محمد أبو يوسف
إن الإسلام ما أكد على شيء مثل تأكيده على التوحيد اعتقادا واجتماعا{إن هذه امتكم أمة واحدة وأنا ربكم فاعبدون}(الانبياء : 92)
فالقرآن يدعو في آيات كثيرة إلى الحرص على وحدة الصف واجتماع الكلمة وينهى عن التفرق وتحويل المجتمع إلى فرق واحزاب وطوائف وجماعات تتناحر وتتصارع وتختلف وتتسارع. {واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا واذكروا نعمة الله عليكم إذ كنتم أعداء فألف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته اخوانا}(آل عمران : 102)
ولكن المسلمين -للأسف الشديد- لم يعملوا بدعوة القرآن فتفرقوا عوض أن يتوحدوا وكأن كل ما لدى هذه الامة من أوامر ونواه وتعاليم يحثها على الاختلاف ويرغب بالتدابر والتناحر.
أسس الوحدة ومرتكزاتها
أسس الوحدة الاسلامية منصوص عليها في أصول القرآن الكريم العامة وقواطع الدين فيه، فهي تحتل مرتبة الأساسيات والكليات والأًحوال في هذا الدين، فلا مجال لتبديلها أو للاجتهاد فيها.
فالاسلام يعتبر المسلمين أمة واحدة ووحدتهم منبثقة من :
1- وحدة المعبود
2- وحدة الرسول
3- وحدة الدستور
4- وحدة الهدف
ومن خلال هذه الأسس يمكننا تحديد المفهوم الدقيق لحزب الله فكل من آمن بالله على آساس القرآن، فهو من حزب الله أيّاً كان جنسه أو عرقه أو لونه أو انتماؤه، وكل من كفر بالله وحارب حزبه وقاوم دعوته فهو من حزب الشيطان أيا كان لونه أو عرقه.
والقرآن هو الذي يجمع قلوب البشرية على مبدإ واحد ودستور واحد وبه تجتمع كلمة الامة الاسلامية.
أين الخلل؟
ليس هناك ما هو أشد خطرا في الاسلام من العمل على إضعاف الأمة وإلقائها في مستنقع التخلف والاستخذاء والمهانة..
والقرآن صريح في دلالته على أن الله لا يغير ما بأمة من داء وتخلف حتى تغير هي أولا ما بنفسها كما أن مصائبها منها هي >قل هو من عند أنفسكم< >فمن نفسك< ولا أدل على ذلك ما في الناس من أمراض : زيف البواطن ووهن العقيدة وضعف اليقين وخور العزائم وقصر النظر وسريان الأنانية وشهوة المناصب ودنو المقاصد وتفاهة الغايات المادية العاجلة الرخيصة وفراغ النفس من القيم الانسانية والمثل العليا.
داء التحزب والتفرق
إن التفرق بين المسلمين يتخذ اشكالا متعددة تشكل خطرا على قوة المسلمين ومناعتهم بل ان التمذهب والتمزق بين المسلمين هو الفرصة الوحيدة والناجعة لأعداء الاسلام للاجهاز على الأمة.
لذلك نجد القرآن يشدد النكير على التحزب والتفرق ويبين أن الذين يفرقون الامة شيعا واحزابا لاعلاقة لهم بالاسلام، ولا يحق لهم الانتساب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ويقرر القرآن براءة رسول الله صلى الله عليه وسلم من هذا الصنف من الفصائليين والحزبيين {إن الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعا لست منهم في شيء}-الانعام : 151-
كما حذر القرآن من محاكاة اليهود والنصارى في انقسامهم شيعا وأحزابا وتفرقهم وانحرافهم عن الدين القويم، ووعد الذين يسلكون طريق التفرق والتحزب بأشد العذاب{ولا تكونوا كالذين تفرقوا واختلفوا من بعد ما جاءهم البينات واولئك لهم عذاب عظيم}-آل عمران : 105-
يقول ابن مسعود رضي الله عنه : “الخلاف شر”. وجاء في الحديث : ((إنما هلكت بنو اسرائيل بكثرة سؤالهم واختلافهم على انبيائهم)).
