«إنه يجب أن نعيد إلى المرأة الكرامة التي وهبها لها الإسلام... لنجعل منها (السيدة) التي توحي إلى الرجل بالعواطف الشريفة، لا (الفارسية) التي تسيطر عليه»(في مهب المعركة - مالك بن نبي ص : 112) إنها كلمات قالها مالك بن نبي -رحمه الله تعالى- كشف من خلالها عن نظرته إلى المرأة، وهي نظرة نابعة من نظرته للإنسان بصفة عامة. فالانسان في معادلة ابن نبي، هو الجهاز الاجتماعي المحرك للمجتمع والتاريخ : "فإذا تحرك الانسان، تحرك المجتمع والتاريخ، وإذا سكن الانسان سكن المجتمع والتاريخ؟"(حديث في البناء الجديد - مالك بن نبي ص : 50 «عن مجلة الفيصل ع : 192 ص : 23) لو أدركنا معنى الإنسان الصحيح لأدركنا مدى تأثيره في عملية التحريك هاته، وكيف أننا نجد الإنسان يسيطر على الأحداث تارة، وتارة أخرى نجده ساكناً تسيطر عليه الأحداث! سكون وحركة، عملية مزدوجة كشف من خلالها مالك عن قيمتين يتوفر عليهما الإنسان : - الأولى : ثابتة وغير متأثرة بالتاريخ وهي طبيعته كمخلوق كرمه الله تعالى. - الثانية : قابلة للتغيير والتأثير بالتاريخ والظروف الاجتماعية، وتلك هي قيمته ككائن اجتماعي. - معادلة تمثل جوهره كإنسان خلقه أحسن الخالقين - معادلة ثانية تمثل الانسان ككائن اجتماعي يؤثر فيه التاريخ والحياة. وهذه المعادلة الأخيرة هي التي تحدد فعالية الانسان الذي لا يتغير منه شيء بالنسبة للمعادلة الأولى، ليَسِمُهُ التغيير من حيث معادلته الثانية على مستوى الفعالية من طور إلى طور آخر؟(مجلة الفيصل ع : 196 ص 21 -بتصرف- المقال : الإنسان في معادلة مالك بن نبي نوره خالد السعد). والحديث عن الانسان في هاتين المعادلتين يعني الحديث عن قطبي المجتمع : المرأة والرجل. فالمرأة إذن، جزء من هذه المعادلة وحتى تقوم بدورها في تحريك المجتمع والتاريخ، يطرح مالك بن نبي شرطا أساسيا يتمثل في ضرورة إعادة المرأة كرامتها التي منحها إياها الاسلام؟ وأن تقوم هي بنفسها بالتغيير من وضعها داخل المجتمعات الإسلامية بعيداً عن سبل التغيير المستوردة، لانها إن لم تسع إلى التغيير بذاتها من ذاتها بطرقها الخاصة بها، فسوف تغير بطرق الآخرين المباشرة وغير المباشرة، البعيدة عن ظروفها وواقعها المعيش، والذي أصبحت تعاني فيه، بعد نكسة المجتمع الإسلامي، من وأد جديد : فبعد ما كانت تدفن حية في التراب أصبحت تدفن إمِّا في الجهل وإما في شعارات وأفكار ميتة ومميتة رمت بها إلينا حضارات أخرى. وهنا تجدر الإشارة إلى بعض ما قاله مالك بن نبي في هذه النقطة، مُلِحاً على ضرورة رعاية الحركة النسائية، وتربيتها التربية النقية الطاهرة المتلائمة وعقيدتها وبيئتها، وواقعها التربية التي أخرجت سمية أم ياسر... وغيرها من النساء المجاهدات المستشهدات في التاريخ الإسلامي عامة والذي لعبت فيه المرأة دوراً فعالاً في تحريكه وتحريك مجتمعها وقت الاستعمار، يقول ابن نبي. «ينبغي أن تطبع حركتنا النسائية بطابعنا لا بطابع ما يصنع في الخارج»(بين الرشاد والتيه مالك بن نبي ص : 58)، فهي إما تُغيِّر وإما ان تُغَيَّر... إما تغرس جذورها في أرضها وتختار أسمدة تعينها على إيتاء الأكل الطيب وإما ستغرس في غير تربتها النقية، وبكيفية غير كيفيتها الخاصة بها وبمناخها وإمكاناتها، وتُخصب بأسمدة ميتة متعفنة لا تنبت إلا نباتاً متعفناً قاتلاً... فاسترجاع المرأة لكرامتها الحقيقية، هي التي ستدفعها للخروج من دائرة المطالبة بالحقوق الوهمية، والمرافعات الجوفاء، ورفع شعارات الآخر، إلى دائرة : أداء واجباتها، والعمل على تحريك عجلة المجتمع والتاريخ، لأن «تطور المجتمع مرتبط بتطور المرأة والعكس صحيح... -ومرتبط أيضا بتطور الرجل- إذ لا يمكن أن تتصور المرأة كائناً يعيش وحده ويطرح مشكلاته على هامش المجتمع، إنها أحد قطبيه، وقطبه الأخر الرجل. ولا ينبغي لنا أن نتصور قطبا ينفصل عن الآخر ولو حدث هذا بفرض لا يتصوره العقل، فالمجتمع نفسه يتبخر»(في مهب المعركة مالك بن نبي ص : 108) وبتبخر المجتمع تشل حركة التاريخ نظراً لتبخر أو لشلل أصاب جهاز المجتمع أو الجهاز الاجتماعي : الإنسان : المرأة والرجل.والمرأة بذلك تكون قد سلكت منهجاً للتغيير معاكساً لمنهج التغيير المفروض عليها، وبدلا من أن تكون «الفارسة» المسيطرة على الرجل، تعمل على الامتثال لقول الله عز جلاله : «والْمُومِنُونَ والمُومِنَاتُ بَعْضُهُمُ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بالمَعْرُوفِ ويَنْهَوْنَ عَنْ المُنْكَرِ» "لتوحي إلى الرجل بالعواطف الشريفة" ولتدفعه إلى الأصلح والأقوم، وتوجهه وتحاسبه، وتعمل إلى جانبه على إنشاء الجهاز الاجتماعي الذي تقوم عليه حركة المجتمع والتاريخ وفق خطة أو منهجية تغيير ذاتية.