من المعلوم أن الإعلام يمتص المال بنهم كبير، وأنه قطاع لا يبتغي الربح التجاري بقدر ما يسعى إلى تبليغ الرسالة، خصوصا الإعلام المستقل الملتزم، بأداء رسالة نيابة عن الأمة، وإعذارا إلى الله تعالى.
إن الإعلام من هذا النوع يعتمد في التمويل أساسا على الاشتراكات والتوزيع، وعلى تضحية العاملين فيه، وعلى بعض التبرعات من المحسنين المقتنعين بنفس الرسالة.
وقد يستفيد من بعض الإعلانات الإشهارية.
بخلاف الإعلام المستقل غير الملتزم المدعوم بشكل غير رسمي، وبخلاف الإعلام غير المستقل(الحكومي والحزبي) المدعوم بشكل رسمي، مثل : المنح السنوية، والدعم للورق، وقصاصات أنباء وكالة المغرب العربي لأنباء بالمجان، والإعلانات الإدارية.. هذا بالإضافة إلى امتلاك المقرات والتجهيزات كالمطابع بمساعدة كبيرة للدولة، وإعفاء ضريبي تام، ثم شركات التوزيع التي توزع بنسبة أقل.
وأمام العقبات المادية التي تواجه الإعلام الملتزم، نجد التضييقات تتوالى عليه، فعوض دعمه كالآخرين، ترهق ميزانيته الضعيفة سنويا بمصاريف إضافية كبيرة تؤدي إلى تعثره وإفلاسه وتوقفه.
ففي السنة الماضية عرف سوق الورق والطباعة زيادة كبيرة في التكلفة وذلك بنسبة 17/
وهذه السنة تفاجئنا مصلحة البريد بمضاعفتها لتكلفة الإرسال بنسبة 200/ فبعدما كانت تكلفة إرسال النسخة الواحدة 0.25 درهما أصبحت اليوم 0.75 درهما.
معنى هذا أن الجريدة التي ثمنها 2.50 درهما أصبحت تصل إلى يد المشترك في الداخل وثمنها قد أصبح 3.25 درهما، أما في الخارج فتصل إلى 6 دراهم، وبالنسبة لبعض الدول 7.50 دراهم.
فكيف يستطيع الإعلام الملتزم أن يخترق هذا الحصار فتأدية رسالته، في وقت التهافت على إعلام العبث والدعارة، وزمن التشجيع للإلحاد والشعارات الجوفاء الفارغة، التي ألهت الأمة وقتلت فيها روح التحدي والطموح.
إن هذا هو القتل غير المباشر لحرية الصحافة، والوأد الخفي للرسالة الحضارية للأمة، وفق مخطط رهيب تحيك خيوطه أصابع الدمار في غفلة عن الأمة الساهية.
{وإذا الموؤودة سئلت بأي ذنب قتلت وإذا الصحف نشرت} علمت النفوس العابثة بمقدارات الأمة ما أحضرت أمام رب العزة والجلال.