الضبط والانضباط


ذ. عبد الحفيظ الهاشمي

تعريفهما :

جاء في لسان العرب : “الضبط لزوم شيء لا يفارقه في كل شيء، وضَبَط الشيء حفظه بالحزم، والرجل ضابط أي حازم… ويقال فلان لا يضبط عمله إذا عجز عن ولاية ما وليه. ورجل ضابط قوي على عمله”(لسان العرب/الضبط).

“ومن المجاز : هو ضابط للأمور وفلان لا يضبط عمله : لا يقوم بما فوض إليه، ولا يضبط قراءته : لا يحسنها”(أساس البلاغة/ضبط).

والانضباط مصدر انضبط وهو فعل ضبط مزيد بحرفين، انتقل بالمطاوعة -وهي معنى من معاني صيغ الزوائد- إلى معنى اخر مركب من معناه الأصلي وهو : الحفظ بحزم، وما اكتسبه من الصيغة الجديدة وهو : الامتثال وعليه يصبح الانضباط هو : الامتثال بحزم. وانْضَبَطَ : صيغة تدل على اللزوم والقصر وتجعل المتعدي لازما.

وفي الاصطلاح : الضبط والانضباط سلوك قويم ينتقل بالفرد من السلبية الى الفاعلية ومن الدعة إلى الحزم. ومن الفوضى إلى الالتزام…

وفي اصطلاح هذا العرض المتواضع : الضبط والانضباط كلمتان خفيفتان على اللسان، غائبتان عن الجَنَان في كثير من الأحيان، بعيدَتَان عن التطبيق في الزَّمان والمَكَان، إما بسبب ضُعْف الإيمان، أو بالتهَوُّرِ والنِّسيان…

وهما معا قرينان لتحقيق الغاية ويمكن اعتبارُ أحدهما وسيلة للآخر وأداته، فبالضَّبْطِ نحقق الانضباط وبالانضباط، نصلُ إلى الضَّبْطِ، وما اختيارُهما اليوم موضوعاً للنظر والمناقشة إلا لقيمتهما العملية في العمل البشريِّ عامةً، والعمل الاسلاميِّ خاصة، ولِمَا يترتب عن تضييعهما من نتائج خطيرة.

-        قيمتهما العملية :

إن الضبط والانضباط صورتان للسمو العقلي، تتأكد منهما درجات الوعي العملي، وتتجسد من خلالهما مداركُ الحسِّ الإداريِّ، فبهما تؤسِّس الحقيقة الفعلية ذاتَها، وتُحَقِّقُ النتائجُ العملية إيجابيتَها… ولطالما تسلحت بهما مجالات حساسة وفاعلة، جعلتهما ركيزة قوتها، كمجال العسكرية، الذي لا يفتُر عن الاجتهاد في بلورة طرقهما وأساليبهما لتحقيق الفاعلية المرجوة، ونظرة سريعة في واقع هذا المجال، توضِّح مدى ما يتمتع به الجنود والضباط من استعداد دائم لتجسيد الانضباط عند تلقي الأوامر. وتوطين الجِدِّية بضبط المسؤوليات وإحكام أَسْرِها.

وغيرُ خافٍ أن ذلك يتم بتربية خاصة قِوامُها التحسيسُ بقيمة المسؤوليات، وبيان مقدار الدور الذي يلعبه الجنديُّ أو المسؤولُ في ذلك، مع حَمْله على الاعتقاد بأهمية دوره على بقية الأدوار، حتى يشعر بما يوجب تضحيته وتفانيَهُ في الخدمة التي يؤديها وكذا بتعنيفه بالعقوبات والجزاء عند إهمالها وتضييعها. كلُّ ذلك يتم في سبيل غاية دنيوية، قد تكون بسبب هوى متسلط أو نزعة ذاتية مغرضة، أو غير ذلك مما هو معروف في تاريخنا المعاصر وحضارته المستبدة… ولعل أقرب مثال على ذلك النزعة النازية وخدمة الجندي الألماني لها.

