جدد إيمانك


الانسان بعد الشرع والمنهاج والأرض أهم عنصر التغيير المنشود لإعلاء كلمة الله تعالى، فإذا ما تراخت الهمة الإيمانية، وفترت العزمة الروحية ارتد الإنسان إلى أسفل سافلين.

1- سوء الفهم :

ولعل أهم الأسباب التي تؤدي بالفرد إلى الفتور عدم فهم الدين نفسه، وقد يبدو هذا  غريبا أول الأمر، لكن الأغرب منه أن نتصور مسلما ذاق حلاوة الإيمان، وفهم دينه فهما صحيحا ثم ينصرف عن العمل في ميدانه.

وأقصد هنا الفهم المعتمد على الكتاب والسنة، والذي يستطيع أن يقيم في ذهن الأخ المعالم الرئيسية للحياة الإنسانية كما يريدها الاسلام.

إن الإنسان إذا اتضحت أمام ذهنه هذه الحقائق صعب عليه ـ أو استحال ـ أن يحيا دون إسلام، ووجد نفسه مدفوعا ـ بصدق ـ إلى البحث عن المجموعات العاملة في هذا الميدان يهتدي بهداهم، ويصلح أخطاءهم، ويتعاون معهم على الوصول إلى الحق.

ويتصل بأمر الفهم أيضا ما يصيب الأخ من “ملال” من كثرة ما يسمع من حديث مكرر في الاجتماعات والحفلات والمؤتمرات، فيحس أنه يعيش في دائرة ضيقة لا تتسع، وأنه يدور في حلقة مفرغة، وقد تكفيه هذه الأحاديث سنة أو أكثر أو أقل، ولكنها ـ وحدها ـ لا تكفي أن تظل مادة فكره بعد وقت طويل.

والأخ في هذه المرحلة على مفرق طرق :

أ ـ إما أن يتولاه السأم من أمره وممن حوله، فلا يواظب على حضور المحاضرات والأسر، وتتراخى صلته بإخوانه ثم تقل وقد تنقطع.

ب ـ وإما أن يكون أخا يقظا، لا يعتمد على ما يسمع فحسب، ولكن على تحصيله، فتتفتح أمامه ـ بجهوده ـ أبواب من المعرفة الإسلامية تزيده إيمانا بما يؤمن به، واستمساكا بالحق الذي يعيش به وله.. هذا إذا كانت صلته بالمصادر الأصلية الصحيحة. وقد يقع في أسر بعض الكتب التي تصور الإسلام تصويرا مشوها، فيكون من وراء ذلك خطر على نفسه وعلى من يتصل بهم ويؤثر فيهم.

والقراءة ـ من ناحية أخرى ـ قد تستولي على معظم وقت الأخ وتفكيره، فتحول دون اتصاله المنظم بإخوانه، ويتحول نشاطه إلى تكوين نفسه  والعناية بها، عناية قد تصرفه عن مساعدة إخوانه، الأخذ بيد البادئ والتعاون مع الأخ الزميل والاسترشاد برأي الكبير.

ويصل أحيانا إلى مرحلة يكاد يكون من الصعب فيها  التمييز الدقيق بين التكوين الفردي من ناحية، والترف العقلي وإيثار الراحة بين الكتب والأهل من ناحية أخرى، وفي هذا يحتاج الأخ إلى مراجعة تصرفاته وتنظيم وقته، ليستطيع إيجاد توازن بين التكوين والعمل في المجموعة.

والمفروض أن تكون الدعوة ـ بأنظمتها ـ بيئة صالحة يتعاون فيها أفراد يحاولون أن يتخذوا إلى  ربهم سبيلا، وهي حقل يغرسون فيه بذور الإسلام ويتعهدونها حتى تثمر، فيزداد يقينهم بصلاحيتها أساسا للحياة. فهل يستطيع الدعاة أن يكونوا هذه البيئة الصالحة؟..

2- بروق المطامع :

وقد يقبل الأخ على العمل لدينه، ويستشعر الأنس بنماذج تعمل معه في الميدان، ويسمع عن فلان وفلان.. هذا خطيب.. وهذا كاتب.. وهذا مسؤول.. ويراهم على المنابر يرسلون الصواعق، أو ينقلونه إلى جو هادئ جميل، وتمر الأيام والشهور والأعوام فإذا به يزداد اتصالا بهم، ويبدأ في إدراك بعض الحقائق المرة، ويرى بعض من كان يثق فيهم ذواتا تضطرب في نفوسهم نوازع الدنيا، ويحس الفارق الضخم بين أقوالهم وأفعالهم فيفجع! ويزداد إحساسه بالفجيعة كلما كما أصفى قلبا وأطهر معدنا وأشد اندفاعا، وتضيق نفسه.. وتضيق.. وبفضل أن ينصرف عن إخوانه إلى حياته الخاصة يدبر أمرها دون أن يتحمل تبعة عابث أو منافق عليم اللسان!

3-الأمجاد والمشكلات :

وناحية أخرى تمتص حيويتنا امتصاصا رهيبا، وهي إضاعة الوقت في الحديث عن أمجاد الإسلام والفئة المؤمنة ومشكلاتها، وأود ألا تعجبوا من وضع الأمجاد والمشكلات في قائمة واحدة، فكلاهما حديث عن الماضي يستهلك ما بين أيدينا فيما خلفنا.

ولا أود أيها الإخوة ان أحجر على عقولكم، فإن هذا لا يقول به عاقل، وإنما أود ـ في هذه السطور ـ أن أتحدث عن الأثر الضار الذي تركه هذا الأسلوب في حياتنا، فانصرفنا عن بناء الحاضر والتمهيد للمستقبل إلى أسلوب انطوائي يحيا في الماضي بخيره وشره.

وسلوا أنفسكم كم أضعتم من شهور وشهور في أحاديث تنتقدون بها أنفسكم وغيركم، يخرج منها الأخ ثقيل النفس ضيق الصدر، وقد القي بين عينيه ستار جعل المستقبل أمامه مظلما مرهف الوحشة. والتراجمة الذين يقفون أمام الآثار، يتحدثون عن المجد القديم لا يقدمون إلى  المستقبل شيئا، والخطباء الذين يتأملون من خطإ قائم لا يقدمون إلى المستقبل شيئا.

إنما يخط طريق المستقبل من يعرفون ما ضيهم وحاضرهم، ثم ينتقلون في سرعة وإحكام إلى وضع الخطوط العملية التي تتحول بها العبرة والتجر بة إلى مشروع متكامل يبرز من بعد حضارة واضحة المعالم، سليمة الأسس والأهداف.

اترك تعليقا :

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

يمكنك استخدام أكواد HTML والخصائص التالية: <a href="" title=""> <abbr title=""> <acronym title=""> <b> <blockquote cite=""> <cite> <code> <del datetime=""> <em> <i> <q cite=""> <strike> <strong>