حوار مع د. عدنان علي رضا النحوي حول التربية والتعليم


الدكتور عدنان علي رضا النحوي فلسطيني الأصل، ومهندس متقاعد، وصاحب دار للنشر حاليا وهي دار النحوي للنشر والتوزيع وهو عضو في رابطة الأدب الاسلامي العالمية. ويعد الدكتور من رواد الدعوة الاسلامية في المشرق العربي، وله أفكار وتصورات جد هامة حول الدعوة والواقع الاسلامي، دوَّنها في كتبه القيمة والكثيرة، نذكر منها عل سبيل المثال : دور المنهاج الرباني في الدعوة الاسلامية؛ الشورى وممارستها الايمانية؛ الشورى لا الديمقراطية؛ العهد والبيعة وواقعنا المعاصر؛ نهج الدعوة وخطة التربية والبناء؛ الولاء بين منهاج الله والواقع؛ الصحوة الاسلامية إلى أين؛ فلسطين بين المنهاج الرباني والواقع؛ وآخر ما صدر له كتاب بعنوان “الخشوع”
“المحجة” التقت بالاستاذ المحترم، وكان لها معه اللقاء القصير،نظرا لظروفه الصحية، والحوار اهتم أساسا بالتربية والتعليم وأهدافهما ومناهجهما…