-        دورهما في حياة المسلم :

إذا كان هذا كله لغرض دنيوي مقيت، فهو أحرى لتحقيق الغرض الأخروي وخدمة الإسلام.. ومن ثم فالمسلمون أولى بهما من غيرهم. فبهما يختصر المسلم الجهد، ويحقق أهدافا كبيرة، وبدونهما يضيع الجهد والزمن والهدف… تصوَّرْ لو أن إنسانا أهمل وضع ملابسه كُلاًّ في مكانه، فكم يضيع من زمن للعثور عليهما إذا أراد استعمالها، فإذا تكرر ذلك فما أكْثَرَ الزمنَ الضائع، وقِسْ على ذلك فإنْ كان هذا في الأمور الصغيرة فما بالك في الأمور الخطيرة.

فالضبط والانضباط أدب المسلم في كل حال، إن كل شيء في الإسلام يربِّي العقلية الضابطة والمنضبطة، عبادته المضبوطة بأوقات وأزمنة محددة، أنظمته المتكاملة، عقائده، كل ذلك يصُبُّ لمصلحة إيجاد العقلية المنظَّمة، فالمسلم الذي يؤمن بالله، وبالغيب ويعرف حكمة الله في الخلق، ويعرف ما في هذا الخلق من إبداع وإتقان، وتنظيم وضبط، ينبغي أن يتعلم في ذلك النظام والتنظيم، فالملائكة لهم رئيس، ولكل منهم وظيفة تمارَس بانظباط. وفي كل سماء ترتيب وضَبْط، والكون كله وما فيه على غاية من الإحكام والضبط، كل ذلك يربِّي على إحكام الأمور وتنظيمها وضبطها.

والصلوات في مواقيتها، والصيام، والحج، والزكاة، والجهاد كل ذلك يُعَوِّدُ على الانتظام والانضباط، ونظام الأسرة والاجتماع، ونظام الحكم والقضاء، وغير ذلك من أنظمة الاسلام تعود المسلم على الضبط والانضباط.

والسياسة النبوية تفعل ذلك أيضا. وفي الحديث “إذا كُنْتُمْ ثَلاَثَةً فَأَمِّرُوا أَحَدَكُمْ”.

ومع هذا فإنه يوجد بين المسلمين من يعتبر العفوية وعدم التدبير هي الأساس فيُعْرض عن التفكير، ويترك النظام، وسبب ذلك فَهْمٌ خاطئ لبعض النصوص والمقامات، فهناك خطأ في فهم قضايا الفطرة، والعفوية، والتوكل، فهذه القضايا لا تَنْفي ضَبْطَ العمل والحياة وتنظيمَها، بل تؤكد ذلك، وإنما تنفي التكَلُّفَ والتعقيداتِ، وتجاوُزُ الحدُود والاعتماد على الأسباب.

إن أدب المسلم أن يضبط أموره، وأن يعتمد في شؤونه التنظيم، سواءٌ في ذلك الشؤون الخاصة أو العامة، فالعمل الجماعي ينبغي أن يكون مضبوطا ومنظما، وأن تعتمد له العقول الضابطة، وبذلك يُحفظ الزمن، وتُحفظ الجهود، وتُؤدي الحقوق، ويُتوصل إلى الأهداف، وبدون الضبط يضيع الوقت والجهود والحقوق والأهداف، وقُلْ مثلَ ذلك في كل نوع من أنواع العمل على كل مستوى.

- أمثلة منهما في الحياة الإسلامية الأولى :

كان العرب شعبا لم يترب على طاعة أحد، ولم يتربَّ على نظامٍ ولا انضباطٍ وليس لديه مفهومٌ عن الولاء لِحُكُومَةٍ ما، أو الخضوع لها. وأما غيرُ العرب فالأمر عندهم مختلفِ، طاعةٌ مطلقة لملوكهم، ومرؤوسيهم في كل شيء إذا أمروا بالشيء كان خيراً، وإذا نَهوا عنه نفسه كان شرًّا، لا يُقال لهم : لاَ. ولا يُحَاسبون ولا يراقَبون.

