدري- أنهميحاربون في غير ميدان. فهل هناك اختلاف على حفظ كرامة المرأة وصيانة آدميتها بكل صفاتها؟؟ وهل هناك اختلاف على تفعيل دورها في كل ما يناسب طبيعتها وأنوثتها وأمومتها؟ أم تريدون قَلْبَ الأوضاعِ فترجّلون المؤنث وتؤنثون المذكر؟؟ إن ما تريدونه مخالف السنن الكونية ولطبائع الأشياء، ولا يعقُبه في النهاية إلا الخراب.
ثم هل هناك في قوانين الدنيا كلها ما يصل إلى واحد في الألف مما ضَمِنَهُ الإسلام لها من كرامة وحقوق؟؟ وإذا كنتم تجهلون الإسلام فتواضَعُوا لله وتعلموه، وإذا كنتم تعادونه لوجه فلان أو علان فاتقوا الله في هذه الأمة وفي أنفسكم، فالسعْي إلى كسب المجد على ظهر الإسلام قاصِمٌ للظهور، ومُوصِلٌ إلى توقُّد القبور، على من امتلأت نفوسهم بالآثام والشرور.
هل كُتِبَ على أبناء الوطن أن ينازلوا بعضهم بعضا في غير طائل، إلا إرضاء لشهوة المستعمر، وشهوة أهواء بعض النفوس الدخيلة علىقيم البلد وأصالته منذ قرون؟؟!
هل يفكر هؤلاء بعقولهم عندما يتبنَّون -أو يتبنَّيْن- مرجعية مخالفة للفطرة والعقل والإنسانية، قبل أن تُخالف الشرع والدين والخلق؟ وهل يرضى هؤلاء أن يأتي بعدهم عما قريب من يلعن من كان السَّبَبَ في إباحية الشذوذ والدّعارة وجَعْلِ الجنس هو الهَدَفَ الأسمى للحياة؟؟ ومن كان السبب في إشاعة ثقافة الفاحشة بكل صورها؟؟ ومن لا يَفْتُر عن حَثِّ الإنسان ذكراً وأنثى على أن يعيش بنصفه الأسفل الهابط؟؟ صدق الله العظيم إذ يقول : {أفَمَنْ يَمْشِي مُكِبّاً على وجْهِهِ أهْدَى أمَّنْ يَمْشِي سَوِيّاً على صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ}(سورة الملك)، وهل يرضى هؤلاء أن يتحمَّلُوا سُخْط وتبرُّم البطالين والبطالات، وشَكْوى العوانس والعزاب الذين أفنوا زهرة عمرهم فما عثروا على عمل، ولا قدروا على التزوج بزوجة يؤسسون بها بيتا تملأه السكينة وتُظَلِّلُه الطمانينة؟؟ فماذا تقولون أمام ربكم وأمام التاريخ وأنتم تضعون العوائق في أوجه الحلال، وتسهلون للناس الحرام؟؟
الكثير من مداد الأقلام مازال لم يجف من اللعنات المصبوبة على من كان الكثير من القوم يتمسحون بأعتابه، ويحرصون على الظهور معه في الحفلات الإعلامية. أتظنون أن التاريخ يرحم وأن السلطة تدوم؟؟ لو دامت لغيركم ما وصل اليكم فتاتها ومرقها وعرقها ووسخها؟؟
إن التناوب في عرف العقلاء عبارة عن تداول السلطة وفق مبادئ وطنية لا خلاف عليها، ووفق قواسم مشتركة لا جدال حولها، مع احتمال الاختلاف الشريف النظيف، فيكون التناوب عبارة عن مرحلة تاريخية خالية من المزايدات والأنانيات، فإذا مرَّتْ تلك المرحلة جاء من يزيد عليها، لا من يَهْدمها ليَبْدَأ من جديد، فقد تعِبت الشعوب من الهدم الحاقد والبناء الزائف.
إن التطبيل للخطة وتجييش التأييد المحلي والعالمي لها، لا يَدُلُّ إلا على أن وراءها ما وراءها.
((ومَهْمَا تَكُنْ عِند امْرِئٍ منْ خَلِيقَةٍ
وإنْ خَالَها تَخْفَى على النَّاسِ تُعْلَمِ))
إن الشعوب لا تتقدم بالعصبية الضيّقة العمياء، ولا تتقدم بالتفريط في ثوابتها ومقدساتها المُسَلَّمة، ولهذا مازال يحدونا الأمل في أن يُراجع الوطنيون المترفعون عن الحساسيات والخلفيات الفكرية أنفسهم، حتى يحولوا دون إضاعة الوقت والجهد في مشروع خطة ليس له من واقعية في تناول قضايا المرأة إلا العنوان، وبذلك نكسب الرهان.