نظرية التقعيد الفقهي وأثرها في اختلاف الفقهاء


صدر عن كلية الآداب والعلوم الانسانية بالرباط ضمن سلسلة : رسائل وأطروحات كتاب : نظرية التقعيد الفقهي وأثرها في اختلاف الفقهاء للدكتور محمد الروكي وهو في أصله أطروحة جامعية نال بها المؤلف أول دكتوراه الدولة في الدراسات الاسلامية بتقدير حسن جداً.
وهي أطروحة جليلة القدر رفيعة المستوى كما أكد د. فاروق حمادة في تقديمه للكتاب، من حيث أهمية الموضوع وجلالته، والمنهج ومتانته، والمضمون وقوته، والأسلوب ورشاقته، وسعة المصادر وتنوعها.
والكتاب يقع في حوالي 600 صفحة، استهله المؤلف بمقدمة بين فيها قيمة علوم الشريعة، وأهمية علم الفقه فيها ومنزلة قواعد الفقه وكلياته، فقرر أن >أشرف العلم بشرع الله تعالى، وثمرة علوم الشرع الفقه… وثمرة الفقه قواعده وكلياته<(نظرية التقعيد : 13) وبمنهج التقعيد المضمن في القرآن والسنة صارت الشريعة الاسلامية صالحة لكل زمان ومكان فإن الشارع الحكيم ينبه في كتابه الكريم على الأصول والكليات التي تخضع لها الفروع وكذلك شأن الرسول صلى الله عليه وسلم بما أوتيه من جوامع الكلم. ولذلك فإن الفقه لا يكتسب القدرة على استيعاب الواقع ومتغيراته إلا >بتعميق البحث في أصوله وكلياته وقواعده وتطوير مناهج تقعيده< (نطرية التقعيد : 14) وهذا ما أدركه الفقهاء من قبل كالقرافي والزركشي والسيوطي وغيرهم. فالكتاب إذن مساهمة في النهوض بالفقه الاسلامي إلى مستوى التنظير والتأصيل للفروع والجزئيات وتجاوز المنهج التقليدي التجريئى المألوف في عرض مادته والذي يعتمد طريقة الأبواب والفصول. فإن الفقه بعد مسيرة أربعة عشر قرناً من البحث فيه والاجتهاد في قضاياه وإغناء تراثه بالتأليف والإفتاء >أصبح لزاماً علينا أن نصوغه صياغة جديدة تلائم العصر وتلبي حاجاته، وتسبجيب لمتطلبات العقلية الاسلامية المعاصرة… من جهة وتواكب ما تعرفه العلوم الأخرى من إعادة تشكيلها وصياغتها وتركيبها العلمي والمنهجي من جهة أخرى….<(نظرية التقعيد : 19) ولذلك جاءت هذه النظرية لتؤسس لمشروع القواعد الفقهية ولترشد الدرس الفقهي بصفة عامة، خاصة وأن التقعيد الفقهي له ارتباط وثيق بالخلاف الفقهي فإنه سبب من أهم أسباب اختلاف الفقهاء، كما أن الخلاف الفقهي يعد سببا من أسباب تقعيد القواعد الفقهية، فبينهما علاقة وشيجة ومحكمة تكلفت هذه الدراسة ببيانها وتحليلها. ولذلك جاء الكتاب في قسمين، تناول المؤلف في القسم الأول منه التقعيد الفقهي وضوابطه وعناصره وطرق العمل فيه. وأبرز في الفصل الثاني الأصول الشرعية للتقعيد الفقهي ليكشف أن فكرة التقعيد الفقهي مبثوثة في النص والقياس والاستصحاب والاستصلاح والترجيح. وأما الباب الثاني فقد اهتم فيه ببيان العلاقة بين التقعيد الفقهي والخلاف الفقهي فخص الفصلين الأولين منه للحديث عن حقيقة الخلاف الفقهي وموقف الشرع منه، وأنواعه وأسبابه، فصحت بهذا التفصيل كثير من المفاهيم التي راجت في القديم والحديث حول قضية الخلاف الفقهي. ثم خلص في الفصل الثالث إلى وصف العلاقة بين التقعيد الفقهي والخلاف الفقهي ببيان حدودها ومعالمها. وقد أثمر هذا القسم الأول نتيجة علمية كبيرة هي أن التقعيد الفقهي بمعناه العلمي هواستنباط الأحكام الكلية واستخراجها من أصولها الشرعية، خلافاً لما درج عليه كثير من الباحثير في القواعد الفقهية كأحمد الندوي ومحمود مصطفى عبود هرموش وغيرهما، إد حددت هذه الدراسة التقعيد الفقهي بإعطاء تعريف علمي للقاعدة الفقهية وطبيعتها وخصائصها والفروق بينها وبين غيرها، وكذا تحديد