وحدث ذلك الحدث الضخم : أنَّ الأمة التي لا تَعْرِف الطاعة، أصبحتْ مطيعةً، ولكنها طاعةٌ من نوع آخر جديد وفريد، طاعة بالحق لا بالباطل. بالعدل لا بالظلم، لمن يستحقها لا لمن لا يستحقها. فكان ذلك فتحا جديداً في تاريخ الوعي عند الشعوب، لدرجة أن العربي الذي كان يتعصب لقريبه وينصره وإن كان على الباطل، ولا يطيع فيه أحدا أبدا، صَارَ على ابْنِ عمِّهِ إذا كان على البَاطِلِ، بل على أخيه، ويطيع فيه أبعد الناس نسباً عنه في الحق، والذي كان أَبْعَدَ الناس عن الانضباط صار أكثرَهُمْ انضباطا، ومن قرأ تاريخ العرب في الجاهلية عرف الفرق الكبير بين ذلك الواقع وواقعهم بعد. وهذه أمثلة شاهدة على ذلك بعد تربية الرسول صلى الله عليه وسلم لهم.

“روى ابن جرير بسند عن ابن زيد قال : دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم عبد الله بن عبد الله بن أُبَيِّ : ألا تَرَى ما يَقُولُ أبوك؟ قال : ما يقولُ بِأَبِي أَنْتَ وأُمِّي؟ قال : يقول : لَئِنْ رَجَعْنَا إلى المدينة لَيُخْرِجَنَّ الأعزُّ منها الأذَلَّ فقال : فقد صَدَقَ والله يارسول الله أَنْتَ واللهِ الأَعَزُّ وهُوَ الأَذَلُّ. أما والله لقد قدمتَ المدينة يارسول الله وإن أهل يثرب ليعلون ما بها أحدٌ أَبَرَّ مِنِّي، ولئن كان يُرْضِي اللهَ ورَسُولَه أن آتيهما برأْسِهِ لأَتَيْتُهُمَا به. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : لا. فلما قدِموا المدينة قام عبدُ الله بن عبد الله بن أبي على بابها بالسَّيْف لأَبِيه ثم قال : أنت القائل لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأَعَزُّ منها الأذل. أما والله لَتُعْرَفَنَّ العزة لك أو لرسول الله صلى الله عليه وسلم، والله لا يَأْويك ظله. ولا تأويه أبدا إلا بإذن من الله ورسوله. فقال : يا للخزرج إبني يمنعُنِي بَيْتي! فقال: والله لايأويه أبداً إلا بإذن من الله ورسوله فَأَتَواْ النبي صلى الله عليه وسلم فأخبروه فقال اذهبُوا إليه فقولُوا له : خَلِّه وسَكَنَهُ، فَأَتَوْهُ فقال : أَما إذا جَاءَ أَمْرُ النبي فَنَعَمْ”.

ولقد تأَصَّلَ فِقْهُ الطاعة في المعروف عند العرب وغيرهم من المسلمين حتى وصل إلى عجائز الناس:

“أخرج مالك عن ابن أبي مليكة قال : إن عمر بن الخطاب رضي الله عنه، مر بامرأة مجْذُومة وهي تطوف بالبيت فقال لها : يا أمَةَ الله لا تُؤْذِي النَّاسَ، لو جلستِ في بيتك، فجلسَتْ فمَرَّ بها رجلٌ بعد ذلك فقال : إن الذي كَانَ نَهَاكَ قد ماتَ فارْجِعِي، قالت : ما كنتُ لأطيعَهُ حَيًّا وأَعْصِيهِ مَيِّتًا”.

ولكن طاعتهم طاعةٌ ضمن حدود المعروف، أما أن تكون على غير ذلك فلا : أخرج الشيخان عن علي بن أبي طالب كرم الله وجهه قال : استعمل النبي صلى الله عليه وسلم رجُلاً من الانصار على سَرِيَّة بَعْثِهِمْ وأمرَهُمْ أن يَسْمَعُوا لَهُ، ويُطِيعُوا قال : فَأَغْضَبُوهُ في شَيْء فقال : اجْمَعُوا لي حَطَبًا، فجمعوا، فقال : أوقِدُوا نارا فأَوْقَدُوا، ثم قال : أَلَمْ يَأمُرُكم رسولُ الله صلى الله عليه وسلم أن تسمَعُوا لي وتُطِيعُوا؟ قالوا : بَلَى، فَادْخُلُوهَا، قال : فنَظَرَ بعضُهُمْ إلى بعضٍ وقالوا : إنما فَرَرْنَا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم من النَّارِ. قال : فَسَكَنَ غَضَبُهُ وأُطْفِئَتْ النَّارُ. فلمَّا قَدِمُوا على النبي صلى الله عليه وسلم ذَكَرُوا ذلك لهُ فقال : لَوْ دَخَلُوهَا ما خَرَجُوا مِنْهَا، إِنَّمَا الطَّاعَةُ في المَعْرُوفِ”.

