محمد أبو يوسف
من بين علل الفكر الإسلامي في واقعنا الثقافي ما هو موجود وحاصل من أفكار ودراسات ترجع جل مشاكل الأمة وأوضاعها المتردية إلى العدو الغربي، صليبيا كان أو صهيونيا، وفي مقابل ذلك هناك اتجاه بدأت تتضح معالمه وقسماته المنهجية في الساحة الفكرية يعالج الأوضاع المعاصرة من منطلقين أساسين : ذاتي، وهو الأخطر، وخارجي، وهو ما نصطلح عليه باتجاه “نظرية القابلية”.
اتجاه نظرية المؤامرة أو الغيرية :
من بين تجليات الأزمة الفكرية المنهجية المعاصرة ما نجده في الواقع من سيادة ورواج للنظرة التطهيرية والقدسية للذات لدى المثقفين وجل الناس ويتم ترجمة هذه النظرة واقعيا بإرجاع سبب الاخطاء والمشاكل والأزمات إلى الغير :
-1 على المستوى الشخصي والتجربة الفردية: في أي خصومة تعرض على المحاكم أو تصادفك مع أصدقائك تجد طرفيالصراع كل يلوم غيره ولا أحد يعترف. ومنطق العقل والشرع لا يحتمل مثل هذا التناقض والعبثية في تفسير المشاكل.
-2 على مستوى الأحداث الدولية، لا تسمع إلا التجريم المتبادل والتهم المتبادلة.
-3 على المستوى الحضاري تفسر أوضاع الأمة عند الأغلب بأنها نتاج مؤامرات ومكائد الصهاينة والصليبيين.
إن هذا الاتجاه هو عبارة عن سيادة نمط من الفهم في عقول الناس. فهو فكر بشري لا سند له، علميا كان أو شرعيا. فهو عبارة عن رد فعل لا يؤسس لرؤية كلية، بل هو نظر جزئي انفعالي قاصر. من هنا ننطلق في نقدنا له ورفضه.
صحيح أن خط التآمر على أمتنا يمتد عبر التاريخ، ولازال مستمرا منذ العهد النبوي مرورا بعصور الخلافة حتى فترات الاستعمار وإلى الآن.
لكن ليس من المعقول أن تتعلق العقول والأذهان -تحت هذه الضغوط- بهذا الخط وتنطلق منه لتفسر احوال وأوضاع الامة من خلاله.
اتجاه نظرية القابلية :
إن بروزهذا الاتجاه، على الساحة الاسلامية، من مؤشرات النضج المنهجي لدى المفكرين والمثقفين لسببين أساسيين :
-1 ملاءمته وانسجامه مع روح الدين الاسلامي.
-2 واقعيته. فهو المدخل لطرح الأجوبة عن الاسئلة التي يعج بها الواقع كله. ومن أصحاب هذا الاتجاه في الفكر الاسلامي ثلة من المفكرين الاسلاميين الذين وضعوا الاصبع على الداء الحقيقي وفسروا ما يقع للأمة، من ظلم واضطهاد واستضعاف وما هي فيه من تخلف، بأنه نتيجة مباشرة لعوامل داخلية، وأن الله لا يغير ما بالامة من ظلم واستضعاف وتخلف إلا بتغيير أبنائها لما بأنفسهم من عوامل الانحطاط، والتخلف والتفرقة والتواكلية واليأس وانتشار الافكار المتخلفة والثقافة الباطلة والرجعية، وإحلال معاني الإيمان واليقين والصبر والثقة والعمل في النفوس، الامر الذي يستوجب الدعوة الى ترسيخ نقد ذاتي مسؤول لتاريخ الامة وواقعها وثقافتها وذلك كخطوة أولى في طريق العلاج، ثم التأسيس للفعل وعلى رأسه “الفعل الفكري والعلمي”، وذلك باستيعاب الاصول الفكرية والتراثية وإدراك العلوم المعاصرة لأجل التمكين للمبادرات الجادة والإبداعات البانية التي تهدف وترنو لإعادة المجد لهذه الامة وإعادة جولة التمكين والريادة في حلتها المعاصرة.