أحمد الفيلالي
من جديد تقوم مختلف العمالات بتنسيق وتعاون مع المجلس الوطني للشباب والمستقبل بإجراء إحصاء للمعطّلين الحاصلين على الشهادات، وذلك طيلة الستة أشهر المتبقية من سنة 1996. وهذا الإحصاء هو الثاني من نوعه في ظرف أقل من ست سنوات، بالإضافة إلى الإحصاء الخاص بحاملي الدكتوراه ودبلوم الدراسات العليا والذي كانت نتائجه العملية إيجابية حسب ما يُصرح به.
ومرة أخرى يطرح التساؤل، هل هناك أمل بعد انتهاء هذا الإحصاء؟ الأمل المتمثل في إيجاد شغل مناسب لمختلف تخصصات هؤلاء الخريجين المعطلين، لأن هناك حاجة كبيرة إليهم وإلى تخصصاتهم، إذ البلد مازال في طور البناء، بل إن مساحات شاسعة من الأراضي غير مستغلة، ناهيك عن الثروات البحرية التي من الأكيد أنها تمثل تسعة أعشار الرزق مادامت البحار والمحيطات تمثل 90% من المساحة الإجمالية لكوكبالأرض بينما اليابسة لا تشكل إلا 10%، والمغرب -ولله الحمد- بلد يطل على البحر على طول 3500 كلم ولكن استفادته من هذه الثروة البحرية ضعيفة جدا.
قلت إن البلاد بحاجة إلى أضعاف عدد هؤلاء المعطلين، لذلك وجب البحث عن الطرق والوسائل الكفيلة بتوفير التمويل اللازم لتشغيلهم في المجالات التي تكوّنوا فيها، بمعنى أن لا يكون هاجس المسؤولين هو التشغيل من أجل التشغيل كما هو حاصل منذ سنوات، فالتشغيل مسألة تنموية أكثر منها اجتماعية أو إنسانية أو سياسية كما يفهمها مسؤولو الأمن ببلادنا، وعليه فإن التشغيل من أوجب الواجبات المنوطة بكل حكومة. وللتأكيد على أن هناك حاجة حقيقية لهؤلاء المعطلين، نكتفي بإعطاء الدليل من قطاعين عموميين فقط، مع التذكير أن الحكومة ليست ملزمة بتشغيل كل المعطلين في سلك الوظيفة العمومية، بل إن القطاع الخاص هو بحاجة أكثر اليهم، إذا عملت على تشجيعه ومساعدته.
القطاع الأول : وهو قطاع التعليم، فمن المعلوم أن ظاهرة الطرد ولا إجبارية التعليم مازالت قائمة بالرغم من أن الدولة جعلت من الطور الابتدائي والإعدادي طورا أساسيا ينبغي على كل مواطن أن يجتازه، لذلك نجد حوالي 563 ألف تلميذ لا يمرون بالطور الثاني من هذا التعليم الأساسي، الشيء الذي يجعل الخصاص محددا في 31 ألف مُعلِّمٍ إذا صُحح الوضع.
كما أن نسبة 40% المحددة لتصعيد التلاميذ إلى الطور الثانوي، نسبة ضعيفة، لذلك وجب رفعها على الأقل إلى 50% الشيء الذي سيجعل هناك حاجة إلى 27 ألف أستاذ جديد، ثم إن مختلف أطوار التعليم لا يستفيد منها إلا 80% من المغاربة الذين هم في سن التمدرس، والـ20% المتبقية تفرض عليهم الأمية منذ الطفولة، لذلك وجب تصحيح هذا الوضع كذلك، وبالتالي فإننا سنكون بحاجة إلى أكثر من 58 ألف مدرس. ناهيك عن إحالة 50% من رجال التعليم الحاليين إلى التقاعد في نهاية القرن، وعددهم 87 ألفاً. مما يجعل الخصاص الإجمالي في قطاع التعليم حاليا هو 203 ألف مدرس.
أما القطاع الثاني وهو قطاع الصحة، فإنه من المعلوم أن المعدل المطلوب بالنسبة للأطباء هو طبيب لكل ألف نسمة وبالنسبة للتمريض 4 ممرضات لكل طبيب، وبالنسبة لمعدل الأطباء فإننا نجد بعض البلدان ينخفض فيها هذا المعدل إلى طبيب لكل 400 أو 500 نسمة كما هو الحال في بلجيكا وهولندا، وإلى طبيب لكل 643 نسمة في اليابان، بل إن بعض الدول العربية كالأردن والإمارات والسعودية والكويت ولبنان وموريتانيا يصل فيها المعدل إلى طبيب لكل 667 نسمة. بينما في المغرب للأسف نجد أن هذا المعدل يقفز إلى طبيب لكل 3676 نسمة، بحيث لا يوجد في المغرب سوى 7103 طبيب : 3779 في القطاع العام و3324 في القطاع الخاص، أما عدد الممرضين والممرضات فإنه ضعيف جدا، فالمطلوب في الواقع أن يكون عددهم -حسب العدد الحالي للأطباء- هو 28412 ممرض وممرضة، إلا أن مجموع المشتغلين في قطاع الصحة -بدون احتساب الأطباء والصيادلة- هو حوالي 24 ألف بما في ذلك المستخدمون والإداريون والتقنيون.
وهكذا وبالنظر إلى عدد السكان الحالي، فإنه من المفترض أن يكون في بلادنا : 26 ألف طبيب و104 ألف ممرض وممرضة. وهذا يعني أن العجز المسجل حاليا هو حوالي 19 ألف طبيب و82 ألف ممرض وممرضة، ناهيك عن عدد المناصب الأخرى المرتبطة بهذا القطاع.
إن الخصاص كبير في كل القطاعات، وبالتالي فإنه لاحاجة إلى إحصاء المعطلين، الذين نعلم تقديراتهم جيدا، ولكن الحاجة الآن هي في وضع مخططات التشغيل وفي أسرع الآجال.