إن رسول الله صلى الله عليه وسلم عَلَّمَ الإِنْسَانَ أَنَّ اللَّهَ وَحْدَهُ هو الذي يَسْتَحِقُّ الطاعة، وحتى الرسول صلى الله عليه وسلم إِنَّمَا يُطَاعُ لِلَّهِ، وغَيْرُ رسولِ الله إنما يُطَاعُ بِطَاعَةِ اللَّهِ {وَمَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ}(النساء/79). {يَا أَيُّهَا الذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولُ وأُولِي الأَمْرِ مِنْكُمْ}(النساء/58) أَيْ مِنَ المُسْلِمِينَ، أَمَّا غَيْرُ المُسْلِمِينَ فَلاَ طَاعَةَ لَهُ. والمسلمُ طاعتُه في حدود كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم لذلك خُتِمَت الآية : {فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُومِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ}. وعلى هذا فمن أُمِرَ بمعصية الله، فلا طَاعَةَ لَهُ. وبهذا تماسَكَتْ شخصيةُ الإنسان تَمَاسُكًا لا مَثِيلَ له، فصار المسلمُ يقول : لا، إذا كان يَنْبَغِي أن تُقَالَ مَهْمَا كَانَ وَرَاءَهَا، لاَ يُبَالِي إن كان الناسُ كُلُّهُمْ عليه في الباطل، لا يُسَاير الناس ولا يداريهم على حِسَابِ الحق، أما في الحقِّ فهو أكثرُ الناس طاعةً وانضباطاً. إذْ في هذه الحالة جَعَلَ رسولُ الله صلى الله عليه وسم بأمْرِ الله طاعَةَ الأَمِير فَرْضًا، وفي الباطِلِ مَعْصِيَتَهُ فَرِيضَةً.

وعلى طريق هذا الهدي ينبغي لكل مسلم أن يكون مُتَكَيِّفًا مع مما يُناط به من أعمال مستعِدًّا لتنفيذ كل ما يكلَّف به من مهمَّات في حدود الطاعة التي سبق ذكرها. فكل مسلم مسلم على ثغر من ثغور الإسلام، وأمام مسؤولية من المسؤوليات، فينبغي أن لا يُؤْتَى مِنْ قِبَلِهِ.. ويجدُرُ به أن يصمُد في موقفه ذاك حتى يَلْقَى الله وهو على مِثْل حَالِهِ. فينالُ بذلك ثوابَ المرابطين وأَجْرَ المجاهدين. فعن العرباض بن سارية رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “كُلُّ عَمَلٍ ينقَطِعُ عن صَاحِبِه إذا مَاتَ، إلا المُرَابِطَ في سبيل الله، فإنه يَنْمي له عَمَلُه،ويَجْري عليه رزْقُه إلى يوم القيامة”(رواه الطبراني في الكبير بإسنادين، رواة أحدهما ثقات).

- واقع الضبط والانضباط في الحياة الإسلامية المعاصرة :

لكن هل هذا محقق فينا اليوم؟ أكيدٌ أنه طابَعُ فئة قليلة منا، أما الكثرة الكثيرة فغارقةٌ في لُحَجٍ من الظواهر الشائعة الخطيرة على حاضرنا ومستقبلنا باعتبارنا خَيْرَ أمة أخرجت للناس، تُغْلق دوننا أبواب الانطلاق والتمكين، وتحول بيننا وبين الاستفادة من كثير من الظروف والسوانح، وتَطْبَعُ سيرنا بالجمود والرتابة… وتُفْقِدُه أبرَزَ خصائصه، وهي الحيويَّةُ والحركيَّةُ. التي مردُّها إلى انعدام الضبط والانضباط. نعم إننا اليوم نشكو فَقْر الضبط والانضباط. وتضخُّمَ السلبية والتواكل، وهما أخطر العوامل في تفكُّكِ أي مجتمع وضَيَاعِ هَيْبَتِهِ وتلاشي وجوده. السَّلْبية في عَدَمِ الاهتمام بشيء، والتواكُلِ في ترك الأمر يَسِيرُ إلى مصيره على أي نَحْوٍ.

