على هامش جنون البقر : جنون الغرب وضرورة الإنقاذ


ذ. عبد المجيد بنمسعود

إن عملية استقرائية لتاريخ المدنية الغربية عبر محطاتها المتوالية انطلاقا من فجرها اليوناني الروماني، مرورا بالقرون الوسطى التي عرفت بعصور الظلام، حيث انحدرت المدنية وارتكست إلى مستويات منحطة على مستوى العقائد وأنماط السلوك، حيث أفرزت ركاما هائلا من التصورات الضالة والممارسات التعسفية الحائرة التي كبلت طاقات الإنسان بأغلال ثقيلة سببت له معاناة ممضة وآلاما نفسية مبرحة من جراء الفصام النكد الذي مزق كيانه شر ممزق، وصولا إلى حقبة العصور الحديثة والمعاصرة التي عرفت فيها المدنية الغربية مستوى عاليا وأرقاما قياسية في مضمار التقدم التقني مكنت الإنسان من تسخير كثير من مكنونات الطبيعة، بفضل إدراكه للسنن والنواميس التي تحكم هذه الأخيرة والتعامل معها، قلت إن هذه العملية الاستقرائية كفيلة بأن تكشف لنا عن ثوابت فكرية ظلت كامنة في عقلية الإنسان الغربي، ومن ثم في نمط سلوكي جمعي ظل لصيقا بكيانه محركا لمواقفه وتصرفاته. وقد تميزت الثوابت الفكرية بنزعة ممعنة في المادية، تجلت على مستوى عقيدة الألوهية عندهم والتي التبست بالوثنية المظلمة المحرومة من أية ومضة من ومضات الإيمان أو إشراقة من إشراقات الروح. أما النمط السلوكي فقد ظل يطبعه -ولم يكن من ذلك بد بمقتضى ثوابت العقيدة- نزعة الأنانية والنزوع إلى الظلم والطغيان والجبروت على حساب المستضعفين من الناس، بل على حساب الحياة بجميع مظاهرها وتجلياتها. إن هذه العملية الاستقرائية تكشف لنا المدى الخطير الذي ذهبت إلىه المدنية الغربية في السطو على مظاهر الحياة وتشويه معالمها. فبعد أن سحقت الإنسان وألحقت به أضرارا بليغة بفعل ما سلطت عليه من “سلحة الدمار الشامل كما فعلت في هيروشيما وناكازاكي، وهذه الأسلحة التي تحرص بكل صلف وعنجهية على أن تظل محتكرة في قبضتها الظالمة، هاهي تطول بإجرامها نوع الحيوان ممثلا في فصيلة الأبقار التي أصابها ما أصابها جراء حمق الإنسان الغربي ورعونته التي لا تقف عند حد، فقد ضجت أبقار بريطانيا وارتفع خوارها يملأ الفضاء وصعد جؤارها لخالق السماء، تشكو إليه ما نالها من ظلم وعناء. ولم يكن هذا المرض الخطير الذي أصاب البقر الذي أطلقوا عليه جنون البقر لم يكن إلاّ نتاجا لجنون الإنسان الغربي المهووس بهاجس الربح الوفير والسريع وتحقيق الأرقام القياسية في مجال الإنتاج المادي في خضم المنافسة الهوجاء. من أجل كل ذلك مضى الخبراء البريطانيون في سباق محموم بغية الوصول إلى تركيبة غذائية لعلف الأبقار تضمن أسرع نمو وأكبر وزن، فتسببوا في هذه الكارثة. لقد أعمى الربح أبصارهم فجعلوا ضمن محتويات العلف وعناصره لحوما لبهائم جائفة ومريضة، وفي ذلك من جهة اعتداء على طبيعة الأبقار، وهي من فصيلة الحيوانات العاشبة، ومن جهة ثانية استهتار بحقوقها، وذلك بإطعامها من النجاسة، فهل تتحرك جمعيات الرفق بالحيوان لتنصف الأبقار من هذا الإنسان الغربي المجنون الذي لم يدع شيئا في هذا الكون إلاّ وأصابه بمس جنونه ودخان ويلاته؟!.

إن مثل هذه الكارثة التي تسبب فيها الإنسان  الغربي، خليقة بأن يقف الناس عندها متدبرين ليعلموا أن المدنية الغربية وإن امتلكت ناصية التقنية وكشفت عن بعض أسرار الطبيعة، فإنها تفتقد إلى النور الذي تهتدي به في هذا الكون، وإلى المنهج الرباني الذي يرسم لها خطط العمل ويحدد لها معايير السلوك والتعامل مع جميع الكائنات، الأمر الذي جعل علمها يكون نقمة عليها وعلى غيرها بدل أن يكون نعمة ورحمة.

ومن مواطن العظة والعبرة التي يمكن استخلاصها مما أصاب أبقار بريطانيا أنه يعرف عن هذه الأخيرة اعتدادها بنفسها في تربية الأبقار وتحسين نسلها، وحرصها الشديد على اتخاذ كل التدابير حتى لا يعبر حدودها أي فيروس أو مرض من الأمراض التي تصيب الأبقار أو غيرها، ولكن الله >أتاهم من حيث لم يحتسبوا< فخربوا أبقارهم بأيديهم، بسبب العمى الناتج عن استحكام الشره الملازم للفكر المادي وما يرتبط به من غرور واستهتار.

لقد أذنت “شمس” الغرب بالأفول، وكل ما يترى من الفضائح والنكسات في حياة الغربيين، إن هو إلاّ نذير من رب العالمين تسبق ذلك الأفول الذي يحدث عندما تستوفي السنة شروطها {تلك القرى أهلكناهم لما ظلموا وجعلنا لمهلكهم موعدا}الكهف) إن الغرب الذي أفرزت مدنيته صنوف الأمراض والأوبئة، لا يزال في جعبته الكثير. ولئن تعمل قوى الخير على إيقاف إفرازاته المسمومة وشل آلته المدمرة، فإن ما سيأتي على يديه أدهى وأمر. ولن يقدر على شل آلة الغرب الكافر وحمل بشائر الخلاص للبشرية الشاردة إلا أهل الإسلام وكتائب الإيمان، فالنجدة النجدة وحذار من الخذلان.

 

اترك تعليقا :

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

يمكنك استخدام أكواد HTML والخصائص التالية: <a href="" title=""> <abbr title=""> <acronym title=""> <b> <blockquote cite=""> <cite> <code> <del datetime=""> <em> <i> <q cite=""> <strike> <strong>