عبد الرحمان معطلاوي
لا غرابة إذا استيقظ الشعب اللبناني فجر كل يوم على دوي الانفجارات والصواريخ والقذائف الإسرائيلية التي أمطرت وتمطر مدن وقرى الجنوب اللبناني بدعوى إعلان الحرب الشاملة على التطرف والإرهاب المتمثل في المقاومة التي يتزعمها “حزب الله”.
فليست هناك غرابة إذاً مادام أن ما تقوم به “إسرائيل” من هدمٍ لبيوت الفلسطينيين وتهجير لمقاومي “حماس” و”الجهاد الإسلامي” وما تسفر عنه ما يسمى بـ”عمليات عناقيد الغضب” من ضحايا وخسائر في الجنوب اللبناني قد وجد شرعيته ومشروعيته في القمة التي انعقدت في شرم الشيخ بمصر لمحاربة الإرهاب. لكن الغرابة كل الغرابة أن تستخدم تلك المؤتمرات ومن قبل بعض الأنظمة العربية لتذويب قضايا الأمة العربية والإسلامية وعلى رأسها القضية الفلسطينية واحتلال جنوب لبنان وقضية الجولان… وغيرها من القضايا، ومنح المغتصبين شرعية لأعمال التخريب والتدمير في حق الشعوب المستضعفة…
هكذا إذن -وباسم الشرعية الدولية والأمن الجماعي وحفظ السلام والسلم الدوليين- تنقلب المفاهيم وتختلط ويصبح إرهابيا من قام يدافع عن أرضه وأرض أجداده، ومدنيا بريئا متحضر من اغتصب الأرض وانتهك العِرض، وخارجا عن الشرعية من طالب بحقه في الاختيار وتسيير بلاده، وشرعيا من اغتصب السلطة تحت أفواه المدافع وأنياب المحاكمات العسكرية والانتخابات المزيفة…
ليصبح العالم الإسلامي بإسلامه ومسلميه المصدر الرئيسي للارهاب المحلي والدولي، والغرب وعلى رأسه الولايات المتحدة الأمريكية بدياناته المتطرفة وعصاباته المتشددة هو مصدر الحضارة والسلام ولتتحول “حماس” و”حزب الله” والاستقلاليون الشيشان وكل تنظيم ذي توجه إسلامي يمارس حقه المشروع في مقاومة الاحتلال الذي يمارس القتل في حق شعوبهم، الى تنظيم إرهابي تجب محاربته وطنيا واقليميا ودوليا.
فمن دمر هروشيما وناكازاكي، ومن أخذ على نفسه عهداً بتصفية المقاومة الشيشانية ومن يعلن حرباً لا هوادة فيها على أطفال “حماس” ونسائها وعلى شباب “حزب الله” وشيوخه، يجلس في قمة شرم الشيخ بمصر في منصب القاضي المحاكم للإرهاب.
إنها ثمارُ شرم الشيخ إذاً، ورفع التحدي أمام كل الدول العربية التي يظهر أنها لم تعد تملك أية ورقة ضغط في مواجهة إسرائيل وحلفائها، بل إنها نهاية السقوط العربي.
لقد كنا نتوقع في ظل الضغوط الداخلية والخارجية والظروف التي تمر بها “عملية السلام” المزعومة في الشرق الأوسط أن تتخذ منظمة التحرير الفلسطينية والدول العربية العدوان الصهيوني على جنوب لبنان ورقة تمارس بها ما تبقى لها من ضغوطات على إسرائيل لكن وللأسف الشديد إسرائيل تدمر جنوب لبنان وتُشرد أبناءه، والمجلس الوطني الفلسطيني يبحث في تعديل بنود الميثاق الوطني التي تدعو إلى تدمير الكيان الإسرائيلي!!!