والعمل للإسْلام إذا وصل إلى السلبية والتواكل فرّغ نفسه من الجهد والعَزْم والإرادة ونزل مجال الضياع والعدم كما يقول محمد البهي رحمه الله(مجلة الأمة – عدد : 26 – السنة : 3 – ص : 19).

وطبيعة الصحوة الإسلامية أنها تَعْتَبِرُ إحياءَ المشاعر الايمانية وإلهاب العواطف الإسلامية جُزْءاً من رسالتها التي هي رسالةُ الاسلام. وهذا الجانب لابد منه للمسلمين لتوفير قدر من الحماسة يدفع إلى العمل، وإلى البذل، وكذلك لربط القلوب برباط المحبة والأخوة التي ترتقي فتصل إلى درجة الايثار(يوسف القرضاوي : الأمة – عدد : 56 – السنة 5 – ص : 8).

إن أعراض التقصير التي تفتك بنا باديةٌ اليومَ في كثير من ممارساتنا العمليةِ، وتتزاحم لَدَيَّ الأمثلةُ على ذلك، أذكر منها :

على مستوي الانضباط :

- الغياب الكثيف عن اللقاءات والاجتماعات بدون عُذْرٍ مقبول.

- التأخير المروِّعُ عن مواعيد اللقاءات والاجتماعات بغير عُذْرٍ شرعي.

- التعثُّر أو التأخير عن دَفْع الواجبات المالية.

- خرق القوانين المُنظِّمَة لمؤسسات العمل.

- عدم مراعاة السُّلَّم الإداري في اتِّخَاذِ القرارات.

- تعثُّر العديد من الأنشطة بغيابِ مسؤوليها وتهاوُنِهِم.

- التهاون في التَّحْضير والتهييء والمشاركة ضمن الأنشطة والمهمات واللقاءات التحضيرية…

- تعطيل وتأجيل الاجتماعات بسبب عدم انضباط مستقبليها بدون سابق إنذار.

- تمييع الجلسات والاجتماعات بالأحاديث الهامشيَّة البعيدة عن مَوْضُوع اللقاء.

- انتهاك نظام الجلسات واللقاءات بخَرْقِ آدابِ الاستئذان في القَوْلِ والفعل…

- على مستوى الضبط :

- غيابُ الحرص على إنجاز المهِمَّاتِ في الوقت المحدد.

- البعدُ عن التدقيق في إبلاغ الأوامر والمهمَّات.

- التواكلُ والاعتماد على الغَيْر في القيام بالمهمَّات.

- الاكثار من اللقاءات والاجتماعات في غيرما فائدة بسبب غياب التركيز.

- سُوءُ التنسيق بين الهياكل والمؤسسات أو غيابه أحيانا…

- البُطْءُ في استدراك الهفوات والنسيان…

- اللامبالاةُ في تَرْكِ الخَلَفِ عند الغياب أو ما يُمَثِّلُ ذلك من تقارير تَسُدُّ الفراغ.

- عدمُ احترامِ الأولويَّاتِ عنْدَ الإعْدَادِ والتَّحْضِيرِ للْمُهِمَّاتِ.

- اتساعُ زمان الجلسات واللقاءات في غير ضَبْطٍ صَارِمٍ للْوَقْتِ.