عناصر ومقوماتها العلمية، بعد طول تأمل ونظر في موارد مادة (ق ع د) في القرآن واللغة، وكذا تعريفات القدماء والمحدثين للقاعدة الفقهية. فتحصل من كل ذلك أن القاعدة القهية : >حكم كلي مستند إلى دليل شرعي مصوغ صياغة تجريدية محكمة منطبق على جزئياته على سبيل الاطراد أو الأغلبية< وأنها لابد لها من عناصر أربعة : الاستيعاب، الإطراد أو الأغلبية، التجريد ثم إحكام الصياغة. وإذا كان القسم الأول، تقديما نظريا لهذه الثمرة العلمية، فإن القسم الثاني اختص بالتمثيل والتطبيق حيث اهتم المؤلف فيه بالحديث عن أثر التقعيد الفقهي في اختلاف الفقهاء، فجزأه إلى أربعة أبواب أبرز في الأول منها أثر التقعيد من حيث روايته ودرايته وقواعده تفسير، وملابساته، كل ذلك في الفصل الأول منه، ليظهر في الثاني أن الأحكام الكلية أو القواعد الفقهية بما أنها تخضع لنفس طرق الاستنباط التي تستنبط بها الأحكام الجزئية فإنها مجال لاختلاف الفقهاء أيضاً وبنفس الأسباب المذكورة في الفصل الأول؛خاصة ما يرجع إلى القواعد الفقهية المستنبطة من آحاد النصوص لأنها بظنيتها تكون مجالاً واسعاً لاختلاف الفقهاء. بخلاف القواعد التي يتوصل إليها عن طريق استقراء نصوص الشرع وتتبع مقاصده، فإنها قطعية لا اختلاف فيها ولذلك اختار المؤلف تسميتها بالقواعد الشرعية لأن مصدرها الشرع بنصوصه ومقاصده وليس للفقيه فيها إلا التجريد والكشف والعمل الاستقرائي وقدم ضمن هذا الباب عدداً من الأمثلة والتطبيقات سواء في الأحكام الجزئية أو الكلية، من القواعد المنتزعة من النص أو المستنبطة منه. وقام بنفس الجهد في الباب الثاني : أثر التقعيد بالقياس في اختلاف الفقهاء إذ بحث في الفصل الأول، اختلافهم بسبب القياس سواء من حيث الحجية أو العلة، وعرض في الثاني للاختلاف بسبب التقعيد بالقياس سواء من حيث أصل القياس أو علته. وفي الباب الثالث فصل في أثر التقعيد بالاستدلال( استصحاباً واستصلاحاً وقياس استدلال) في اختلاف الفقهاء، فبين في الفصل الأول أن الفقهاء اختلفوا في إنشاء الأحكام الجزئية بسبب الاستصحاب والاستصلاح وقياس الاستدلال، وبنفس هذه الاسباب اختلفوا في تقعيدهم للقواعد الفقهية كما نبه في الفصل الثاني. وأما الباب الرابع فقد ذكر فيه أثر الترجيح -كمسلك رابع من مسالك التقعيد- وأثره في اختلاف الفقهاء فدرس في الفصل الأول اختلاف الفقهاء بسبب الترجيح ببيان حقيقة التعارض والترجيح وصورهما ودورهما في الاختلاف الفقهي، واعتنى في الفصل الثاني بالحديث عن اختلاف الفقهاء بسبب التقعيد بالترجيح. وهكذا، فإن الكتاب مؤسس لنظرية التقعيد الفقهي ومبرز لحدودها ومعالمها فهو إطار وميزان للبحوث والدراسات التي تنجز في القواعد الفقهية لأن صياغة هذه القواعد دائرة في فلك هذه النظرية كما أنه منهاج للكشف عن تراثنا الفقهي. وقد أثمرت هذه الدراسة عدداً من النتائج العلمية ضمنها د محمد الروكي خاتمة الكتاب. وأخيراً -وكما قال د. فاروق حمادة- فإن هذا المنهجد الدقيق في مثل هذه المباحث الأصولية والفقهية المتشابكة الشائكة ليدل على عقلية ناضجة ورسوخ في الفقه وأصوله تجعل صاحبها في مصاف العلماء الذين يرجى منهم للفقه الاسلامي والفكري كل خير إن شاء الله. عبده بن ادريس.

اترك تعليقا :

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

يمكنك استخدام أكواد HTML والخصائص التالية: <a href="" title=""> <abbr title=""> <acronym title=""> <b> <blockquote cite=""> <cite> <code> <del datetime=""> <em> <i> <q cite=""> <strike> <strong>