عبد الناصر السباعي استاذ مساعد بكلية الآداب بفاس، يدرس مادة علم النفس، وهو أحد الفعاليات التي لها إسهامات جادة في مجال التربية والثقافة، له حضور متميز على الساحة العلمية، شارك في ندوات ولقاءات تركت تدخلاته فيها بصمات واضحة في ميدان التربية وعلم النفس، وهو إلى جانب هذا صاحب مشروع نظرية جديدة في علم النفس عبر ثقافي.
س1 : نبدأ بتقليد جرت عليه الحوارات في هذا الشأن وهو التعرف إلى الاستاذ عبد الناصر السباعي فهل لكم أن تعطونا نبذة عن حياتكم الشخصية والعلمية؟
- ولدت بوجدة سنة 1958 وكان والدي رحمه الله أحد الوجوه البارزة للمقاومة الوطنية في وجدة أيام الاحتلال الفرنسي وبسبب حبه لدينه ووطنه وعدائه لكل ما خلفته فرنسا بعد رحيل جيشها فإنه أدخلني إلى مدرسة التعليم الأصيل بوجدة لأدرس العربية وعلوم الشريعة ولم يدخلني إلى المدرسة العمومية التي كانت تمثل في نظره استمرارا للمدرسة الفرنسية التي حاربها طوال فترة الحماية.
وبعد أن حصلت على البكالوريا (الأدبية الشرعية) سنة 1975اخترت دراسة الفلسفة وتخصصت في علم النفس حيث نلت الاجازة فيه سنة 1979 والتحقت بجامعة نانسي في فرنسا لتحضير دكتوراه السلك الثالث حيث ناقشتها سنة 1983 وفي السنة الموالية بدأت العمل بكلية الآداب والعلوم الانسانية ظهر المهراز بفاس بشعبة الفلسفة وعلم الاجتماع وعلم النفس ومازلت أستاذا مساعدا بها حتى الآن.
أنهيت أطروحتي لدكتوراه الدولة منذ ثلاث سنوات غير أن ظروفا لم يحن الحديث عنها بعد حالت دون مناقشتها.
أشتغل حاليا بالقضايا الفكرية والحضارية للأمة وأكتب فيها.
س2 : باعتباركم متخصصا في الفلسفة وعلم النفس ماهي انطباعاتكم حول تدريس هذه المادة في المؤسسات التعليمية وذلك من حيث المناهج والأطر والمحتوى؟
إن ما أتوفر عليه من معلومات حول تدريس هذه المادة هو أكثر ارتباطا بالتدريس في الجامعة، أما بالنسبة للثانوية فليست لدي معلومات تفصيلية. غير أنه يمكنني القول بصفة عامة، إن مواد مثل الفلسفة وعلم النفس والفكر الإسلامي وتاريخ الفكر مواد ذات أهمية خاصة بالنسبة لهويتنا الحضارية لكنها تدرس حتى الآن من منظور غربي معاد للأمة، لذلك وبدلاً من أن تعمل على توضيح الهوية الثقافية والحضارية للمتعلمين وتدفعهم الى الاعتزاز بها وبالانتماء إليها فإنها تعمل على ربطهم بالثقافة الغربية وتدفعهم الى احتقار هويتهم والتنكر لها لأنهم لا يعرفونها أصلا بل درسوها من المنظور الغربي الذي يعاديها ويشوهها.
ومع أن الأطر قد تمت مغربتها كليا وتم تعريب هذه المواد أيضاً غير أن المحتوى لم يتغير كثيراً بين المرحلتين إذ أن فرنسا هي التي كونت أغلب المدرسين الحاليين وعلمتهم كيف يعالجون هذه المواد من منظور يخدم مصلحتها وثقافتها ولا توجد محاولات جدية حتى الآن لإعادة النظر في محتوى هذه المواد ومناهج تدريسها بما يخدم المصلحة العليا للأمة ورسالتها الحضارية.
واقوم حاليا بمحاولة لوضع بعض المعالم الأساسية لتدريس هذه المواد من وجهة نظر تخدم هويتنا ورسالتنا الحضارية وسأنشرها قريبا إن شاء الله.
س3 : انطلاقا من تجربتكم الجامعية، إلى أي مدى يمكن الحديث عن دور الجامعة المغربية داخل محيط حضاري متميز يتفق ومقومات المجتمع المسلم؟.
ج : تدخل الجامعة المغربية في إطار المنظومة التعليمية التي فرضتها فرنسا على المغرب، ولا نزال نستخدمها كما هي، يعني نستخدمها كما جاءت بها الحكومة الفرنسية، ومعلوم أن هذا النظام التعليمي الذي جاءت به فرنسا، كان يخدم المشروع الفرنسي الاستعماري، وهذا المشروع كان يهدف إلى أن ينشئ من المغرب مجتمعا ضعيفا، ومجتمعا يمكن لفرنسا أن تتحكم فيه، وأن توجهه كيفما شاءت، ويخدم مصالحها أيضا في المدى القريب، وفي المدى البعيد.
ولذلك فالتفكير في دور الجامعة في إطار نسق حضاري متميز، أعني إسلامي، لا يمكن أن يتم إلا بإعادة النظر في النظام التعليمي من أساسه، وتوجيهه توجيها آخر، توجيها يخدم مشروعا حضاريا آخر، غير المشروع الاستعماري الفرنسي، وهذا الأمر نحن الآن بعيدون عن التفكير فيه، ولا يثار -حتى ولو مجرد إثارة- في الكتابات والأحاديث التي تدور حول مشكلة التعليم!
