إلى الأخت المُعَذَّبة د. ي


وصلتنا رسالة من أخت أشارت إلى نفسها بـ"المُعَذَّبة د. ي" تقول فيها : 
أنا فتاة في 20 من عمري أعاني من عقدة نفسية أتعذب من خلالها إنه "الخَجَلْ" الذي يؤدي بي إلى العزلة وإلى الإنزواء بين أربعة حيطان دائما أشارك بنات الجيران أفراحهم وأحزانهم من بعيد. في الأعياد لا أستطيع الخروج لتهنئتهم بسبب هذه العقدة الخبيثة وكذلك عندما أعزم لحضور فرح كذلك لا أهنئهم لعدم استطاعتي الإندماج مع الناس مما يجعلهم ينظرون إلي على أنني أنانية تعتز بنفسها ومتكبرة لكنني عكس ذلك والله وحده يعلم مدى محبتي واعتزازي بهم. حتى الدراسة لم أستطع إنهاءها فلم أصل إلا إلى مستوى الرابعة إعدادي مع العلم أن أمي كانت تُلِحُّ عَلَيَّ بإتمام دراستي لكن دون جَدَوَى وذلك لأنني لا أستطيع الإندماج مع المجتمع الخارجي.
إنني في بعض الأحيان أنْزَوِي إلى غرفة وأبْكي بُكَاءً على حالتي هذه لأن هذه العقدة تَقِف بمثابة حجرة عثرة أمامي إنني أحس بين إخوتي بالضعف والنقص.
حتى الصَّلاة التي أصَلِّيها بدأت أحياناً أُأَخِرُها عن وقتها لا أعرف لماذا؟
أرْجوكم وأتوسل إليكم أن تساعدوني على حل هذه المشكلة لأنني لا أريد البقاء على هذه الحالة التعيسة. فَلاَ يَنْبَغي لِلْمُسْلم أن يكون هكذا؟ بالعكس يكون متفتحاً مندمجاً مع الناس يبارك لهم ويهنئهم ويواسيهم ويجتمع معهم 
-إنها حالة غريبة أليس كذلك؟ فسبحان الخالق. أخيراً وليس آخرا أرجو ألا أكون قد ضايقتكم بمشكلتي هاته واعذروني لأنني لم أجد من أحَدِّثُهُ بما أعاني منه ويُمَزق قلبي سوى أنتم إخواني في الله.
مرة ثانية أرجوكم ألا تخيبوا رجائي لأن هذه الحالة لا تُكْثِر عليَّ إلا الذُّنوب والهموم ونرجو من الله أن نخرج من هذه الدنيا بلا ذُنوب ولا عيوب آمين يا رب العالمين 
وشكراً أختكم في الله : المعذبة : د. ي 
إلى "المعذبة د. ي" أقول 
الخجل نوعان خجل من الناس  وهو استحياؤنا من القيام بكل ما نظن أنه قد يجلب ضحكهم علينا واستهزاءهم بنا، مما يجعلنا نفكر كثيرا قبل أن نتحدث أو نتعامل معهم، وأحيانا نفضل الإحجام عن التحدث نهائيا خشية أن نخطئ، أو يستهزأ بنا مما ينتج عنه ما وصفته في رسالتك من انعزال عن الآخرين... إلخ.
وخجل آخر ذا طابع مقدس بناء. لا يشعر فيه الإنسان بمن هو أمامه ولا يهتم بما سينتج عن تصرفه أو حديثه بقدر ما يهتم بإرضاء ضميره أمام خالقه بعمل ما كان عليه أن يعمل وذلك هو الخجل من الله الواحد القهار وهو السر الذي يجعل شخصية الكثيرين من المسلمين إن لم نقل كلهم قوية لدرجة مدهشة صامدة لا تتحول عن الحق مهما استهزئ بها أو عذبت في سبيل الله، والهدف الأسمى الذي نعيش من أجله نشر الإسلام وإصلاح أحوال الناس فهؤلاء يخجلون من أن يصمتوا حيث يرغب الله أن يتحدثوا، ويتقاعسوا ويتخاذلوا  حيث يرغب الله أن يعملوا.
وأعود إلى رسالتك التي سميت فيها "الخجل" عقدة نفسانية وهي في الحقيقة حالة طبيعية جدا، لم يسلم منها أحد على الإطلاق. نعم فلتعلمي يا بنيتي أنها تصيب الإنسان في الطفولة أو في سن المراهقة أو على الأقل في مواقف معينة لكن الملاحظ عندك أنك تضخمينها وتسمحين لها بالتحكم في حياتك بدليل أنك أصبحت تشعرين بالنقص حتى مع إخوتك وبدليل تسميتك لها بـ"العقدة" وبما أن لكل عقدة حل بالعمل وليس بالبكاء واليأس والعزلة فلنعمل معا على حلها وسأبدأ باقتراح بعض النقط : 
1- تأكدي أننا لو لم نكن نخطئ لذهب الله بنا وأتى بقوم يخطئون فيستغفرون، فلا تخشي الخطأ أبدا بل إن الخطأ يعلم الصواب