ولقد كان الرسول الكريم يدرك ما في التفرق من مخاطر فكان يحذر منه ويجتث بذرة الخلاف قبل أن تتنامى. فكان يقول : ((لا تختلفوا فتختلف قلوبكم)) (اخرجه البخاري).
وعن عبد الله بن عمر رضي الله عنه قال هجَّرت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يوما فسمع أصوات رجلين اختلفا في آية فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم يعرف في وجهه الغضب فقال : “إنما هلك من كان قبلكم باختلافهم في الكتاب”.
وقال لآخرين “لا تختلفوا فإن من قبلكم اختلفوا فهلكوا”.
التعصب والعصبية
المقصود بالعصبية التناصر بالحق وبالباطل لاشتراك المتناصرين بالنسب، أي نسب القبيلة أو السلالة أو الاسرة، وكذلك لاشتراك المتناصرين في الاقليم الواحد أو المهنة الواحدة أو الاتجاه الواحد وقد أنكر الاسلام هذه العصبية وأمر بنبذها فقد جاء في الحديث الشريف عن النبي صلى الله عليه وسلم ((ليس منا من دعا إلى عصبية وليس منا من مات على عصبية)) وقال ((دعوها فإنها منتنة)).
إننا نجد في الواقع من اسباب تخلف الامة انتشار التعصب المذهبي الذي بسببه عطلت الاحكام والتكاليف مما أخل بتوازن المجتمع الاسلامي فالتعصب المذهبي والجمود الفقهي يتعارض مع طبيعة القرآن في البيان الذي من لوازمه استمرار الاجتهاد بالرأي في كل زمان، ومن مثل التعصب المذهبي التعصب الجماعي أو الحركي وبعبارة أدق تصنيم التنظيم الذي يعمل على تفجير الأوضاع السياسية والاجتماعية سواء في ساحة الواقع العام أو في ساحة الواقع الطلابي الجامعي وهو مرض ينخر في ذات العمل الاسلامي بسبب الجهل وقلة العلم وتحكيم الهوى مما يطلق العنان للرغبات النفسية الذاتية كالرغبة في التظاهر بالفهم والحركة وكل هذا من صنيع الشيطان وتزيينه.
ما الحل؟
إن الحل يكمن في تطهير نفوسنا وتزكيتها بالقرآن والسنة والتحلي بحلية العلماء في الفهم والتنزيل والسلوك.
وبرجوعنا إلى السلف الصالح تنحل الكثير من المعضلات ففي هذا الموضوع نلاحظ ما يلي :
اختلف الصحابة والتابعين والأئمة وكان اختلافهم اختلاف رحمة يزينهُ الأدب، فقد كان الصحابة يتحاشون الاختلاف ما امكنهم ذلك، فإن وقع اختلاف لم يفسد النيات ولم تتغير القلوب بل التزموا التقوى وتجنبوا الهوى وتكلموا بأطايب الكلم، وتجنبوا الألفاظ الجارحة بين المختلفين مع حسن استماع كل منهم للآخر وبرغم اختلاف الأئمة الفقهاء لم يمنعهم اختلافهم من التزام اخلاق الاسلام، يقول الامام الشافعي : “مالك بن أنس معلمي، وعنه أخذت العلم، واذا ذكر العلماء فمالك النجم، وما أحد أمن علي من مالك بن أنس”.
وعن عبد الله بن الامام أحمد قال : “قلت لأبي أي رجل كان الشافعي، فإني اسمعك تكثر الدعاء له؟ فقال : يا بني، كان الشافعي، رحمه الله كالشمس للدنيا وكالعافية للناس، فانظر هل لهذين من خلف أو عوض؟”.
وهكذا اختلف الأئمة في كثير من الامور الاجتهادية كما اختلف الصحابة والتابعون قبلهم، ولم يكن منشأ اختلافهم هوى او شهوة أو رغبة في الشقاق بل كان مقصدهم الحق وانفتاح على الناس لتيسير أمورهم.
إن الاسلام يحتاج إلى رجال يتمثلون أوامره وقيمه وأخلاقه لا إلى أناس يعكسون محرماته ونواهيه واقعا ينفر الناس من الدين ويشوه صورة المسلمين.