س4 : في زحمة المناهج التربوية، وبعد تجربة طويلة لمناهج تربوية مستوردة، هذه من الشرق وتلك من الغرب. في رأيكم، ما مدى نجاح أوفشل تلك المناهج؟ وفي كلتا الحالين ما هي الأسباب؟
ج : إن النظام التربوي الذي يستخدمه أي مجتمع يحمل بالضرورة المشروع الثقافي والحضاري لذلك المجتمع، فإذا كان ذلك المشروع مناسبا أو منسجما مع هوية المجتمع، وممثلا لطموحه ولرسالته الحضارية مستقلا، فإنه يؤدي إلى نمو المجتمع وإلى ازدهاره وتمكنه من أسباب القوة التي تعطيه مكانا على الساحة العالمية، وبين المجتمعات الأخرى. أما إذا كان ذلك المشروع فاسدا لسبب من الأسباب، فإنه سيؤدي إلى تخلف المجتمع وإلى ضعفه، وإلى فقدانه مكانته إن كانت له مكانة على المستوى الدولي.
أما بالنسبة لحالنا الآن فإن النظام التربوي الذي ننشيء أبناءنا وفقه هو من إفرازات المشروع الاستعماري الفرنسي الذي كانت له أهداف محددة، أهداف ترمي إلى زرع الحضارة الغربية بيننا، أي داخل المجتمع المغربي، وداخل المجتمعات التي استعمرتها. لكن وحتى عندما تزرع بذور الثقافة والحضارة الفرنسية في مجتمعنا، فليس معنى ذلك أنها تعطينا نفس الفرص المتوفرة لفرنسا للنمو، بل إنها تريد أن تجعل منا مجتمعات تدور في فلك الثقافة الفرنسية، تخدمها وتتبع لها، ولكن دون أن تكون لها نفس القوة، ونفس الحظوظ من النمو والازدهار.
لذلك فإن هذا الوضع -في رأيي- هو السبب في المشكلة، وفي التخلف الذي نعيش فيه؛ ولا يمكن أن نفكر في بناء مشروع حضاري مستقبلي ايجابي إلا بإعادة النظر في هذا الوضع، ثم رسم تصور آخر مختلف تماما.
وحينما نتأمل في واقعنا نجد أن النظام التعليمي الذي سار فيه بلدنا منذ الاستقلال حتى الآن يحقق لنا النمو المطلوب، بل أوصلنا إلى حافة الكارثة سواء من الناحية الاجتماعية أو الثقافية أو الاقتصادية… إلخ وبالتالي هناك اعتماد كلي في المجال الثقافي وفي المجال العلمي والمعرفي على الغرب، وكل هذا انعكس سلبا على النظام التعليمي والتربوي.
س5 : مما لاشك فيه أن التربية داخل أي منظومة حضارية، لها محددات فكرية وعقدية وايديولوجية.. وبالطبع فإن للإسلام طرح خاص للتربية وذلك باعتباره دينا يستوعب مناحي الحياة كلها.
فهل بإمكانكم تقديم لمحة حول التصور الاسلامي للتربية؟
ج : التربية هي أخطر عملية اجتماعية على مستوى الحضارات، والتربية هي العملية التي ينقل عبرها المشروع الحضاري للمجتمع إلى الأجيال الناشئة لكي تعمل على استمراره بل على ازدهاره وتنميته؛ فحينما تفشل التربية معناه أنه فشل المستقبل، وعندما تكون التربية ناجحة فمعناه ضمان استمرارية المجتمع، وضمان المستقبل أيضاً.
أما عن الاسلام، فهو نفسه منهج تربوي، إذ كان هدفه منذ البداية هو صياغة الانسانية صياغة خاصة تخدم مشروعا حضاريا متميزا ولذلك نجده قد أعطى للتربية مكانة لامثيل لها، بحيث أنه ربى الناس في مختلف الأعمار، وفي مختلف المستويات؛ فربى الصغار كما ربى الكهول والشيوخ أيضا. وغلبة الطابع التربوي على الاسلام هو -في الحقيقة- من خصوصيات هذا الدين العظيم.
ثم شيء آخر وهو أننا حينما نريد الآن أن ننظر في وجهة النظر الاسلامية حول التربية، فإننا في الواقع قد نخطئ لماذا؟ لأن التربية ليست جزءا جانبيا صغيرا من الاسلام، وإنما هي الاسلام نفسه، ولذلك فلكي نعرف وجهة النظر الاسلامية، يجب أن نتبني الاسلام كله؛ إن الاسلام في كل جوانبه هو المنهج التربوي الذي جاء به محمد صلى الله عليه وسلم، ثم طبقه على القبائل التي عاصرها وعايشها، فأنشأ منها جيلا إسلاميا فريدا، استطاع أن ينشر الحضارة الاسلامية ويعطيها مكانا رفيعا بين الحضارات الانسانية التي كانت متواجدة معه آنذاك.
فمن هذا المنظور يمكنني القول إنَّ التربية في الاسلام هي أهم مظهر للإسلام وبدون وجود تربية على هدي من الاسلام لن تكون هناك حضارة إسلامية من الاصل ولن تكون هناك تربية اسلامية بالمعنى الصحيح ، فالتربية الاسلامية ليست مادة -كما يحدث الآن- تدرس على هامش المواد والمقررات، وينظر إليها كعنصر من بين عناصر أخرى، وإنما ينبغي أن تكون هي العملية التي تصهر المجتمع كله، وتدفع به قدما نحو تطبيقه شريعة الله، ونحو تطبيقه المشروع الحضاري الاسلامي في الأرض.
*نشكر الاستاذ السباعي على هذا الحديث الشيق ونتمنى له النجاح والتوفيق.