2- العزم القوي على أن تغيري نفسك وتخرجي من حالتك، وإن قلت سأحاول أن أفعل لأجل سعادتي فلن تفعلي وإن قلت لأجل الخروج من عزلتي فلن تحاولي وإن قلت لحل عقدتي لن تعملي بل قولي لنفسك أمام كل شخص ترغبين بالتكلم معه، سأفعل ذلك لله ولأنه أمر بذلك ولإصلاح هذا المجتمع الفاسد، الذي لا يصلح إلا بالكلام الطيب البناء، وبالعلاقات الحسنة، ولا تستضعفي نفسك وجهودك، فالإصلاح يحتاج لجهود كل فرد. وأن يسعد فرد على يدك ويتقي ربه خير لك مما طلعت عليه الشمس. 
وقد تفشلين وتفشلين ولكن المهم أن تحاولي مرات إلى أن تنجحي فلا تىأسي من روح الله، لأنه لا ييأس إلا القوم الكافرون وقد تتلعثمين في الكلام في البداية فلا تعتقدي أنها جريمة بل أمر عاد جدا واصلي الكلام وستشعرين بنفسك بتحسن طريقة حديثك إن أنت واصلت الحديث. ألا ترين أن كل مشهد من الأفلام يعيده الممثل مرات ومرات قبل أن يعرض- لأنه لا يجيده من المرة الأولى ومع ذلك لا ييأس ولا يضجر بهدف إخراج الفيلم، فمابالك بمن هدفه إرضاء الله. ولو يئس الممثل لما كان هناك شريط.
3- ابدئي بالحديث مع أقرب الناس إليك أبويك أو أحد إخوتك بل أكثري من ذلك واستغلي كل مناسبة لتهنئتهم حتى ولو على أتفه الأمور بل حاولي مرة القيام بشيء يثير الضحك عليك حتى ترين أنه لن يحدث هزة أرضية إن ضحك عليك أحد.
4- حاولي إثبات وجودك بالبيت وذلك بمساعدة كل أطراف العائلة حتى دون أن يطلبوا ذلك حتى تكسبي حبهم وثقتهم واحرصي على الإدلاء برأيك في كل موضوع حتى لو اعتقدت أن رأيك تافه، فمن التافه نتعلم المفيد حتى لو ضحكوا عليك، لا تنسي أبدا أنك تكونين شخصيتك لله.
5- ثم أنك لن تتحدثي وتدلي برأيك ما لم تقرئي بل وتدمني القراءة فاعملي على قراءة كل يوم جزءاً من كتاب -اقتراح بعض المؤلفين وخاصة قصص- وتحدثي بما قرأته مع أسرتك حتى تتعودي الحديث.
6- ولكن لا تجعلي من الوحدة عدوك فتسعي دائما للاختلاط لان الوحدة صنعت كتابا وأدباء وعلماء نفس -لكن دون مبالغة ودون نسيان للعالم الخارجي- فالوحدة هي التي تتيح لك جو القراءة والتأمل ومحاسبة النفس وتجديد العزم على العمل شرط ألا تصبح سجنا لا نخرج منه للمجتمع ولتطبيق ما قرأناه ولبناء صداقات تساعدنا على فهم الحياة.
7- حاولي مصادقة الجريئات وتقليدهن بل اعملي على التفوق عليهن فيما يستحيين من عمله من مواجهة الخاطئ مثلا مهما كانت شخصيته- 
8- وأهم من المهم ارجعي إلى دراستك واجتازي امتحانات الباكلوريا، بل ولا تيأسي إن أخفقت فالعلم يرفع صاحبه وهو أكبر فرصة لتكوين صداقات. وهو أكبر معين لبناء شخصيات قوية وطريق لفهم دينك أكثر.
وأخيرا إليك أمثلة من أمهات المومنين والصحابيات رضوان الله عليهن وما بلغنه من قوة شخصية تجاوزن معها كل خجل للتعلم وفي إطار من الأدب الرفيع.
فهذه أسماء بنت شكل تسأل الرسول صلى الله عليه وسلم عن غسل المحيض والجنابة ولا يمنعها حياؤها أن تتفقه في الدين. حتى قالت عائشة رضي الله عنها «نعم النساء نساء الأنصار لم يكن يمنعهن الحياء أن يتفقهن في الدين» مسلم وأخريات يطالبن الرسول صلى الله عليه وسلم بمزيد من فرص التعليم 
وهذه أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنها تواجه الحجاج وتزجره على أعماله الشنيعة وتطول القائمة لوصف مواقفهن.
هذه البداية وليست النهاية، وأترقب كتاباتك ومشاركتك في المحجة بل ونقدك لها 
وبالله التوفيق.
نــوال

اترك تعليقا :

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

يمكنك استخدام أكواد HTML والخصائص التالية: <a href="" title=""> <abbr title=""> <acronym title=""> <b> <blockquote cite=""> <cite> <code> <del datetime=""> <em> <i> <q cite=""> <strike> <strong>