- الدَّوَرَانُ في نفسِ القول حين مُعَالَجَةِ بعضِ القَضَايا أو الموضوعات…

كل هذه المظاهر وغيرها يَطْبَعُ سيرنا، وإن شئنا الصراحة قُلْنَا مع يوسف القرضاوي : إِنَّهُ خَلَلٌ في دَاخِلِ كُلٍّ مِنَّا، في أنفسنا التي بين جُنُوبِنَا، وفي حُبِّنَا لذواتنا، وطوافنا حَوْلَهَا كما يطوفُ الوثنيُّ بوثنه، في محاولتنا تبرئَةَ أنفسِنَا، واتهامَ غَيْرِنا، وإلقاءَ التبعَةِ على كل أحد سوانا، يرى كلُّنَا القذَى في عَيْنِ أخيه ولا يرى الخشبَةَ في عَيْنِهِ. أَجَلّ. الخَلَلُ في كلٍّ منا. فهو يطلبُ من الآخرين أن يعملُوا وهو فارغٌ، وأن يجاهدوا وهو قاعِدٌ، وأن يبذلوا وهو شَحِيحٌ، وأن يضحُّوا وهو متفرِّج. الخلل في كل منا، حيث يومنُ بالله ولا يطيعُ أمره… ويحبُّ رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا يتَّبِعُ نَهْجَهُ… ويريدُ الجنَّةَ ولا يَسْعَي لَهَا سَعْياً… ويخافُ النار، ويسلُك سُبُلَ أهلِها… ويفخَر بالانتساب إلى الاسلام ولا يعمَلُ لِنُصْرَتِهِ”(الأمة – عدد 57 السنة : 5 – ص 13)

وأقول -في حسرة فصيحة- مردِّداً مع محمد أحمد الراشد : “لا تَهْرُبُوا من خشونة كلامنا وصراحته، فإن كلماتِ الدبلوماسيةِ لا تنفَعُ في تربية الدُّعَاةِ، ولا أساليب الإيماء، بل هي الإشارة الواضحة فحَسْبُ تُرَبِّي بلا اعتداءِ وجُرْحٍ”(العوائق/105 – 106)

فطوبى لمن بدأ بإصلاح نفسه ثم بدعوة غيره، ووضع يده في يد كُلِّ من كان على شاكلته من أهل الخير غيْرَ متبرِّمٍ بيومِهِ ولا يائسٍ من غَدِهِ، واثقاً من نفسه، معتزاً بدينه،  مؤمناً بربه، آملا نصْرَه الذي وعد به المومنين.

-        نحو العلاج :

وحتى نبلغ في إعدادنا مستوى المعركة التي تواجه الإسلام في الداخل والخارج، ينبغي أن نكون في إيماننا أَثْبَتَ من الرواسي، وفي فهمنا أعْمَقَ من اللُّجَجِ، وفي صبرنا أَقْوَى من الشدائد، كما يَنْبَغِي أن يتولد لدينا شعورٌ ذاتيٌّ بمسؤولية العمل للاسلام واستعدادٌ كامل لتلبية حاجات هذه المسؤولية من النفس والجهد، فلا ننتظر التكليف الحركيَّ لنَنْهَضَ بالأعباء والمسؤوليات، وإنما يتوالدُ في أعماقنا شعورٌ فطريٌّ بالمسؤولية،ويجري في عروقنا إحساسٌ ربانيٌّ بالتكليف. نشعر بأننا مسؤولون عن هذا الإسلام، ولو لَمْ نكن أعضاءَ في جماعةٍ، أو جنوداً في حركة، وحَسْبُنَا أن نكون مسلمين ليتحرَّكَ في ذواتنا الشعور بالواجب اتجاه هذا الدين الذي ننتسب إليه. والصحوة الإسلامية في هذا الوقت العصيب بمسيس  الحاجة إلى العناصر التي تَتَّقِدُ شعوراً وإحساساً بواجباتها الإسلامية، العناصر التي يغلي فيها الشُّعور بالمسؤولية غليانا، العناصر التي لا يَهْدأ تفكيرها بهذا الدين، وبالعمل له ساعةً من ليل أو ساعة من نهار.

وصفوة القول، أننا مدعوُّون لنكون في إعْدادِنا وتكوينِنَا على مستوى ما يتطلبه الإسلام اليوم : قوة في الروح ومتانةً في الفكر، وسمواً في الخُلُق، وذلك مناط الضبط والانضباط وبهما يمكن أن يتحقق التفاعل بين الدعوة والناس.

اترك تعليقا :

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

يمكنك استخدام أكواد HTML والخصائص التالية: <a href="" title=""> <abbr title=""> <acronym title=""> <b> <blockquote cite=""> <cite> <code> <del datetime=""> <em> <i> <q cite=""> <strike> <strong>