الاقتداء، والتأسي، والاتباع… سجايا ومزايا جُبل عليها الإنسان، لا يملك عنها انفكاكاً ولا انسلاخاً، لذلك قالوا : لكل إنسان مثلٌ أعلى يُقْتَدَى به ويُحْتَذَى -أمَّا نحن المسلمين فقد بعث فينا الأسوة الحسنة في شخص رسول الله صلى الله عليه وسلم- فهو مثلنا الأعلى، لا نبغي به بديلاً، >لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة…<(الأحزاب : 21) ليس هدا الحديث في المقام الأول مع أهل القرآن والحديث، إنما حديثي مع المهزومين من أمتنا من محيطنا إلى محيطنا -أولئك الذين أبوا، إلا المتابعة للغرب الكافر، فجعلوا منه مثلهم الأعلى، وقبلتهم الأُولى والأَوْلى، حديثي عن الغرب الذي سحر العبيد، واستهوى القريب والبعيد، وأقام للحضارة أصناماً وللأصنام حضارة تطبعها الدعارة -حديثي إلى السفهاء الجهلاء الذين رضوا بالجاهلية الجهلاء وأعرضوا عن دين الله تعالى علهم يُنيبون إلى ربّهم ويتوبون من ذنبهم وحديثي أيضا إلى الفضلاء النبلاء الذين رفضوا التغريب والتخريب، ولهث الكلاب خلف الغريب. أتحدث عن المجتمع الضال المضل الذي تبوأ صدارة الصدارة ليحتذى كفره ويقتدي أثره أتحدث عن الغرب الذي أصبح رباً من دون الله معلناً بلسان حاله : >أنا ربكم الأعلى< حلالي حلال، وحرامي حرام، اسمعوا بسمعي، وانظروا بنظري وفكروا بفكري والعصا لمن عصى. الغرب أيها الناس! "جنة"الكفار، جنة ظاهرها التكنولوجيا والعلم والعمل، وباطنها من قبله العذاب - إنه الغرب الذي بنى حضارته الحاضرة بالتلصص والسرقة والنهب والسلب والقهر والسيطرة والاستعمار... الأموال من كل فج عميق، والرجال سيقوا عبيداً، والمواد الأولية تضمنها المستعمرات استغلالاً ونقلاً... يبقى أمر العقول والأدمغة، فالشباك منصوبة لكل عالم ونابغة -هات يا أوراش! كل الغرب أوراش : طرق سيارة سكك حديدية- أنفاق "المترو"، ناطحات سحاب، إصلاح الأراضي، سدود، تشجير، موانئ مصانع... الخ- وفي نهاية الأوراش يقال للأوراش عودوا إلى بلادكم Sales arabes -طبعاً مع الاحتفاظ بالصفوة والخلص بعد أن يكبلوا بقيود من حرير- هذا هو الغرب!هذا هو الغرب الذي أذلته في يوم من الأيام كنيسته، وأذاقته العار والشنار، أصبح اليوم يفرض الاستخفاف والصَّغار، بالحديد والنار على المتخلفين... عن الإسلام، وحوّل العالم إلى سَلَّة موارد، وحَقْلِ استثْمار، وساحة اختبار... ومزبَلة نفايات السم، إنها حقوق الإنسان؟ أم تراني أهذي أيها المهزومون في بلادي؟ ربّما! ولكن دعوني أسألكم؛ كم نتصور من الأرواح البشرية أزهقت ظلماً بأيدي الغرب؟ كم مليوناً أبيدوا بيد الغرب في الحروب الصليبية، والكونية أو العالمية الأولى والثانية؟؟ والحروب الاستعمارية في الفيتنام؟؟ وشمال إفريقيا؟؟ والإبادات العرقية في الشرق الإسلامي؟؟ والقنابل الذرية في اليابان؟؟ وحرب العراق - إيران؟؟ وحروب إسرائيل؟؟ وحرب الخليج؟؟ كم من الحروب زودوها بالسلاح وأججوا نارها وأضرموا لهيبها بكيد أكيد؟ كم من البشر قد راحوا ضحية لوحوش البشر؟ في حروب احتلال واستغلال وميز عنصري... هذا هو الغرب! أم تراني أهذي أيها المهزومون في بلادي؟ إنه الغرب المتمرد على كل القيم والأخلاق، الذي شطب من قاموس حياته على كل شيء اسمه عفة، حياء حشمة، كل شيء اسمه مروءة، قرابة، ذمة أو رحم، لاشيء في قاموس قيمه يعطي قيمة أي قيمة للأسرة وروابط الأسرة ووشائجها وقداستها... حتى إنه لم يعد هناك معنى لِلَفْظَةِ : أُمٍّ أَوْ أَبٍ العمومة والأخوال - فما بالك بِعَمٍّ أو خَالٍ وخالةٍ... إنه الغرب الذي يتغنى بحقوق الإنسان، وقد أحرق الإنسان وكرامة الإنسان... وتأملْ لقاءاتهم وتجمعاتهم، وشواطئهم وغاباتهم، وبيوتهم وملاجئهم وفنادقهم تجدها أشبه بمواخير للرذيلة والشذوذ إلا ما ندر. الغرب، غرب الشهوات الجامحة التي لا تبقي ولا تذر فاختلطت الأسباب وتدنست الأرحام، وحيث أصبحت المرأة متاعاً عاماً يباع بلا ثمن، متاعاً أرخص من عجماء عجفاء صحيح إنه لم يتخذْ للعبيد أسواقاً وللدِّلالة أبواقاً، ذلك لأنه كله أسواق وكله أبواق والناس كلهم فيها عبيد المالكون والمملوكون كلهم عبيد >يتمتعون ويأكلون كما تأكل الأنعام والنار مثوى لهم<(محمد : 12) المهزومون عندنا لا يرون في الغرب إلا التكنولوجيا المتطورة والنهضة العلمية العملاقة، ومفاتن الحياة البراقة، وبهجة الأسواق المزدهرة، والحقول المزهرة والبساتين المثمرة، والناطحات الشامخة، والقصور الفارهة والوجوه الناظرة في البيوت الفاخرة ثم يتوجون إعجابهم بالحريات… حرية الاعتقاد، حرية التنقل، حرية التكسب، حرية التسيب، حرية التعبير والتغيير، باللسان والقلم و”الكاريكتور” مهما يكن الموضوع، ولو رئيس الدولة. وينسى المهزومون أو يجهلون أن “التكنولوجيا” المبتكرة والمتحركة ليست وليدة الغرب بقدر ما هي تفرّعٌ عن قواعد علمية ومعطيات رياضية وفزيائية وكمائية وتجريبية… ساهمت فيها مختلف الأجناس والأجيال من كل عصر ومصر، فالغرس عالمي، والإزهار والإثمار غربي.. والأسباب كثيرة منها ما هو داخلي ومنها ما هو خارجي، منها ما هو سياسي ومنها ماهو اقتصادي واجتماعي… الخ تداخلت فيها السرقة العلمية والفنية بالأثرة الصناعية، وتدخل فيها تهجير الأدمغة والعقول واستجلابها من كل حدب وصوب، ومن كل فج عميق -كما أسلفت-. وينسى المهزومون أو يجهلون الوجه الكالح لنفس هذه “التكنولوجيا” الباهرة وهذه النهضة الظاهرة، الوجه الكالح، المتمثل في صناعة آليات الدمار الشامل والخراب الكامل والتقتيل والتتنكيل من أجل المزيد من الإذلال وفرض التبعية الكاملة وامتصاص خيرات الأمم وقهر الشعوب بل وقتلها، وإبادتها كأنها خنافس وصراصير… إلا أن تخنع وتخضع وتجثو وتركع. الوجه الكالح “لتكنولوجيا” المواصلات والاتصالات المتمثل في الوصول بسرعة والتجمع بسرعة وتدخل بسرعة والقتل بسرعة… والاتصالات لها وسائل مذهلة ومدهشة حقيقة لكن من أجل التجسس والتصنت والمراقبة ثم تدمير كلي بالصوت والصورة لمكارم الأخلاق عبر الشاشات والأبواق، بالمسلسلات والأجواق… ولا ننسى في هذا المقام، ما يذاع ويشاع من كذب وبهتان حول حقوق الانسان مع أن العازفين على هذا الوتر هم أول منتهك لحقوق الإنسان في أخص خصائصها، ألا وهو حقه في المعرفة والفهم لما يجري في العالم والاطلاع الأمين الموثوق به، أما وأن الواقع شيء وما يصل الإنسان عبر هذه “اللُّعب” شيء آخر فما فائدة تكنولوجيا العصر من سلكي ولا سلكي وأقمار وصحون وشاشات… الخ؟ والمهزومون يتحدثون عن القفزات الجبارة في دنيا الطب والصيدلة هذا صحيح، ولكن كيف؟ إن الطب اليوم والصيدلة سوق أخرى تجارية أكثر منها إنسانية أو تكافلية وتعاضدية، بل لعلها هي الأخرى مجال رحب لا نتهاك حقوق الإنسان، وإليك البيان: لا شك أن السرقة عمل لا إنساني ومتناف مع أبسط قواعد التخلق الإنساني، فحين تطال حرفة التلصص والسرقة أعضاء بشرية تباع في السوق السوداء كقطع الغيار لتزرع في أجسام من يدفع أكثر من المحتاجين المضطرين، وحينما تجمع الدماء حسب فصائلها، سيما في البلدان المتخلفة بالمجان تحت تأثير دعائي إنساني ثم تؤخذ تلك الدماء لتصرف، الله أعلم أيْن؟ وكيف؟ حينما تقام العمليات الجراحية بالأثمان الباهظة والتي لا يجد المضطر معها حيلة ولا وسيلة، (ولا تحدثني عن خرافة مجانية التطبيب) وحين تباع الأدوية بالثمن المطلوب ولا سبيل لنقاش أو تفاوض حيث لا خيار أمام المشتري، حينما يحدث ذلك، وهو ما يحدث، نبئني بعد ذلك عن التقدم العجيب في دنيا التداوي والتطبيب! نعم، نرى بعض الدول الغربية، تدفع أحياناً الأدوية بالأطنان، وتبعث البعثات الطبية تباعاً للبلدان المنكوبة أو الشعوب المغلوبة فنقول ما أعظم الغرب! وما أرحمه! ثم ما تلبث أن تدرك أن العملية وراءها مكسب سياسي رخيص غير معلن وأنها سحت ورشوة أبعد ما يكون عن أن تكون لوجه الله تعالى فيعود تقييمك إلى أصله حيث الوجه الآخر للخُلُقِ الغَرْبِيِّ، خُلُقِ الأثرة والمتاجرة في أَجَلِّ المجالات الإنسانية، مجال الصحة. إن الغرب المتبجح بتقنياته وخدماته ومهاراته الطبية… هو الذي تسبب بوجه أو بآخر في ظهور أكثر الأوبئة والأمراض انظر إلى مرض السيدا مثلاً أليست السياسات الغربية تجاه العلاقات الجنسية المتحررة -حيت بات الزنا والدعارة والبغاء أمراً يمارس على قارعة الطريق- هي المسؤولة الأولى عن المضاعفات والعواقب؟ أليس السعار الجنسي المحموم وبالتالي الأمراض التناسلية من مسببات سياسة الحكومات الماخورية حتى أصبح الغرب كله ماخوراً أليس الغرب هو الذي أطلق عنان الخمور والمسكرات والمفترات وحتى المخدرات فكان لابد من نتائج فطرية يدفع الانسان ثمنها من صحته وحياته وسعادته؟؟ كم من العمليات الجراحية، ما كانت لتكون لولا المدمنون؟ كم من الأدوية بيعت واستهلكت وما كانت لتباع ولا لتستهلك لولا الخمور المتسببة في كل الشرور، بدءاً من الأعراض والأمراض.. إلى حوادث السير؟ والسجائر وحدها، كم تكون قد قتلت؟ وكم تكون أهدرت من الأموال؟ أليس الجريمة؟ وأنت تعلم أسباب الجريمة ومن يغذي عصاباتها ويمد شرايينها بوقود التأجيج والتسعير بدءاً بالسينما والتلفزيون حيث أفلام العنف، ومروراً بالخواء الرهيب في القيم والأخلا ق والإيمان بالله وانتهاء بالحريات العامة، وهي الوعاء لكل المآسي والويلات وما كان ذلك ليحدث لولا سياسات الغرب الاستعمارية الجاهلية… أعود لأقول : كم يتبجحون بالتقدم الطبي والصيدلي وكان عليهم، وعلينا أن ندرك مغبة ما تسببوا فيه من إيذاء وتعاسة وشقاء…