إنها مفارقة غريبة بين جانب يتمسك بالأمن ويمارس ضغوطات على الحكومة اللبنانية لنزع سلاح المقاومة مقابل السلام، وبين جانب آخر يتمسك بالسلام والانسحاب مقابل تحقيق الأمن. إن سكان البلد الأصليين يتمسكون بالاستقلال وجلاء المستعمر الغاصب مقابل تأمين الجيران، أما العدو فيتمسك بالعكس، يتمسك بالأمن مقابل السلام. لكن نتساءل أمام سلبية وعدم فاعلية الرأي العام العربي والإسلامي وأمام مؤامرة صمت وتماطل المجتمع الدولي وعجز هيئة الأمم المتحدة ومجلس الأمن عن اتخاذ قرار لادانة العدوان الإسرائيلي على لبنان، نتساءل -ويحق لنا ذلك- في مصلحة من يبقى الجرح اللبناني مفتوحاً؟ وفي زمن التطبيع هذا هل المطلوب هو دفع لبنان البلد العربي مشلول الاقتصاد معدوم البنية إلى الحرب أو إلى مزيد من الدمار؟ ونتساءل أيضا ألا يستحق لبنان من إخوته وأشقائه وقفة تضامن فعلية يمارسون من خلالها ما تبقى لهم من ضغوطات؟ وهل في ظل القانون الدولي والميثاق الأممي ومبادئه التي تدعو إلى السلام بين الأمم، يمكن الحديث عن صيفٍ وشتاءٍ في آنٍ واحد؟ فما يصلح هناك لا يجوز هنا وما يجوز هنا لا يصلح هناك؟ إن مقارنة ردود الفعل الدولية والإقليمية التي أثارتها عمليات كتائب عز الدين القسام والتي اتسمت بالتعاطف مع القتلى الإسرائيليين والادانة العنيفة لمنفذي هذه العمليات مع لامبالاة العالم العربي والدعم الكامل من طرف القوى العظمى للعدوان الإسرائىلي على لبنان يُعيدُ إلى الأذهان سياسة الكيل بمكيالين التي تعامل بها الدول النامية والدول العربية والإسلامية على وجه الخصوص. ليُصبح مجلس الأمن -الذي يُفترضُ فيه أن يكون مجرد تطبيق لقواعد القانون الدولي وقواعد ميثاق الأمم المتحدة- أداةً لانتهاك الشرعية الدولية وتنفيذ سياسة الدول الكبرى لفرض سيطرتها وخدمة أهدافها.
إن الكيان الصهيوني يُدرك وبعمق خطورة “حماس” و”حزب الله” على أسس عملية السلام في الشرق الأوسط، ولذلك يُؤكد على ضرورة اتخاذ الاجراءات اللازمة والكفيلة بمواجهة هذين التنظيمين باعتبارهما المُهَدِّد الأكبر لعملية السلام.
وفي المقابل يَعي جيداً عدم قدرة الدور الشعبي عربيا وإسلاميا ليس على وقف عملية السلام وإسقاط اتفاقات أوسلو وإنما في مجرد التأثير على حكومات الدول العربية للتندد بالسياسة الإسرائيلية، وذلك في ظل غياب أية قوى إقليمية -عربية وإسلامية- أو دولية تستطيع عرقلة مشروع السلام ومساندة معارضيه لا مِن دول اليمين ولا من اليسار، لا من الكتلة الشرقية ولا من الكتلة الغربية، لا من دول عدم الانحياز ولا من دول الانحياز لا من الدول الثورية ولا من الدول الرجعية… وهكذا ستبقى “حماس” و”حزب الله” وغيرهما ليس في مواجهة الكيان الصهيوني والسلطة الفلسطينية وحسب، وإنما في مواجهة عملية السلام برمتها، العملية التي أصبحت توجها دوليا لا تجد لها مُعارضاً، وخياراً عربياً إسلاميا تحظى بدعم جامعة الدول العربية ومنظمة المؤتمر الإسلامي.
إنها ثمار شرم الشيخ إذاً، إنها قمة “صانعي السلام”، تلك القمة التي ظهرت فيها إسرائيل كأكبر مستثمر لهذا الحدث، وكأول مستفيد منه، إنها ثمار شرم الشيخ!!!!.