المحجة : تواجه الأمة الإسلامية تحديات خطيرة ومتعددة، أين تضعون التحدي التعليمي والتربوي ضمن تلك التحديات؟
* : بسم الله الرحمن الرحيم، أضعه في المرتبة الأولى أو الثانية، أي أتصور في الميدان الإسلامي خاصة أن الوظيفة الأولى والمهمة الأولى للمسلم القادر، أن يدعو إلى الله وإلى رسوله، فإذادعا إنسانا واستقر الإيمان بقلبه وارتبط بربه وخالقه، ثم ربطه بكتاب الله وسنة رسوله -صلى الله عليه وسلم- يبقى عليه أن يتعهده تربية وبناء، حتى لا يتركه لشياطين الأرض يفسدون عليه ماعمله معه في المرحلة الأولى. وأعتبر أن قضية البناء والتربية والإعداد تمثل الهدف الثاني من أهداف ستة ثابتة في الدعوة الاسلامية؛ الهدف الأول هو الدعوة إلى الله ورسوله، الهدف الثاني : التربية والبناء والإعداد، الثالث : بناء الجيل المؤمن الذي يتوافر فيه شرطان : الشروط التي أمره الله بها، وقدرته على أن يتابع العمل الإسلامي، الهدف الرابع : الجهاد في سبيل الله، الخامس : بناء الأمة حيث تكون كلمة الله هي العليا، السادس: أن تسيح في الأرض وتنشر كلمة الله وتبني حضارة الايمان وعمارة الارض.
المحجة : >الثقافة هي المحصلة النهائية للعملية التربوية والتعليمية والهدف منها< كما يقول الدكتور عمر عبيد حسنة، هل تشاطر فضيلتكم هذا التصور؟ * : أختلف من ناحية اللفظة، لا أوافق على استعمال كلمة "الثقافة" بالنسبة للعملية التربوية نحن نقدم علما، فالله سبحانه وتعالى سمى القرآن والسنة علما ولم يسمهما ثقافة، ففي كلمة "ثقافة" نوع من التمييع الذي نقدمه في التربية، أساسا هو العلم الثابت الحق، وبعد ذلك فالمعلومات من هنا وهناك، نسميها ثقافة، أفرق بين العلم والثقافة، العلم هو الحقائق التي تسمح لك باتخاذ قرار، والثقافة لا تسمح لك باتخاذ قرار. الطبيب يجري العملية ويتخذ القرار بناء على علم وليس على ثقافة، المهندس يصمم العمارة بناء على علم وليس على ثقافة. المحجة : تعاني الأنظمة التربوية في أقطار العالم الإسلامي من أزمات خانقة تكاد تضعها أمام طريق مسدود، أو تجعلها تدور في حلقة مفرغة. بم تفسرون هذه الظاهرة؟ وما سبيل الخروج من هذا الوضع؟ * : أفسرها بظاهرتين أو بأمرين : الأمر الأول أن عدونا يخطط ويمكر مكر الشيطان كما وصفه القرآن الكريم (وإن كان مكرهم لتزول منه الجبال) وآيات كثيرة تصف مكر هؤلاء، أما نحن فعفونا ولم نخطط وكانت مواقفنا ارتجالية وعفوية دون أي نهج وتخطيط. فإذا التقت فئتان : فئة تخطط وتبرمج وتعرف طريقها وأهدافها، وفئة مرتجلة عفوية، فإن الفئة الأولى تستطيع أن تحول نشاط الفئة الثانية لصالحها هي، من شعارات ومن مظاهرات ومن صخب يتحول لمصلحة الفئة التي تخطط. المحجة : >إن المطلوب من الوسائل التربوية أو الآليات التربوية هو التأصيل لكيفية إحداث التفاعل بين الإنسان والمبادئ الاسلامية، وإعادة بناء النسيج الاجتماعي للأمة في ضوء ذلك< كما يقول الاستاذ عمر عبيد حسنة. ما هي في رأيكم الوسائل الكفيلة بردم الفجوة بين سلوك وممارسة الإنسان المسلم والجماعة المسلمة، وبين منظومتنا القيمية الاسلامية؟ * : طبعا تعلمون أن هنالك أمرين : الأمر الأول الجهد المطلوب من الانسان والأمر الثاني الهداية من الله، نحن مكلفون بأن نبذل جهدنا ونخطط له وبأن يستوعب طاقتنا كلها، ولكن الله هو الذي يهدي من يشاء ويضل من يشاء. أما بالنسبة لجهدنا، فآخذ كذلك على جهدنا الآن أننا لا نضع خطة للتربية بالنسبة لردم الفجوة، الخطوة الأولى : يجب أن نطمئن إلى أن الإيمان استقر في القلب، وارتبط العبد بربه وخالقه وإذا لم تحصل هذه الخطوة في الواقع، فإن كل الذي يليها سينهار. الخطوة الثانية : محاولة البناء والتربية والتعهد، ثم التدريب على الممارسة الإيمانية. يعني يجب أن ندرب المسلم في مدرسة الاسلام، أن يجد ميدانا للتدريب، ثالثا : بين حين وآخر يجب أن نقوّم عملنا، نعود إلى ما قطعناه من أشواط، فنقف وقفة إيمانية نراجع في ضوئها خطواتنا وندرس أعمالنا ونقومها، فنحدد أخطاءنا كي نتجنبها ونحدد ما أصبنا به كي نسير عليه. النقطة الأخرى أن يكون للعمل الإسلامي تصور عام أو نظرية عامة أعرضها أنا في بعض كتبي حتى تكون مؤشرا أو موجها. المحجة : لقد تعقدت العملية التربوية في العصر الراهن، فأصبحت تساهم فيها أطراف متعددة تتفاوت في الفعالية وقوة التأثير، ماهو في رأيكم الطرف الذي يستأثر بالدور الأقوى في صياغة الشخصية الانسانية؟ * : أعتقد أن الفئة التي تؤمن بما تريد وعندها إيمان ثابت وعندها نهج وخطة وعندها هدف محدد تريد أن تصل إليه هي التي ستكون الأقوى في الميدان، من لا يحمل خطة وغير مطمئن لعمله وغير متيقن وليس له نهج وليست له أهداف ووسائل وأساليب محددة مدروسة سينهار. وطريقة الرسول صلى الله عليه وسلم توفرت على كل هاتيك الخطوات. المحجة : يرفض البعض إعطاء اسم التربية الاسلامية لما يدرس الآن في مدارس المجتمعات الإسلامية تحت هذا الإسم على اعتبار أن التربية الإسلامية في حقيقتها ليست مادة منعزلة وسط حشد من المواد، وإنما هي روح شاملة ينبغي أن تسري في جميع المواد المقررة كيف تنظر فضيلتكم إلى هذا الأمر؟ * : هذا كلام صحيح، إن التربية في الإسلام ليست حشد المعلومات، وإنما هي عملية بناء، عملية تحويل في الإنسان تسري في داخله، تنقله نقلة كبيرة من الفتنة إلى الهدى ومن الكفر إلى الإيمان، هي عملية ضخمة تعالج بها فكره وعاطفته وشعوره وتكون خطوات متكاملة متناسقة. المحجة : تروج منذ مدة في المنظومات التربوية في العالم العربي مفاهيم من قبيل التربية الجنسية والتربية السكانية هل تقبل المنظومة التربوية الإسلامية مثل هذه المفاهيم؟ * : كلا بالصورة التي تعرض فيه خاصة في العالم الغربي، ونحن ينطبق علينا حديث الرسول صلى الله عليه وسلم : >لتتبعن سنن من كان قبلكم شبرا بشبر وذراعا بذراع، حتى إذا دخلوا جحر ضب دخلتموه<، و>حتى لو جامع الرجل زوجته في الطريق لفعلتموه< هذه إحدى الروايات، وها نحن ننقل هذه المفهومات الجنسية نقلا عن الغرب وهذه نعتبرها جريمة. المحجة: يرى الدكتور محمد حسين الذهبي رحمه الله أن سبب ضعف المناهج الإسلامية عدم اعتماد القرآن والسنة مصدرا للمنهج واعتماد مناهج التعليم الإسلامي على كتب ومؤلفات موضوعة بدلا من الاعتماد على القرآن والسنة بطريقة مباشرة هل تتفقون مع هذا الرأي؟ * : نعم بصورة ما أتفق مع هذا الرأي، يجب أن يكون منهاج الله القرآن والسنة هو المصدر الأول ولكن أقول تقوم النظرية التربوية بالنسبة لي على ركنين أساسيين : الركن الأول المنهاج الرباني، الركن الثاني : الواقع، فيجب أن نعي الواقع، ندرس المنهاج الرباني دراسة منهجية، وندرس الواقع دراسة منهجية، نتدرب على تطبيق منهاج الله في الواقع تدريبا عمليا في الساحة الإسلامية. المحجة : كثر الكلام في الآونة الكثيرة -في ظل المستجدات التربوية- عن (نموذج) تقنية التدريس عن طريق الأهداف، ما رأيكم في هذا النموذج، وهل كانت المدرسة الإسلامية القديمة تخلو من التخطيط للعميلة التعليمية وتسطير أهدافها؟ * : أبدأ من النهاية، المدرسة الإسلامية، أقصد به أنا مدرسة محمد صلى الله عليه وسلم، كانت تسير على التخطيط وعلى أهداف محددة وعلى خطوات ثابتة وغير مرتجلة. نحن اليوم نختلف عن ذلك. أما عن مقاييس الغرب فأنا أرى أنها لا تصلح لنا في نواحي التفكير الإنساني. العلوم الانسانية لسنا بحاجة لاقتباسها من الغرب، ندرسها ونصفيها، ونأخذ ما يناسبنا، والعلوم الإنسانية يختلف وضعها عن دراسة الرياضيات والهندسة والعلوم إلخ. المحجة: يعتبر الأدب عاملا أساسيا في صياغة وجدان المتعلم وتربية حاسته الفنية، كيف تنظرون إلى وضعية مادة الأدب في ظل المنظومة التعليمية الحالية. * : التعليم الحالي يختلف من بلد إلى بلد ومن قطر إلى قطر ولو أخذت بعين الاعتبار العالم العربي والإسلامي كله، أقول : المنهاج غير قائم على أسس إيمانية ربانية، فالتعليم يحتاج إلى إعادة نظر. المحجة : يعد أدب الأطفال رافدا حيويا وخطيرا في تشكيل عقول الناشئة ما رأيكم في الركام المطروح الآن من هذا اللون في الساحة الثقافية، بتعبير آخر، هل ترون أنه يفي بالغرض، وهل يتلاءم مع منظومتنا القيمية؟ * : ربما يكون فيه شيء صالح ولكني أرى أن الركام المطروح يحتاج إلى غربلة كثيرة حتى ينقى ويكون خاضعا لمنهاج الله وملبيا لحاجيات واقعنا. المحجة : لا يزال كثير من المتغربين والعلمانيين في الأوساط الأدبية يتحاملون على الأدب الإسلامي وينكرون عليه حقه في الوجود، متهمينه بالوعظية وغيرها من النعوت، ما هو أبلغ رد على هؤلاء في نظركم؟ * : الوعظية هي أعلى درجات الأدب وليس الموضوع كونه وعظيّا أو غير وعظي يحدد أنه أدب أو ليس بأدب. إذا استكمل النص عناصره الفنية ليكتسب قدراً من الجمال المؤثر فهو أدب. أما بعد ذلك ان يحمل موضوعات إيمانية ربانية فيكون بعد ذلك إسلاميا إذا لم يحمل هذه الموضوعات فهو غير إسلامي. المحجة : ماهو أفضل أسلوب لبناء المناهج لمادة التربية الاسلامية في رأيكم؟ * : القاعدة الأولى للمنهاج الرباني، والثانية الواقع، ومنهما يشتق أربعة أسس : الدعوة إلى الإيمان والتوحيد، المنهاج الرباني والواقع والتدريب على الممارسة الايمانية ثم يأتي بعد ذلك عناصر التخطيط والميزان والتقويم وبناء المؤسسات الايمانية. المحجة : نشكر أستاذنا الجليل على هذا الحوار الغني والدسم، والذي سيفيد قراء “المحجة” استفادة كبيرة وجزاكم الله خيرا.

اترك تعليقا :

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

يمكنك استخدام أكواد HTML والخصائص التالية: <a href="" title=""> <abbr title=""> <acronym title=""> <b> <blockquote cite=""> <cite> <code> <del datetime=""> <em> <i> <q cite=""> <strike> <strong>